العمل الجماعي في بيئة خالية من الصراع يطوّر الأداء الوظيفي: علاقات العمل الناجحة..تعزيز لثقافة الفريق وزيادة الإنتاجية

​​د.بدر الضمادي: أصحاب الذكاء العاطفي المرتفع لديهم قدرة أكبر على تفهم احتياجات زملائهم

د.محمد القرني: علاقات العمل الفعالة والصحية تطور الأداء الفردي والجماعي للموظفين

عبدالله أبوسرهد: في بيئة العمل الخالية من المشاحنات والعداء بين الموظفين يكون الأداء فعّال والإنتاجية كبيرة

بهيج البهيجي: العلاقات الشخصية بين زملاء العمل تزداد أهميتها في أوقات الضغوط والأزمات

 

العلاقات الإنسانية ليست قاصرة على الحياة الشخصية؛ بل تمتد إلى الحياة العملية، والعلاقات الشخصية التي تنشأ بين الموظفين في جهات عملهم على درجة كبيرة من الأهمية؛ لأن تأثيرها لا يقتصر على علاقات الموظفين فقط؛ وإنما يتجاوزها إلى بيئة العمل ذاتها. فمن شأنها إما أن تطور، أو تعرقل إنتاجية الموظفين، ومن ثم فإنها تمثل مكسباً للمؤسسة إذا ما أحسنت استغلالها، أو خسارة كبيرة إذا أساءت توظيفها. في هذا التحقيق نلقي الضوء على علاقات العمل وتأثيراتها المختلفة. 

​علاقات متميزة

أوضح البحث الشيق الذي أجراه د.جيمس جيرارد من جامعة "ألاباما" أن لدى الأفراد حاجة فطرية إلى العلاقات الإيجابية واستمرارها؛ ويعود السبب في ذلك إلى أن العلاقات توجد هدفاً للحياة، وتشبع الرغبة في الانتماء، ومن الواضح أن الأفراد يُنشئون هذه العلاقات ليس في حياتهم الشخصية فحسب، ولكن في حياتهم العملية أيضاً، فما يُعرف بعلاقات العمل يشير إلى أنماط العلاقات بين الأفراد أو الشركاء المتعاملين بعضهم مع بعض، سواء كانوا أفراداً، أم جماعات، أم منظمات، وتكون هذه الأنماط موجهة نحو تحقيق بعض الأهداف أو الغايات المشتركة. وتعد علاقات العمل على درجة عالية من الأهمية في المنظمات؛ لأن الموظفين يمضون معظم وقتهم يتعاملون مع موظفين آخرين.

ويمكن لعلاقات العمل أن تساعد الموظفين على الوصول إلى الموارد وفرص العمل، كما تساعد على تشكيل هوياتهم الشخصية والمهنية وتبديل نظرة الموظفين تجاه وظائفهم، عن طريق منح العمل معنى أكبر، كما أنها تكون نظماً لصنع القرار وتبادل التأثير وتوفير المساندة المادية والعاطفية، كما أن علاقات العمل المتميزة يمكن أن تعد أحد العوامل التي بوسعها خفض الإجهاد والإرهاق في العمل؛ ولذلك فإن غياب مثل هذه العلاقات المتميزة، وكذلك عندما تكون علاقات العمل سلبية؛ يمكن أن تؤثر بالسلب على إنتاجية الموظف وأدائه الوظيفي.

الولاء وروح الفريق

من جانبه، يرى د.محمد عبد الرحمن القرني-الأستاذ المساعد بقسم إدارة الموارد البشرية بجامعة الملك عبد العزيز-أن علاقات العمل لها تأثير مهم على إنتاجية الفرد وأدائه المهني بالمنظمات بشكل إيجابي أو سلبي، وخصوصاً بمجتمعاتنا العربية والتي يصنفها العلماء بأنها مجتمعات جماعية تشجع على الانسجام والتعاون والتسامح واحتواء الخلافات بين الموظفين؛ لخلق بيئة عملية تساعد على إقامة علاقات صحية بين الأفراد. فالموظف يذهب يومياً إلى العمل، ويقضي ساعات طويلة في عمله؛ وبالتالي فإن وجود مشاكل بين المسؤول والموظف، أو بين الموظفين قد يشكل ضغطاً سلبياً على الأفراد. وهذا قد يدعو الموظف للشعور بعدم الرضا والتفكير بالانتقال إلى عمل آخر لهبوط الحالة المعنوية.

ويضيف د.القرني: وإذا تزايد هذا الشعور بين الموظفين؛ فإن المنظمة سوف تتأثر سلباً بسبب هبوط الأداء وتسرب الموظفين وعدم القدرة على المحافظة عليهم. ولذلك فإن المنظمات التي تدرك تأثير علاقات العمل على رضا الموظف تحرص على تشجيع المرونة الإدارية من خلال تفهم احتياجاتهم الاجتماعية، وتقدير ظروفهم المختلفة لخلق بيئة صحية تساعد على إقامة علاقات إيجابية بين الموظفين لضمان استمراريتهم في بيئة مُرضية ومُنتجة. فالمرونة الإدارية تجعل الموظفين يشعرون بالاحترام والتقدير، وهذا يساعد على رفع الحالة المعنوية؛ وبالتالي زيادة الولاء للمنظمة التي يعملون فيها.

ومن العوامل الأخرى التي تساهم في خلق بيئة عمل إيجابية-والحديث لايزال للقرني-وضع أهداف مشتركة للموظفين؛ بحيث يشعر الموظف أنه جزء مهم ويعمل ضمن مجموعة من الأفراد لتحقيق إنجازات جماعية مشتركة؛ وذلك لأن شعور الموظف بانفصاله عاطفياً واجتماعياً في العمل قد يعيق من عملية اندماجه مع زملائه الآخرين، وبالتالي ظهور علامات عدم الرضا والتفكير بترك العمل والبحث عن وظيفة أخرى. ولرفع مستوى التواصل والعلاقات الاجتماعية بين الموظفين؛ يجب على المنظمات وضع أنشطة اجتماعية أثناء وخارج ساعات العمل؛ حتى يتمكن الموظف من تكوين صداقات، ومعرفة وفهم زملائه الآخرين بشكل أفضل. وهذا من شأنه أن يسهم أيضاً في رفع مستوى التعاون والأداء الفردي والجماعي بين الموظفين وبالتالي بناء ثقافة الفريق الواحد.

ذكاء عاطفي

ويقول د.بدر الضمادي-عضو هيئة التدريس بإدارة الخدمات الصحية بجامعة حائل-"يقضي الموظف أغلب وقته خلال أيام الأسبوع في العمل مع زملائه، وقد يكون هذا الوقت عصيباً ومرهقاً للغاية؛ والسر في ذلك هو علاقات الموظف مع زملائه، لذلك فالعلاقات الإيجابية في بيئة العمل تجعل الموظف يشعر بالراحة والمتعة، بالإضافة إلى أنه ينجز أكثر؛ لأن وقته يقضيه للعمل فقط وليس لحل مشكلات العمل الناشئة من العلاقات غير الجيدة مع الزملاء.

ويضيف الضمادي: "السؤال المهم هنا كيف يمكن أن نطور علاقتنا ونحول علاقاتنا غير الجيدة مع بعض زملاء العمل إلى علاقات إيجابية وفعالة؟، وفي هذا الصدد ذكر الموقع التطويري الشهير "مايند تول MIND TOOL" عدة خطوات عملية لتطوير علاقات العمل منها معرفة أن العلاقة الناجحة مع أحد زملاء العمل ناتجة عن معرفة الاحتياج من هذه العلاقة، بمعنى آخر: ماذا أود من زميلي؟ وماذا يود زميلي مني؟ فمعرفة هذه الاحتياجات يساعد الموظف على تلبيتها.

ويرى د.بدر الضمادي أنه من الخطوات العملية لتطوير العلاقات مع زملاء العمل تخصيص وقت لتطوير هذه العلاقات، فالكثير منا لا يهتم بهذه النقطة المهمة، وهي أننا لا نبذل جهداً لذلك، فمثلاً تخصيص ربع ساعة أو نصف ساعة يومياً من وقت العمل لتطوير علاقاتنا مع زملائنا بأن نتواصل معهم بشكل شخصي ونحاول أن نتعرف عليهم أكثر، مما سيساعدك على معرفتهم والتأثير فيهم؛ ومن ثم بناء علاقة عمل مميزة معهم، ولعل من أهم الخطوات العملية لتطوير علاقاتك مع زملائك في العمل هو تطوير ذكاءك العاطفي، والذي يركز على فهم مشاعرك وعواطفك والتحكم بها؛ ومن ثم فهم مشاعر الآخرين والتأثير فيهم، وقد وجدت الكثير من الدراسات أن الأشخاص أصحاب الذكاء العاطفي المرتفع لديهم قدرة أكبر على تفهم احتياجات الآخرين، وقد ذكر موقع "مايند تول" أن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي العالي غالباً ما ينجحون في معظم الأشياء التي يقومون بها. لماذا؟ لأنها هي التي يريدها الآخرون في فريقهم. عندما يرسل الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي المرتفع بريداً إلكترونياً، يتم الرد عليه. عندما يحتاجون إلى مساعدة فهم يحصلون عليها؛ لأنهم يجعلون الآخرين يشعرون بالرضا؛ ومن ثم فإنهم يمرون بسهولة أكثر بكثير من الأشخاص الذين يشعرون بالغضب بسهولة.

​علاقة تكاملية

ويؤكد عبدالله ناصر أبو سرهد-الموظف بجامعة الملك خالد-أن علاقة الموظف بزملائه في العمل تؤثر عليه بشكل كبير جداً، سواء إيجاباً أو سلباً، فإذا كانت بيئة العمل صحية وسليمة وخالية من المشاحنات والعداء بين الموظفين؛ كان أداء الموظف فعّال وكان عطاءه وإنتاجيته في العمل كبيرة جداً، من خلال التعاون بين الموظفين ومساعدة بعضهم البعض وتقدير الظروف النفسية التي قد يمر بها الموظف، وأن تكون علاقة الموظفين ببعضهم علاقة تكاملية؛ بحيث يكون كل منهم مكملاً للآخر.

ضغوط وأزمات

من جانبه، يرى بهيج بن عبد الرحمن البهيجي-موظف حكومي-أن تكوين العلاقات الشخصية بين زملاء العمل يعتمد على الشراكة الفعالة والروابط القوية والاهتمامات المشتركة فيما بينهم؛ فكلما كانت هذه الروابط إيجابية، وخاصة أوقات الضغوط والأزمات، فإن كل موظف يصبح عليه من السهل أن يضع نفسه مكان الموظف الآخر؛ وهو ما يجعله أقدر على تفهم ظروف كل موظف، وأن يتعامل معه بتعاون وإنسانية. ويشير البهيجي إلى أن على الموظفين أن يتعاملوا مع بعضهم البعض بطريقة بإيجابية وتعاون كامل لا أن يسود علاقات العمل التنافر والصراع والإيذاء اللّفظي؛ فمن شأن العلاقات الناجحة بين زملاء العمل أن تمنح بيئة العمل والموظفين شعوراً أفضل، وتعمل على معالجة ما لدي بيئة العمل من نقاط ضعف، أما الصراع بين الزملاء والعلاقات السلبية فيما بينهم؛ تتسبب في إثارة المشاكل في بيئة العمل وتضعف من إنتاجية الموظف.

وفي ختام هذا التحقيق، يتضح أهمية أن تكون علاقات العمل إيجابية وصحية وخالية من المشاحنات والخلافات والصراع بين الموظفين، بما يترك أثره الإيجابي على بيئة العمل. ​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة