نظم المعلومات وارساء الحوكمة وتعزيزها

​يزخر الأدب الإداري بالعديد من البحوث والدراسات التي تناولت موضوع نظم المعلومات، والنظريات التي قيلت فيه باعتباره متغيراً أساسياً يتوقف عليه نجاح المنظمات وتطورها إلى حد بعيد. ومع التطور الهائل في وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وعولمة الأعمال والأسواق وزيادة حدة التنافس، ودخول المنظمات الرقمية معتمدة بذلك على وسائل وأدوات التجارة الإلكترونية؛ ازداد دور نظم المعلومات في المنظمات، حيث يشكل نظام المعلومات مفهوماً متكاملاً تندرج في إطاره مكونات عدة، ويعرف بأنه: مجموعة من المكونات المادية والبشرية والبرمجيات والإجراءات والبيانات تعمل على جمع ومعالجة وخزن واسترجاع وتوزيع البيانات والمعلومات؛ بهدف دعم عملية اتخاذ القرارات والسيطرة في المنظمة.

    وقد ظهرت نظم المعلومات الإدارية والمحاسبية استجابة لحاجة الإدارة العلمية الحديثة إلى نوعية معينة من المعلومات الإدارية والمحاسبية اللازمة لأغراض التخطيط والرقابة واتخاذ القرارات، وتكمن أهمية نظم المعلومات في قدرتها على تحقيق الكثير من المنافع للمنظمة؛ مثل المرونة والسرعة وضبط المخزون ومراقبة الإنتاج، وسرعة إنجاز المعاملات ودقتها، وتقديم خدمات الزبائن بما يتلاءم مع حاجاتهم ورغباتهم، كما تساعد ومن خلال التقارير التي توفرها في دعم عملية اتخاذ القرار وبالتالي تحسين نوعيته، وتوفر معلومات عن مصادر المنظمة وتكاليف عملياتها وتحسن من إنتاجية العاملين ورفع روحهم المعنوية، بمعنى أنها تخدم جميع الأنشطة في المنظمة من محاسبة ومالية وعمليات وغيرها.

      من جهة أخرى شغلت الحوكمة بمفاهيمها ومبادئها ومقومات نجاحها مساحة كبيرة من اهتمامات الباحثين والإداريين والجهات التشريعية وأصحاب القرار خلال العقود القليلة الماضية، وكنتيجة لعدد من الأزمات الاقتصادية والمالية التي تضرب الاقتصاد العالمي بين فترة وأخرى؛ ظهرت الحاجة إلى الحوكمة في العديد من الاقتصاديات المتقدمة والناشئة، خاصة في أعقاب الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي شهدتها عدد من دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا في عقد التسعينات من القرن العشرين، وما شهده الاقتصاد الأمريكي مؤخراً من انهيارات مالية ومحاسبية، ولعل من أبرزها أزمة شركتي "أنرون" و"ورلد كوم" في الولايات المتحدة عام 2001م، وما تبعها من أزمات خاصة الأزمة المالية العالمية عام 2008م، واختفاء أسماء كبيرة من المنظمات العالمية، وكان القاسم المشترك الأعظم بينها غياب أو عدم دقة المعلومات المعلن عنها من خلال التقارير المتاحة، على الرغم من التطور التقني في هذا المجال، ناهيك عن عدم أو ضعف تطبيق مفهوم الحوكمة، وقد دفع ذلك العالم للاهتمام بالحوكمة، وتعاظمت أهميتها نتيجة لاتجاه كثير من دول العالم إلى التحول إلى النظم الاقتصادية الرأسمالية التي يعتمد فيها بدرجة كبيرة على منظمات القطاع الخاص؛ لتحقيق كل من التنمية الاقتصادية والحصافة القانونية والرفاهة الاجتماعية، وهذا ما دفع إلى تعظيم دور نظم المعلومات في تطبيق وتعزيز الحوكمة.

      وتعددت التعريفات المقدمة لهذا المصطلح، بحيث يدل كل منها على وجهة النظر التي يتبناها مقدم هذا التعريف، ويمكن القول إن الحوكمة معنية بإيجاد القواعد والضوابط والممارسات السليمة للقائمين على إدارة المنظمة، والحد من استغلال السلطة في غير المصلحة العامة،  وبما يحافظ على حقوق أصحاب المصالح، وذلك من خلال تحري تنفيذ صيغ العلاقات التعاقدية التي تربط بينهم؛ وباستخدام الأدوات المالية والمحاسبية السليمة وفقاً لمعايير العدالة والإفصاح والشفافية، ومنح حق مُساءلة إدارة المنظمة، ويتم ذلك من خلال مجالس الحوكمة وأهمها مجلس الإدارة، مع الالتزام بالعمل وفقاً للقوانين والنظم السائدة وبما يحقق الكفاءة وزيادة الأداء، وتنمية الاستثمار وتشجيع تدفقه، وتنمية المدخرات، وتعظيم الربحية، وإتاحة فرص عمل جديدة، مع التأكيد على أهمية الالتزام بأحكام القانون، والعمل على ضمان مراجعة الأداء المالي للمنظمات.

      وكغيره من القطاعات شهد القطاع المالي على مستوى العالم-كأحد أهم القطاعات التي تؤثر على الاستقرار الاقتصادي المحلي والعالمي والأكثر تأثراً بالأزمات المالية والاقتصادية-العديد من التطورات خلال العقود القليلة الماضية التي تمثلت في الآتي: التقدم التكنولوجي الهائل في الصناعة المصرفية، واستحداث أدوات مالية جديدة، وانفتاح الأسواق المالية على بعضها البعض بصورة غير مسبوقة. وعلى الرغم من هذه التطورات الايجابية، فإن هناك بعض الأزمات التي شهدها القطاع المالي سواء في الدول النامية أو المتقدمة؛ أدت إلى التأثير السلبي على اقتصاداتها، والمتتبع لتطورات الاقتصاد العالمي يمكنه أن يلاحظ أن معظم الدول التي شهدت أزمات مالية واقتصادية كانت مشاكل المصارف قاسماً مشتركاً فيهاً، وارجع الخبراء ذلك إلى تزايد المخاطر المصرفية وعلى رأسها المخاطر الناتجة عن الائتمان؛ ونتيجة لهذه التطورات أصدرت لجنة بازل للرقابة والإشراف على المصارف عدة أوراق عمل في سنة 1998م تم التركيز فيها على أهمية الحوكمة المؤسسية في المصارف، كما أصدرت سنة 1999م نشرة بعنوان: "تحسين الحوكمة المؤسسية للمصارف"، إضافة إلى ذلك أصدرت سنة 2006م نسخة محدثة تتضمن مبادئ الثمانية للمصارف. هذا ويعتبر دور المصارف المركزية أساسياً كجهة إشرافيه تملك السلطة القانونية في تعزيز وتشجيع الحوكمة المؤسسية في للمصارف.

      وكما هو الحال في المصارف والمنظمات الأخرى؛ تحتاج منظمات القطاع العام إلى الحوكمة؛ فهي المُحَرِك والموجه لأنشطة وقطاعات الدولة العامة والخاصة على اختلاف مسمياتها، وتتأثر كغيرها من المنظمات بما يجري حول العالم من تقدم تقني وتنافسية وإبداعات وتطورات مختلفة، ناهيك عن كونها الضامن لهذه الأنشطة والقطاعات التي تعزز بها مكانتها وقوتها، وهي أحوج لمستويات مرتفعة من الأداء والنزاهة والشفافية لتبادل المعلومات واتخاذ القرارات السليمة، وكفاءة استعمال الموارد، وبما يحقق حاجات أصحاب المصالح، والحفاظ على الاقتصاد الوطني، وتحقيق الخطط التنموية الطموحة.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة