تعلم الآلة وصناعة القرار

​​قد يتساءل البعض-أحيانًا-عن كيفية قيام الحاسوب بمهام قد تبدو للعيان للوهلة الأولى أنها شبه مستحيلة، فمن التعرف على وجوه الأشخاص وبصمات الصوت والعين وخط اليد، وصولًا إلى السيارات ذاتية القيادة وبرمجة الروبوت، وغيرها من التطبيقات الذكية. يلعب علم الآلة الدور الرئيس في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة؛ فهو من أهم فروع الذكاء الاصطناعي وأكثرها تعقيدا، حيث إنه يقوم بتدريب الحاسوب على القيام بعمليات معقدة غير مبرمجة عليه سلفًا بطريقة ذكية تحاكى العنصر البشرى؛ فالحاسوب يتعلم كيف يتصرف ويستجيب لردود الأفعال في كل مرة بطريقة مختلفة بشكل ذاتي دون تلقينه ذلك بشكل صريح من المبرمج، وذلك بناء على تدريب تلك النماذج علي أشكال المخرجات من خلال البيانات.

فعلى سبيل المثال، يمكننا تدريب خوارزميات تعلم الآلة على فرز ملايين الرسائل عبر البريد الإلكتروني؛ لتحديد البريد المزعج منها. يتم ذلك بتدريب الآلة على عشرات الآلاف من الرسائل الآمنة والمزعجة-على حد سواء-بحيث يتمكن الخوارزم من تحديد خصائص معينة لكل من الرسائل الآمنة والمزعجة والتعلم عليها. حتى إذا ما تم إدخال رسائل جديدة لم يتدرب عليها الخوارزم يستطيع تصنيفها بناء على الخصائص التي تعلمها في مرحلة التدريب. ونستطيع تعميم هذا المثال على كل المشكلات الأخرى، كالتعرف على الوجوه والبصمات الحيوية واكتشاف الأورام الخبيثة والتنبؤ بأسعار المنازل والطقس والبورصة؛ بشرط توافر البيانات الكافية لمرحلة التدريب.

ينقسم تعلم الآلة الى 3 أنواع رئيسة: أولها: التعلم الخاضع للإشراف (Supervised learning) وأحيانا يطلق علية مصطلح التعلم التنبؤي (Predictive learning): حيث يقسم هذا النوع إلى فرعين، أولهما هو التصنيف (Classification) الذي يتم من خلاله تدريب الآلة باستخدام بيانات محددة الخصائص والمخرجات، فلتصنيف المعاملات البنكية كونها معاملات احتيالية أم معاملات آمنة، يجب أن تحوي البيانات الخصائص الخاصة بالعمليات الاحتيالية والآمنة والعميل والتي قد تصل إلى عشرات أو مئات الخصائص، في الوقت ذاته يجب أن تكون كل عملية مصنفة الى كونها آمنة أم احتيالة. والفرع الثاني هو التعلم بإشراف هو التنبؤ (Prediction)، بحيث يتم التنبؤ بقيم عددية غير محصورة بأصناف معينه، وتوجد العديد من التطبيقات الخاصة بهذا النوع من التعلم، كالتنبؤ بأسعار البورصة وأسعار المنازل والسيارات، والتنبؤ بمعدل الطلاب ودرجات الحرارة والطقس.

النوع الثاني: التعلم غير الخاضع للإشراف (Unsupervised learning): وهذا النوع على النقيض من سابقه، حيث يتم تدريب الآلة على بيانات غير مصنفة؛ بهدف استنباط أنماط وعلاقات دفينة بين البيانات وبعضها البعض. ومن أهم فروع هذا النوع: التجميع (Clustering) وفي هذا النوع يتم تصنيف البيانات الى مجموعات غير معروفة سلفا، ومن تطبيقاته تجميع العملاء أصحاب التفضيلات المتشابهة في نفس المجموعات وتصنيف رواد التواصل الاجتماعي في مجاميع ذات اهتمامات متشابهة؛ وذلك لاستهدافهم بإعلانات ذات صلة برغباتهم. كذلك يعتبر اكتشاف العلاقات الدفينة (Association rules) أحد أهم فروع ذلك النوع، حيث يتم استنباط فعل بناء على فعل ما، ومن أشهر التطبيقات في ذلك التنبؤ بشراء عملاء منتجات أخري بناء على شراءهم منتجات معينة؛ ومن ثم اقتراح تلك المنتجات على أولئك العملاء الذين قد يقوموا بشرائها لاحقا.

أما النوع الثالث فهو التعلم التعزيزي (Reinforcement learning): وهذا النوع خاص بمشاكل التحسين التي تعد أعقد مشكلات الذكاء الاصطناعي، والتي لا يتم الوصول فيها إلى الحلول المثلي؛ بل يكون الهدف الوصول إلى الحلول القريبة من المثلي، حيث يتم في هذا النوع تعليم الآلة كيفية التصرف عند حدث معين من خلال مكافأة ومعاقبة الخوارزم بناء على التصرف الحاصل منه لحين الوصول للحل، وفي الآونة الأخيرة تم توظيف تعلم الآلة لحل مشكلات عدة في مختلف المجالات الهندسية والطبية والصناعية والإدارية والمالية والسياسية والاقتصادية؛ حتى احتل النصيب الأكبر من النشر العلمي كأهم أدوات الذكاء الاصطناعي في حل المشكلات المعقدة.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة