الساعة البيولوجية والتوازن الداخلي

​لقد نجم عن التقدم التكنولوجي العديد من الآثار السلبية المرتبطة بصحة الإنسان؛ إذ لم تعد الأمراض المزمنة هي الجانب السلبي الوحيد فيما يتعلق بصحة الإنسان؛ والتي نتجت عن الخمول البدني وقلة النشاط الحركي الذي يعد أحد نتاجات المجتمعات التكنولوجية الحديثة. ومن أبرز سلبيات التقدم التكنولوجي ما يسمي باضطراب «الساعة البيولوجية» التي تنظم عمل الجسم الوظيفي بين الليل والنهار، أو الضوء والظلام، وهو نظام معقد خلقه الله سبحانه وتعالى؛ للحفاظ على صحة جسم الإنسان وحتى يستمر عمل الجسم بصورة جيدة لسنوات عديدة، فكل إنسان لديه ما يعرف بالساعة البيولوجية التي تنظّم وقت النوم، ووقت الشعور بالجوع والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة الحرارة في الجسم، وتعرف التغيرات الحيوية والنفسية التي تتبع دورة الساعة البيولوجية في(24) ساعة بالإيقاع اليومي. وتتحكم عدة عوامل خارجية أهمها الضوء، والضجيج في المحافظة على انضباط الإيقاع اليومي للجسم أو ساعاته الحيوية؛ ويصاحب ذلك تغير في عدد كبير من وظائف الجسم التي قد تكون أكثر نشاطاً بالنهار منها بالليل، ويزداد إفراز هرمون النوم «الميلاتونين»-هرمون العتمة-بالليل ويقل بالنهار، وللأسف لا يستطيع الإنسان تغيير ساعته البيولوجية بين عشية وضحاها كما يفعل بالساعة التي في يده؛ لأن توقيت الساعة البيولوجية يعتمد على عدة عوامل أهمها الضوء، وللحفاظ على الساعة البيولوجية بشكل طبيعي؛ يتطلب الأمر اتباع نمط حياة طبيعي بصورة منتظمة.

وتجدر الإشارة إلى أن نمط الحياة الحديث الذي نعيشه جميعاً نتج عنه عدم تطابق بين ساعاتنا البيولوجية داخل أجسادنا والتزاماتنا الاجتماعية والعملية، وعدم التطابق هذا؛ ينتج عنه حرمان مزمن من النوم؛ مما يؤثر على نشاط وإنتاجية الشخص ويعرضه لمخاطر نقص النوم. هذه المخاطر تتعدى شعورنا بالنعاس في النهار إلى مشاكل عضوية تكشفها لنا نتائج الأبحاث بصورة متواصلة، وأسباب زيادة هذا الاضطراب هو تغير نمط الحياة التي نعيشها، فمعظم الناس لا يقضون أوقاتاً كافية في الإضاءة الطبيعية الخارجية خلال النهار، كما لا توجد إضاءة طبيعية كافية داخل المنازل والمكاتب، ويبقون أكثر أوقاتهم في بيئة المكاتب والمنازل الداخلية خلال النهار، وخلال الليل يتعرضون لإضاءة قوية في المنازل والأسواق، ويعملون على أجهزة الكمبيوتر، وغيرها؛ مما يغير النظام الطبيعي للحياة ويؤثر سلباً على إفراز هرمون «الميلاتونين».

وأفضل الأوقات للصحة النفسية ما بين السادسة والحادية عشر صباحاً، مع استقبال الجسم خلالها الضوء في موعده، وانخفاض في عمل الغدة الصنوبرية، ونهاية سيطرة الجهاز «البارسمبثاوي»، وزيادة افراز هرمون «الكورتيزول»؛ لإعطاء الجسم الحيوية والنشاط، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا). ويحتاج الجسم لفترة قيلولة لا تزيد عن 30 دقيقة للتخلص من الإرهاق والتعب وإعادة التوازن، كما أنه يتوجب علينا عند السفر من بلد إلى بلد بالطائرة لساعات طويله أن ندرب عقولنا على الوضع الجديد، وألا ينصب تركيزنا على مقارنة أوقات بلادنا بأوقات البلاد التي سافرنا إليها، ومن المهم أن يدرك الجميع أن الحصول على نوم كافٍ وجيد ليس مضيعة للوقت؛ لأنه سينعكس على أداءنا وراحتنا النفسية في النهار وعلى أوزاننا وصحتنا بصورة عامة .

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة