​بعضــها تحــول لــــمشكلة إداريــة وتنظيميــة لا تواكب مســتجدات العصر أهمية تطوير الأنظمة واللوائح الحكومية لمواكبة رؤية المملكة 2030


  • د.عبدالرحمن العريفي: مجتمعنا مرّ خلال السنوات الأخيرة بتغييرات كبيرة تتطلب رؤية جديدة وأنظمة تلاءم متطلبات الواقع الحالي
  • د.عبدالعزيز داغستاني: لابد من إعادة دراستها وتحديثها وفق طموحات رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020
  • د.فواز الفواز: نحتاج إلى إدارة متمكنة تستطيع أن تحدد العوائق وتُحدٍث القديم من الأنظمة وتلغي ما لا يمت بصلة للعصر الحديث
  • د.عبدالوهاب القحطاني: البيروقراطية هي العقبة الأولى في طريق التطور وأغلب الوزارات شغلها الشاغل تطبيق الإجراءات لا تحقيق الأهداف

​المشاركون في القضية:

  • د.عبدالرحمن العريفي، نائب مدير عام معهد الإدارة العامة للبحوث والاستشارات
  • د.عبدالعزيز داغستاني، عضو مجلس الشورى السابق، والخبير الاقتصادي
  • د.فواز الفواز، أستاذ الإدارة والتخطيط، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
  • د.عبدالوهاب القحطاني، أستاذ الإدارة الاستراتيجية وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن

يعد تطوير الأنظمة واللوائح في القطاع العام محوراً أساسياً ومهماً من محاور تحديث الجهاز الحكومي وفق رؤية المملكة (2030)؛ بهدف رفع كفاءة وفعالية الخدمات العامة وتسهيل تقديمها للمواطنين والمقيمين. وفي هذا الشأن تبذل العديد من الجهات الحكومية جهوداً ملموسة لتحديث وتطوير أنظمتها لمواكبة المستجدات من حين لآخر، غير أن آلية تحديث بعض الأنظمة يتطلب تفعيل أسرع بما يمكن من تحقيق الاستفادة الكاملة منها.

عن أهمية تحديث وتطوير الأنظمة الحكومية لمواكبة العصر ومستجداته، وهل تقادم بعض هذه الأنظمة واللوائح أصبح عائقاً لتحقيق الأهداف التنموية للدولة؟ استضفنا عدداً من المتخصصين، والممارسين لإثراء جوانب قضية هذا العدد.

مشكلة وأمثلة

يرى عدد من خبراء الإدارة والتخطيط في المملكة إن معظم الأنظمة، واللوائح، والقوانين، والتشريعات المحلية مازالت لم تتغير عما أسسه ووضعه رواد التنمية قبل نحو خمسة عقود منذ الستينات والسبعينيات الميلادية من القرن الماضي عند بدء نشوء أجهزة الدولة، حيث كانت في حينها متماشية ومناسبة لعصرها، وساهمت بشكل كبير في نقل الجهاز الحكومي إلى مرحلة متقدمة؛ إلا أنها بعد عقود، ومع غياب الحرص على تطويرها بما يواكب المستجدات التي مرت بها الدولة والمجتمع تحولت إلى مشكلة إدارية وتنظيمية معيقة لكثير من جوانب التنمية في القطاع الحكومي.

فعلى سبيل المثال لا الحصر كان من ضمن أنظمة التعاقد مع الشركات الأجنبية لتنفيذ المشاريع الحكومية أن تلتزم الشركة بتدريب عدد من السعوديين على التقنيات الحديثة التي تمتلكها الشركة وتوظفهم فيها؛ وفي حال عدم تنفيذ هذا البند تضطر الشركة المتعاقدة دفعَ نسبة 10% للدولة، وهذا الجزاء أصبح مخرجاً للشركات من هكذا التزام؛ فأصبحت الشركات تتقدم للمناقصة الحكومية بسعر مضاف إليه مبلغ 10%، وفي نهاية العقد تعيد هذه الـ10% إلى الحكومة وتخلي مسؤوليتها، وظل هذا النظام قائماً منذ سنوات طويلة لم يُطور للتصدي لهذا التحايل الواضح.

ومن الأمثلة كذلك على أن تقادم بعض الأنظمة حولها لعائق تنموي كبير هو ما كشفته نتائج دراسة بحثية بعنوان: "تقييم دور الأجهزة الرقابية في رفع مستوى النزاهة والشفافية في الأجهزة الحكومية في المملكة"، قدمها عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة الباحث د.أحمد التراس، أن السبب الرئيس في زيادة مستويات الفساد في المملكة يرجع إلى تقادم الأنظمة واللوائح المنظمة للعمل الحكومي، وعدم فاعلية الآليات المحددة لتنفيذها على أرض الواقع.

لا تتلاءم مع الواقع

في السياق ذاته يقول د.عبدالرحمن العريفي، نائب مدير عام معهد الإدارة العامة للبحوث والاستشارات: " لقد ساهم التأخر في تحديث بعض الأنظمة واللوائح في القطاع الحكومي بشكل سلبي في كفاءة العمل والأداء الحكومي، وقدرته على خدمة عملائه بالشكل والوقت المناسبين، حيث إن عمر بعض الأنظمة واللوائح المطبقة حالياً تجاوز 40 عامًا. تغيرت خلالها ظروف وطبيعة عمل تلك الجهات بشكل جذري؛ فعلى سبيل المثال لوائح شغل الوظائف المعتمدة ضمن موازنة الجهاز الحكومي – والتي تعمل حالياً وزارة الخدمة المدنية مشكورة على تحديثها – ساهمت في تأخر إجراءات التعيين، وبالتالي ساهمت في ضياع فرصة استقطاب الكفاءات الوطنية المناسبة، بل إن بعض شروط اللائحة تعيق تعيين خبرات قد يرى المسؤولون في الجهات الحكومية مناسبتهم للوظيفة".

ويضيف د.العريفي مؤكداً على إن برامج ومشاريع خطط التنمية الخمسية ركزت منذ تطبيقها بداية السبعينات الميلادية على قطاعات عده في الصناعة، ومجالات التعليم العام، والتعليم الجامعي، وطرق المواصلات، والإسكان، وتخطيط المدن وكل ما يتعلق بالبنية التحتية؛ بهدف  رفاهية المواطن وراحته واستدامة الاستفادة من كل البرامج والمشاريع المنفذة،  ولاشك أن مجتمعنا مرّ خلال السنوات الأخيرة بتغييرات كبيرة اجتماعية، وسياسية، واقتصادية تتطلب معه رؤية أخرى تستطيع التعامل مع هذه المتغيرات، وتعبر بالوطن إلى مستقبل مشرق إن شاء الله. وهذا ما تعكسه رؤية المملكة 2030 وأهدافها الاستراتيجية، والتي يتطلب تنفيذها تحديث اللوائح والأنظمة ذات العلاقة؛ لتواكب تطلعات الرؤية ولتتلاءم مع الواقع الحالي لاستراتيجيات وأهداف الجهاز الحكومي.

تقادم وضعف

ويرى د.عبدالعزيز داغستاني، عضو مجلس الشورى السابق، والخبير الاقتصادي، أن تقادم بعض الأنظمة واللوائح الحكومية ساهم في ضعف كفاءة توظيف الإمكانات والموارد في تحقيق الأهداف التنموية في الدولة.

ويقول د.داغستاني: "هناك الكثير من الأنظمة واللوائح في القطاع العام تتطلب المرحلة الحالية إعادة دراستها وتحديثها بمشاركة مختلف الجهات الحكومية، وفق آلية عمل تناسب المرحلة المقبلة، وطموحات وتوجهات رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، من خلال قيادة عمليات التغيير، والتطوير المستمر للوائح والقوانين العامة، وإعادة تنظيم الهياكل التنظيمية للوزارات، والهيئات، والمصالح، والجهات الحكومية، وتعديل مسارات العمل، وترسيخ القيم والمفاهيم ومبادئ العمل المؤسسي في القطاع العام لتحسين وتسريع تقديم خدماتها للمستفيدين". 

إدارة جيدة

ومن جانبه يشير د.فواز الفواز، أستاذ الإدارة والتخطيط، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، إلى أن القطاع الحكومي لا يزال يعاني تقادم الأنظمة واللوائح والقواعد المنظمة للعمل، فما كان ينجز يدوياً في السابق لا يناسب حالياً عصر الحاسب الآلي والإنترنت السريع، علاوةً على ضعف صياغة الأنظمة المعمول بها وازدواجيتها وتداخلها وبطء عمليات المراجعة لها، وطول وتعقيد الإجراءات، وغياب نقطة محورية للتنسيق والمتابعة، والتحول إلى إدارة أزمات؛ ما أثّر سلباً في مستوى أداء القطاع الحكومي، وتقديم الخدمات العامة.

ويتابع، قائلاً: "هذا المشروع التطويري للأنظمة لن يتطلب تحقيقه زمنًا طويلاً، ولا أموالاً طائلة، بل يحتاج إلى إدارة جيدة تستطيع أن تحدد العوائق وتُصوٍب وتُحدٍث القديم من الأنظمة وما لا يمت منها بصلة للعصر الحديث. ولا أتصور أنه يمكن تحقيق معظم التزامات الرؤية الكثيرة دون إنجاز مشروع تحديث وتطوير الأنظمة الحكومية".

تجاوزها الزمن

ويلتقط أطراف الحديث د.عبدالوهاب القحطاني، أستاذ الإدارة الاستراتيجية وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. قائلاً: "البيروقراطية العقيمة هي العقبة الأولى في طريقة التنمية والتطور؛ فعمر معظم أجهزة الدولة ووزاراتها أكثر من نصف قرن، استهلت خدماتها بإجراءات يدوية وورقية بسيطة غير معقدة، ثم أصبحت تستغرق المعاملة الواحدة وقتاً طويلاً ومعقداً لإنجازها، وكثير من الموظفين والمسؤولين في القطاع الحكومي يمضون وقتًا وجهدًا أطول في سبيل إنجاز معاملة واحدة؛ بسبب كثرة الإجراءات، وتعقيد اللوائح، وأصبح الشغل الشاغل لأغلب مؤسسات الدولة الاهتمام بتطبيق الإجراءات لا تحقيق الأهداف التي أُسست من أجلها، ولم يعد كثير منها يلائم توجهات وأساليب الإدارة الحديثة".

ويضيف: "لا بد أن يتطور المفهوم العام لدور الدولة عن النمط القديم، فقد أشغلت قطاعات الدولة نفسها بتفاصيل إدارة الحياة اليومية للمواطن، واستنزفت جهودها في ذلك، وهذا لم يعد ممكناً حالياً في ظل تزايدت أعداد السكان وارتفاع سقف توقعاتهم، وتغير الظروف، والمعطيات؛ وبالتالي لابد من تطوير الأنظمة والتشريعات الحكومية للعبور إلى المرحلة المقبلة كما فعلت قطاعات الصناعات البتروكيماوية، والاتصالات والمصارف، وشركات الألبان، والأغذية الكبيرة، وغيرها. ومن هنا تأتي أهمية تطوير الأنظمة كبداية جادة للتوسع، وبناء كيانات كبيرة ناجحة تقدم الخدمات العامة بكل يسر وسهولة للمواطن والمقيم فالبيروقراطية القديمة والمعيقة تنمي الهدر، وتعزز الفساد في المؤسسات العامة للدولة".

ويقول: "أتمنى أن ينتهي زمن الإدارات الحكومية المترهلة في مختلف المدن، والمناطق، وأن يتم تغيير الأنظمة، وتقليل الإجراءات التي تتطلب امضاء أغلب مسؤولي الجهاز الحكومي على كل شاردة وواردة؛ لكي تنجز معاملة المواطن، وهي إجراءات تجاوزها الزمن ولا تجدها في الدول المتقدمة".

ويختم د.القحطاني بقوله: "توسع نشاطات الأجهزة الحكومية وتعددها يستلزم بالضرورة تطوير للأنظمة واللوائح والإجراءات بما يتناسب مع تحقيق الأهداف العامة لأجهزة الدولة المختلفة. والأمر لا يتطلب إنفاقا حكوميا عاليا؛ فقط تنظيم وإعادة هيكلة عديد من القطاعات، واللوائح والإجراءات بشكل مستمر للتكيف مع المعطيات والظروف والمتغيرات الحديثة فالأنظمة والتنظيمات أداة إستراتيجية فاعلة في رفع الكفاءة لتحقيق الأهداف الطموحة".​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة