تعمل على تحسين أداء المنظمات وتوازن الفرص لكل الفئات إدارة التنوع البشري في المؤسسات الحكومية والخاصة
  • د.أيمن فاضل: المنظمات التي تطبق إدارة التنوع بشكل جيد تكون أكثر قدرة على جذب الكفاءات المتميزة والاحتفاظ بها
  • د.أحمد الغامدي: الإدارة الفعالة للتنوّع تشكل عاملاً مؤثراً في تحسين أداء المؤسسات والشركات وخلق مجتمع عمل متوازن
  • د.نورة المعيقل: كثيرون لا يَعون أهمية وتأثير "إدارة التنوّع" على سوق العمل وقلائل يُطبّقون هذا المفهوم في مؤسساتهم
  • أ.عبدالله الجغيمان: المنظمات تحصد نتائج إيجابية من التنوع ضمن خطة منظمة وشاملة تحقق تكافؤ الفرص

 

المشاركون في القضية:

  • د.أيمن فاضل عضو مجلس الشورى، وعميد كلية الاقتصاد والإدارة السابق بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
  • د.أحمد الغامدي عضو هيئة التدريس بقسم العلوم الإدارية والإنسانية-كلية الملك عبد العزيز الحربية
  • المستشار أ.عبدالله الجغيمان، عضو مجلس الشورى، عميد معهد الملك فيصل للبحوث والاستشارات سابقاً
  • د.نورة المعيقل، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود

 

​لا يعد التنوع في الموارد البشرية ظاهرة على المستوى العالمي فقط؛ بل موجودة محلياً، وفي مختلف المنظمات؛ ففي سوق العمل نجد الكثير من المؤسسات والشركات المحلية تضم العديد من الموارد البشرية متعددة الجنسيات، والثقافات، وتتنوع فيها الخبرة، والمعرفة، والعمر، والسلوك، والتخصص، وطريقة التفكير، والقدرات الجسدية، والحالة الاجتماعية، والمستوى الإداري وغيرها. وهذه الاختلافات مجتمعة تُحدِث تبايناً في حاجات، ورغبات، وآراء واتجاهات الموارد البشرية وتفكيرها في المنظمات وطريقة إدارتها، وهو ما يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند وضع الإستراتيجيات والسياسات العامة لتحقيق الأهداف والتطلعات. في قضية هذا العدد نناقش إدارة التنوع البشري في المؤسسات الحكومية والخاصة، ونتعرف على أبعادها المختلفة.

الانفتاح

يرى كثير من خبراء الإدارة أن التنوع في الموارد البشرية في الشركات ومنظمات العمل فرصة إيجابية مهمة للانفتاح، وتلاقي الخبرات، والثقافات، وللتطور والنماء بدلاً من الانغلاق على الذات؛ إذ أن التنوع هو السبيل لتناغم وتناسق الأفراد والمجتمعات في عالم اليوم.

ما هو التنوع؟

ويًعرف د.أحمد الغامدي-عضو هيئة التدريس بقسم العلوم الإدارية والإنسانية بكلية الملك عبد العزيز الحربية-إدارة التنوع بأنها "عملية إيجاد مناخٍ داخل المنظمة تتم الإفادة من خلاله من الميزات الممكنة للتنوع بين العاملين؛ من أجل تحسين أداء الأفراد والمجموعات، وتقليل السلبيات المحتملة له، والوصول إلى كامل طاقاتهم تحقيقاً للأهداف العامة والتطلعات"؛ وبالتالي فإن الإدارة الفعالة للتنوّع تشكل عاملاً مؤثراً في تحسين أداء المؤسسات؛ والشركات، وخلق مجتمع عمل تتوازن فيه الفرص لكل الفئات؛ فالتنوع حالياَ حقيقة واقعة في كافة المنظمات والشركات المحلية والعالمية، حيث إنها تعد مسألة مؤثرة أو سوف تكون مؤثرة بشكل فعلي على كافة العاملين بمجال التنمية البشرية عند نقطة ما خلال مستقبلهم المهني.

ويقول د.أحمد الغامدي: "إن مفهوم إدارة التنوع ظهر واكتسب زخمًا في الولايات المتحدة في الثمانينيات الميلادية؛ إذ اشترك المتخصصون بالمساواة، والإجراءات الإيجابية المعينون من قبل الشركات الأمريكية جنبًا إلى جنب مع المستشارين الاجتماعيين للنظر إلى التنوع في القوى العاملة كميزة تنافسية وليس كقيود قانونية؛ مما جعل هذا المفهوم يحظى باهتمام متزايد في الوقت الحاضر؛ نتيجة المطالبات المتزايدة بالمساواة والتسامح وتقبل الآخر من جهة، وإدراك أهمية التنوع والخليط الثقافي لنهضة ونمو المنظمات والشركات من جهة ثانية، وأهمية الاستفادة منه وتوظيفه بشكل إيجابي؛ ليتحول من سبب للصراع إلى محرك للإبداع ومعزز للقدرة التنافسية. فالعديد من المؤسسات-كما تؤكد الدراسات الحديثة-تقوم بإجراء توسعات في عملياتها؛ لتتعدى الحدود الجغرافية المحلية مما يتطلب وجود إدراك أفضل للطرق التي ينبغي استخدامها لزيادة فوائد التنوع، فمسئولية إدارة الاختلاف والتنوع لا تقع على عاتق إدارة الموارد البشرية فحسب؛ بل تقع على عاتق جميع المدراء، فالمدير الناجح هو الذي يتمكن من التقريب بين هذه الاختلافات والتعايش معها وتوليفها. فإدارة التباين أو الاختلاف تحدٍ يواجهه المسؤولون عندما يديرون مرؤوسيهم، وعليهم تقبله والتفاعل معه؛ لأن مسألة إدارة أفراد من نوعيات وأعمار وثقافات وتجارب مختلفة، ليست بالمسألة السهلة أبداً".

سوق العمل

ومن جانبها تقول د.نورة المعيقل-عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود-"التنوع هو الوضع الطبيعي للمجتمعات الإنسانية، ويندر أن نجد مجتمعاً يتسم بتجانس سكاني كامل". وتضيف: "لا يتنافى التنوع والتعددية الثقافية على مستوى البلد الواحد أو على المستوى العالمي مع الانتماء الوطني؛ حيث إن الوطنية مفهوم واسع جدًا يتجاوز العرق، والمذهب، واللغة؛ ليجمع كل أبناء الوطن في إطار وطني واحد مع الاحتفاظ بالنكهات المختلفة للجماعات المتنوعة فيه مهما كان حجمها. فلقد أقر الإسلام هذا الاختلاف بين البشر، فهو سنة كونية لا يمكن تجاوزها. قال تعالى (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)".

وتتابع قائلة: "كثيرون لا يَعون مدى أهمية وتأثير "إدارة التنوّع" على سوق العمل من جميع جوانبه، وقلائل يُطبّقون هذا المفهوم في مؤسساتهم. الذي يعني تحقيق تكافؤ فرص حقيقي، ناجح وناجع، والاعتراف بوجود فروق فردية كعامل إيجابي للمنظمة، وتوسيع دائرة زبائنها أو مستثمريها؛ لتشمل فئات اجتماعية متنوعة ومستهلكين متنوعين، وتسهم في تكافؤ الفرص، وتحسين صورة المنظمة، وتحسين خدمة العملاء من مختلف الفئات، وتشجيع الابتكار والإبداع، ورفع مستوى التزام جميع العاملين.

خصوصية

وفي ذات السياق يعتقد المستشار أ.عبدالله الجغيمان-عضو مجلس الشورى وعميد معهد الملك فيصل للبحوث والاستشارات سابقاً-أنه لتحقيق وتطبيق التعددية والتنوع الإداري بشكل فعلي، يجب قبول واحترام خصوصية كل فرد في المجموعة وإدراك الاختلافات الفردية؛ لأن مهمة المنظمة التي تسعى للتنوع والنجاح لا تنتهي بقبول الموظف للعمل فحسب؛ بل تستمر حتى انخراطه بشكل فعلي، فكثير من الدراسات الحديثة التي أجريت حول العالم أثبتت أن المنظمات تحصد نتائج إيجابية من التنوع في إطار إدارة مناسبة، وضمن خطة منظمة وشاملة تحقق تكافؤ الفرص بشكل فعال وصحيح لإنجازها وتطبيقها.

ويقول المستشار أ.عبدالله الجغيمان: "ينطوي التنوع على أكثر من مجرد الثقافة، والخلفية الاجتماعية، والجنس؛ فهو يشمل تفرد كل شخص، وخبرته وشخصيته، ويؤثر على الأداء بشكل كبير؛ لذلك من المهم إدارة أية مشكلات قد تنجم عن الصراعات الشخصية داخل المنظمة بشكل سليم، فالتنوع يحدد كيفية تفاعل الموظف مع زملاءه الموظفين الآخرين، ونوع الحافز المشترك في الأداء الوظيفي بينهم، وهناك العديد من الخطوات التي قد تكون فعالة بشكل كبير في إدارة التنوع ومنها: إعلان الأهداف والغايات والسياسات بشكل واضح، وتعزيز ثقافة المنظمة والممارسات الشائعة للموظفين ليلتزم بها الجميع، والعمل على إجراء تغييرات ممكنة من شأنها تلبية احتياجات المجموعات المتنوعة في المنظمة كالأجانب، والنساء، وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم".

ويضيف الجغيمان: "تنوع القوة العاملة أمر طبيعي، وشائع في المنظمات على اختلافها، بما في ذلك المؤسسات، والقطاعات التعليمية والمدارس والجامعات لاسيما اذا أدير هذا التنوع إدارة فعالة وواعية تعترف بالفروق الموجودة بين الأعضاء، وتُقدرها وتؤمن بأن كل شخص متفرد في ذاته، وتعمل على استكشاف هذه الاختلافات في ظل بيئة تتسم بالأمان والإيجابية والرعاية؛ حيث يفترض في ثقافة المنظمة أن تكون حاضنة للكفاءات بغض النظر عن الاختلافات الموجودة بينهم؛ فالمنظمة ذات الثقافات المتعددة هي المنظمة التي تمتزج فيها الثقافات، والقدرات، والخبرات، والخصائص الأخرى لتعطي نتائج متميزة في الأداء العام، كما أن هناك بعدًا آخر أكثر عمقًا للتنوع في المنظمات؛ لأنه يعني انفتاح المنظمة لتصبح أكثر شمولًا، وأوسع ثقافة، وأكثر إبداعًا واحتراماً  لتفرد الشخصيات وتنوعها".

المساواة والعدالة

ويرى د.أيمن فاضل-عضو مجلس الشورى، وعميد كلية الاقتصاد والإدارة السابق بجامعة الملك عبد العزيز بجدة-أن الكثير من القادة والمديرين يدركون حجم التأثير المتزايد لظاهرة إدارة التنوع على مفاهيم العمل؛ كالمساواة، والعدالة، وتكافؤ الفرص، ويستجيبون لذلك ببرامج وممارسات تؤكد على عملية اختيار وتوظيف موظفين متنوعي القدرات، والمهارات، والتجارب؛ وبالتالي فسياسات إدارة التنوع في الموارد البشرية تشمل كافة العمليات الإدارية داخل المنظمة، مثل التزام الإدارة العليا ودعمها، وتحقيق العدالة وتساوي الفرص، والتوظيف، والتدريب، والتطوير، وتقييم الأداء، والترقيات، والتعويضات المالية، فإدارة التنوع يجب أن تكون شاملة ومتكاملة بحيث تنعكس على كافة الجوانب الفنية والإدارية، وبشكل يشمل كافة المستويات الإدارية والفنية في المنظمة.

ويتساءل د.أيمن فاضل: إذا كيف يمكن توظيف هذا التنوع علي أرض الواقع؟ ويجيب: "تحقيق النسب المرجوة من التنوع بين العاملين في المنظمة لا يعد كافيًا لاكتساب كافة الفوائد المرجوة من تنوع في القوة العاملة؛ فلابد من وجود تنوع وثراء في المعرفة فيما يتعلق بالأداء المؤسسي من حيث آليات اتخاذ القرارات، وكيفية التواصل الفكري، وسُبل تحقيق الأهداف، وطرق تحفيزهم، وغيرها؛ وبالتالي فالتنوع ليس مجرد مزج الهويات المتنوعة للأفراد في النماذج المؤسسية الحالية؛ بل له تأثير جوهري على ممارسات العمل وافتراضاته الأساسية.

ويستطرد قائلاً: "من الواضح أن مفهوم إدارة التنوع الفعالة يظهر متفاوتًا في الكثير من المنظمات التي تطبقه، فهو يعتمد على العديد من العوامل التي تختلف اختلافًا كبيرًا، والتي من أهمها التنوع في احتياجات المنظمة وحجمها، والاختلافات البيئية مثل الموارد المتاحة، والثقافة وقناعات المسئولين، ومع ذلك أصبحت، إدارة التنوع، حاجة ماسة للمنظمات الدولية والمحلية؛ لأسباب كثيرة من أهمها أنها تضمن وجود قوة عمل متوازنة تعزز قدرة المنظمة على استقطاب وتنمية والاحتفاظ بالعاملين الأكثر تأهيلًا، ودعم التكامل الهيكلي في كل المستويات، وإزالة الفروقات والتحيز، وتُقلل من الصراعات داخل المنظمة؛ إلا أنه في المقابل هناك عدة مخاطر وتحديات لإدارة التنوع من أهمها: الحكم المسبق، والمتحيز ضمن القوالب الجاهزة على الأفراد والجماعات، ووجود السقف الزجاجي الذي يمنع بعض الأشخاص من الوصول لمناصب يستحقونها؛ بسبب العرق، والانتماء. والتفرقة في المزايا التي يحصل عليها الموظفون في نفس المرتبة؛ بسبب الجنس "الذكور والإناث" مثلاً.

ويوضح د.أيمن فاضل أن إجماع وجهات النظر حول أهمية وفائدة إدارة التنوع ليست كافيه؛ فلتحقيق وتطبيق التعددية بشكل فعلي، يجب قبول واحترام خصوصية كل فرد في المجموعة، وإدراك الاختلافات الفردية، وتوفير بيئة مريحة للأشخاص المنتمين إلى ثقافات مختلفة، ووضع تدابير من شأنها أن تجعلهم يشعرون بالانتماء إلى المؤسسة، ويجب على المنظمات القائمة على تعدد الثقافات من إيجاد معادلة متوازنة تمكنها من استيعاب كل الخلفيات والخبرات، وخلق نموذج بنائي متكامل يقودها نحو تحقيق أهدافها التنظيمية بعقلانية، واعتماد استراتيجيات فعالة تجعل من سمة التعدد سمة إيجابية في عمل المنظمة. فالمنظمات التي تدير التنوع بكفاءة عالية تكون أكثر تميزاً من المنظمات التي تمارس سياسات متحيزة في معاملة موظفيها؛ ولعل مرجع هذا التفاوت هو أن المنظمات التي تطبق إدارة التنوع بشكل جيد تكون أكثر قدرة على جذب الكفاءات المتميزة والاحتفاظ بها.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة