"بيتر هاوس" يستعرض مداخلها ونظرياتها وتطبيقاتها: القيادة الإدارية

​للقيادة الإدارية أهميتها الخاصة في استمرارية، وتطور، وأداء المنظمات المختلفة، وتميزها-لاسيما من الناحية الإدارية-وهدفها التأثير في الآخرين وتوجيه سلوكهم؛ لتحقيق الأهداف المنشودة للمنظمة. وللقيادة الإدارية أهميتها البالغة؛ فهي تُعد حلقة الوصل بين أهداف المنظمة ومنسوبيها، وتساعد على تنمية الجوانب الإيجابية فيها وتقليص الجوانب السلبية، وتساهم في عملية تطوير وتنمية منسوبيها، والاهتمام بشؤونهم ورعايتهم، وتوظيف المتغيرات المحيطة بما يخدم هذه المؤسسة.

وانطلاقاً من هذه الأهمية؛ نصحبكم في هذا العدد من "التنمية الإدارية" كي نقرأ معاً كتاباً مهماً؛ لمؤلفه "بيتر ج.نورث هاوس" بعنوان: "القيادة الإدارية: النظرية والتطبيق"، وقام بترجمته للغة العربية د.صلاح بن معاذ المعيوف، ضمن إصدارات معهد الإدارة العامة في طبعته السادسة. فتعالوا معنا نبحر بين فصوله وصفحاته.

"السمات" و"المهارات"

ينقسم الكتاب إلى: تمهيد، و16 فصلاً متنوعاً تتوزع على صفحاته البالغ عددها 527 صفحة. يستهلها المؤلف بالفصل الأول "مقدمة"؛ فيؤكد على أن القيادة هي سلعة مهمة ومطلوبة وذات قيمة مضافة، وتستحوذ على اهتمام الباحثين، وعملية معقدة ذات أبعاد متعددة. ويستعرض هذا الفصل: تعريف القيادة، ومدخلاً لفهمها، وعناصر هذا التعريف، ووصف القيادة، والقيادة الرسمية مقابل القيادة النشوئية، والقيادة والقوة، والقيادة والإكراه، والقيادة والإدارة. ويبرز الفصل الثاني "مدخل السمات" الذي حظي باهتمام العلماء خلال القرن العشرين، بيد أنه واجه في منتصف هذا القرن تشكيكاً في عالمية سمات القيادة، لكنه عاد الاهتمام إلى هذا المدخل في السنوات الأخيرة. ويتطرق المؤلف في هذا الفصل إلى عدد من تلك السمات كالذكاء، والثقة بالنفس، والعزيمة، والاستقامة، والاجتماعية، ثم يستعرض نموذج عوامل الشخصية الخمسة والقيادة. ويتحدث الفصل الثالث عن "مدخل المهارات" الذي يشبه مدخل السمات، وذلك عبر جزأين: يناقش الأول منهما الأفكار العامة التي طرحها Katz عن المهارات الإدارية الأساسية: الفنية، والإنسانية والفكرية. ويناقش ثانيهما الأعمال الحديثة التي قام بها Mumford وزملاؤه والتي على أساسها تم طرح نموذج المهارات التنظيمية القيادية الحديثة.

"الأسلوب" و"الموقفي" و"التوافقية"

ويسلط المؤلف الضوء في الفصل الرابع على "مدخل الأسلوب" الذي يركز على سلوك القائد، وهو ما يميزه عن مدخل السمات الذي يركز على الخصائص الشخصية للقائد، وكذلك يميزه عن مدخل المهارات الذي يركز على قدرات القائد. وقد قامت جامعتا ولاية أوهايو وميتشجان، وبليك وموتون بدراسات تمثل بقوة الأفكار التي طرحت في هذا المدخل. ويركز الفصل الخامس على "المدخل الموقفي" الذي يعد أحد مداخل القيادة الأكثر شيوعاً وانتشاراً، وقد طوره كل من: هيرسي، وبلانكارد عام 1969م، وباختصار فإن جوهر القيادة الموقفية يتمثل في أنها تتطلب من القائد التوفيق بين أسلوبه وبين كفاءة الأتباع والتزامهم. والقادة الفاعلون هم أولئك الأشخاص الذين يمكنهم التعرف على ما يحتاجه الموظفون، ثم يكيفون أسلوبهم لتلبية هذه الاحتياجات. ويناقش الفصل السادس "النظرية التوافقية" التي يمكن تسمية العديد من المداخل القيادية بها، غير أن نظرية فيدلر، وفيدلر وجارسيا التوافقية تعد الأكثر قبولا وشيوعاً. وتعد النظرية التوافقية نظرية توافق – القائد، والتي تعني أنها تحاول الموائمة بين القادة والمواقف المناسبة. وتسمى التوافقية؛ لأنها تقول بأن فاعلية القائد تعتمد على مدى مناسبة أسلوبه القيادي للبيئة المحيطة.

الهدف والتفاعل والتحويلية

ويعالج الفصل السابع "نظرية مسار الهدف" التي تركز على كيفية تحفيز القادة لأتباعهم؛ من أجل تحقيق الأهداف المرسومة، وقد ظهرت هذه النظرية في أدبيات القيادة في أوائل السبعينيات من القرن العشرين؛ والهدف الأساسي لها هو تعزيز أداء الموظف ورضاه من خلال التركيز على دوافعه. وفي هذا الصدد يبرز الفصل: سلوكيات القائد، والقيادة التوجيهية، والقيادة المساندة، والقيادة المشاركة، والقيادة الموجهة نحو الإنجاز، وخصائص الأتباع. ويشرح الفصل الثامن "نظرية التفاعل بين القائد والعضو" التي تتبنى مدخلاً مختلفاً؛ حيث تصور القيادة على أنها عملية ترتكز على التفاعل بين القادة والأتباع، وتجعل العلاقة بين هذين الطرفين هي النقطة المحورية في عملية القيادة، وقد طُرحت تلك النظرية لأول مرة في أعمال كل من: دانسيرو وجرين (1975م)، وهاجا (1975م)، وجراين وكاشمان (1975م)، وجراين (1976م)، وتجدر الإشارة إلى أن هذه النظرية شهدت تعديلات عديدة منذ ظهورها، وتمثل أهمية بالنسبة للباحثين في مجال القيادة. وينتقل المؤلف في الفصل التاسع إلى الحديث عن "النظرية التحويلية" كمدخل معاصر يعطي اهتماماً أكبر للبعد الكاريزمي والعناصر المؤثرة الأخرى في القيادة، وكما يشير اسمها فهي العملية التي تغير الأفراد وتحولهم، وتركز على القيم والأخلاق والمعايير والأهداف طويلة الأجل، وتشتمل على تقييم دوافع الأفراد وإشباع حاجاتهم ومعاملتهم بإنسانية.

"الخادمة" و"الجديرة بالثقة" و"الفريق"

ويقدم الفصل العاشر من الكتاب "القيادة الخادمة" كمدخل يركز على القيادة من منظور القائد وسلوكه؛ إذ يولي القادة اهتمامهم لاحتياجات أتباعهم، ويتعاطفون معهم ويعملون على تنميتهم ودعمهم، ومما يذكر أن هذا المدخل في القيادة ينطوي على تناقض مع الحس الطبيعي؛ لأن الصورة الذهنية لدينا عن القائد لا تتفق مع مفهوم الخادم. ويدور موضوع الفصل الحادي عشر عن "القيادة الجديرة بالثقة"، ويلفت المؤلف هنا إلى ملاحظة مهمة وهي أن القيادة الموثوقة مازالت في مرحلة التشكل والتطوير؛ ولذلك ينبغي النظر إليها بصورة مبدئية: فمن المحتمل أن يطرأ عليها تغيير في المستقبل. وهذا النوع من القيادة له عدد من المداخل منها: المدخل التطبيقي، ومدخل بيل جورج، والمدخل النظري. ويخصص المؤلف الفصل الثاني عشر للحديث عن "قيادة الفريق"؛ حيث أصبحت القيادة في المجموعات التنظيمية أو فرق العمل أكثر المجالات انتشاراً وأسرعها نمواً فيما يتعلق بنظرية القيادة والبحوث بشكل عام.

النساء والقيادة

ونطالع في الفصل الثالث عشر "المدخل الديناميكي النفسي" الذي يشتمل على العديد من الطرق المختلفة المتعلقة بدراسة القيادة، فلا يوجد نوع واحد أو نظرية واحدة في هذا الصدد. بل هناك مفهوم جوهري واحد يرتكز عليه هذا المدخل ألا وهو الشخصية، ويتم فيه التأكيد على أنواعها. ويبرز الفصل الرابع عشر موضوعاً مهماً وهو "النساء والقيادة"؛ فيشير المؤلف إلى ما تم طرحه من آراء تكرس لوجود اختلافات بين الرجل والمرأة في القيادة؛ وقد كان من نتيجتها النظر إلى المرأة على أنها أقل مكانة وأدنى شأناً من الرجل؛ لكن تبعاً للتغيرات الدراماتيكية في المجتمع الأمريكي، وتزايد عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب قيادية وأكاديمية؛ تم التوجه نحو دراسة القيادات النسائية، وطرحت التساؤلات وبرزت الاختلافات بشأن علاقة المرأة بالقيادة الإدارية. ويتوقف المؤلف بنا في الفصل الخامس عشر عند "الثقافة والقيادة"؛ إذ لا يركز هذا الفصل على نظرية محددة وإنما على مجموعة من الأفكار المتداخلة، والتركيز على البحوث التي تصف الثقافة وأبعادها وتأثيرها على العملية القيادية. ويختتم المؤلف كتابه بالفصل السادس عشر عن "أخلاقيات القيادة" ذلك الموضوع المهم الذي يتناول أوجهاً متعددة، ويقدم مجموعة عريضة من وجهات النظر الأخلاقية. فهو بمثابة مرشد في بعض القضايا الأخلاقية التي تنشأ في المواقف القيادية.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة