اختلاف أفكار وطاقات الأجيال في بيئة العمل..ما هو الحل؟

​​​​​​

تتعاقب الأجيال، وتزداد الفجوة باختلاف المتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتقنية؛ مما صعّب إمكانية قبول كل فرد من بين جيلين مختلفين لطريقة تفكير الآخر في معظم مجالات العمل؛ حيث أصبح بعض كبار وقدامى الموظفين غير مقتنعين بكيفية عمل الموظفين الشباب الذين بدورهم يرون أن وجود هذه الفئة قد عطّل من طاقاتهم المتوقدة للعمل بروح شابة ومتحمسة.

 

طموح وفردية

تحكي الاستشارية الدولية الفرنسية "لورين لويس" -46 سنة-تجربتها في هذا المجال عبر صحيفة "اللوموند" الفرنسية، قائلة:" قدمت عرضاً على الشاشة أمام رؤساء الشركة مؤخراً في فرنسا، وأصبت بصدمة كبيرة، بعد أن أقدم شاب على إحراجي أمام الجميع؛ فعند الانتهاء من إلقاء كلمتي، وقف هذا الشاب في عمر 25 سنة، والذي كان قد بدأ العمل مؤخراً في الشركة، وانتقدني قائلاً: "لا يستحق عملك كل هذا العناء، ليس ذلك ما كنت سأقوم به لو كنت مكانك".

وأضافت الاستشارية "لورين لويس": "تدرك فجأة أن الجيل الناشئ ليس بالضبط مثل جيلك، جيل الشباب أكثر طموحاً وحباً للفردية، ويحاول خلق ما يميزهم، لكنهم وقحين، وقد يوغلون في تجاوزهم للحدود".

أنماط العمل والرؤى

ومن جانبه يقول المؤلف المتخصص في العلوم الإدارية الأمريكي "رون زيمك": القوى العاملة الذكية تعرف أن الأولويات وأنماط العمل والرؤى تختلف من جيل إلى آخر. فمن المهم أن يدرك جيل الشباب الحالي أهمية التفاهم بين الأجيال؛ لتحقيق التناغم في مكان العمل، حيث يعتبر توفير مناخ تعاوني داخل المنظمات أمراً حتمياً لإخراج أفضل ما لدى موظفيها؛ ولهذا تتعامل هذه المنظمات مع كل جيل بأسلوب متميز يتناسب مع طبيعته واحتياجاته وقدراته".

اندماج وتقاعد

ويذكر "رون زيميك" أن سبب اندماج الأجيال مع بعضها البعض؛ يرجع إلى أن الناس أصبحوا يعملون لسنوات أكثر ويؤجلون مرحلة التقاعد، مبينًا أن المسارات المهنية الداخلية تغيرت، ولا تبدو المهن المؤسسية كما كانت عليه سابقا. مؤكدا أنه في الوقت الحالي أصبح من المألوف أن ترى شخصًا أصغر سناً يدير شخصًا أكبر سناً، وكل واحد منهم يمتلك مهارات معينة ومختلفة تسهم في رفع إنتاجية العمل. مشددًا على أن هدف فريق العمل هو الخروج عن نطاق المألوف، وليس البحث عن أدلة لإثبات أن المدراء حاليًا يختلفون عن نظرائهم من الجيل الماضي.

التنازل

وتشير ورقة عمل مقدمة من جامعة "أكسفورد" البريطانية للأمم المتحدة أن "التغيير وضخ الدماء الشابة أمر مطلوب لأي منظمة؛ إذ لابد للجيل الناشئ أن يُمنح فرصته في تطوير وتجديد الأعمال؛ ما يتطلب من كبار الموظفين والجيل القديم أن يستوعبوا فكرة ضخ الدماء المتجددة وطبيعة الحياة البشرية، وأن كل شيء مهما ارتفع فإنه لابد أن يأتي يوم ويبدأ نحو التنازل وينخفض أوج بريقه، وأن استمرارية الحياة مشروط بالتغيير وقدوم أجيال وذهاب من قبلها. كما أن الكبير في السن لا يمكن أن يستمر في تقديم نفس عطاء الشاب، ويجب أن تستوعب الطاقات الشبابية رفض كبار السن لوجودهم، إلى جانب محاولة احتوائهم والاستفادة من خبراتهم الواسعة والثمينة، إضافة إلى الرجوع إليهم في أي مشكلة تواجههم وحفظ حقوقهم وتاريخ منجزاتهم".

متطلبات وجدانية

وتنصح المستشارة ومؤلفة كتاب "فك رموز الأجيال..إدراك ما يثير الأجيال وما يستفزهم" الأمريكية "آنا ليوتا": "لدى جيل الألفية متطلبات وجدانية مختلفة بالكامل عما لدى الأجيال الأخرى؛ فقد نشأ جيل الألفية على اللعب ضمن فريق، وهناك 4 مجموعات توجد في زمننا في مواقع العمل، وهم: التقليديون وهو الجيل المولود بين عامي 1927- 1945م، وجيل الطفرة السكانية وهو المولود بين 1946-1964م، وجيل "إكس" وهو المولود بين 1965-1977م، وجيل "الألفية" أو "جيل واي" وهو المولود بين 1978- 1999م. وفيما يخص الأداء في العمل، فإن أبناء جيل التقليديين يرون أن عدم ورود أخبار جديدة يدل على ما يسرّ. أما أبناء جيل الطفرة السكانية، المعتادين على منافسة كثيرة في العمل، ولحاجتهم لمعرفة المزيد عن أنفسهم؛ فهم مولعون بالتقييم السنوي لسير العمل والأداء. بينما جيل "إكس" يعتبر التقييم السنوي غير كافٍ؛ لأنه يجرى مرة واحدة. لكن جيل الألفية يحتاجون إلى تقييم دوري؛ لأنهم نشأوا وتربّوا على تعزيز أنفسهم بشكل آني وإيجابي.

قناة التفاهم

ويقول "مايكل رينديل"، الشريك في مؤسسة "بي دبليو سي" في بريطانيا: "كل جيل جديد ناشئ وعلى مرّ التاريخ يرغب في أن يُظهر شيئاً من التمرّد والاختلاف عن سابقه. ما هو مختلف هذه المرة هو أن أبناء جيل الشباب يتواصلون فيما بينهم بشكل جيد جداً عن طريق الوسائل التقنية والمواقع، ويريدون الشفافية في التعامل، حتى في أمور تخص، مثلاً رواتب زملائهم، ولم تعد الطرق التقليدية بمخاطبة المدير أفراد فريق عمله تنفع. فعلى سبيل المثال، هناك مدراء تنفيذيون شباب يستخدمون قنواتهم الخاصة في "يوتيوب" لمناقشة الاستراتيجيات مع العاملين والحصول على تقييمهم ومقترحاتهم، وهي أداة اتصال جديدة أثبتت فعاليتها في المجال الصناعي، لم تكن معروفة سابقاً.

الملابس والحركات

ويرى "ماثيو كابلان"-أستاذ التواصل بين الأجيال-بجامعة "بنسلفانيا" الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية، أنه يتوجب على الناس توخي الحذر؛ كي لا يُعزى كل التوتر الحاصل بين الأجيال إلى فارق العمر فقط. فأحياناً ينشأ سوء فهم الآخرين وتوتر في مكان العمل؛ بسبب الملابس التي قد يرتديها شخص ما أو طريقة تأنقه، كلبس الشاب ملابس غير تقليدية أو تحريك يديه بشكل مختلف أو شرب منتجات القهوة والشاي الحديثة التي لم يألفها الموظفون الأقدم. كذلك طريقة استخدام الأجيال الجديدة للتقنية المتاحة بشكل مفرط؛ مما قد يؤدي إلى فجوة في التواصل والتعامل، كاستعمال هواتفهم النقالة بشكل دائم، وعدم النظر إلى شخص وهو يتحدث إليك، وهذا الأمر يدل على عدم الاحترام في نظر الجيل الأقدم من الموظفين. وعموماً غاية المنظمة هو أن يستفيد الموظفون من المهارات والخبرات، بغضّ النظر عن العمر، ويشمل ذلك حل المشكلات، واستغلال جميع مستويات الخبرة الشابة والقديمة.​

​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة