منهجية البناء وفاعلية التنفيذ

​​​​

إن النظر لاستراتيجية على أنها الأداة الأساسية والسريعة لمعالجة أوجه الخلل المؤسسي؛ يحد من فاعلية المؤسسة ويحول دون تحقيق الاستراتيجيات لأهدافها الحقيقية. فنجاح الاستراتيجية يحتاج إلى جهود حتى تصبح الاستراتيجية ثقافة عامة وجهود مدمجة بقيم واتجاهات المؤسسة، فبناء وتطوير الاستراتيجية من العمليات الحيوية والمهمة.

يعود استخدام كلمة استراتيجية إلى اللغة اليونانية عبر مؤسساتها العسكرية في إشارة للتخطيط لتدمير أحد الأعداء من خلال الاستخدام الفعال للموارد المتاحة؛ وبالتالي فإن دور المؤسسات وقاداتها يتمحور في تفهم متغيرات البيئة وإدراك أبعادها وكيف أنها تؤثر على أداء المؤسسة، وعملياتها، ومقدرتها، وتحقيق مستهدفات أدائها في ظل البيئات الديناميكية من خلال مسايرة الأحداث واستباقها.

فالحديث عن الاستراتيجيات يقتضي الإشارة لثلاثة جوانب أساسية وهي: التفكير الاستراتيجي، والتخطيط الاستراتيجي، وإدارة الاستراتيجية؛ حيث يعد التفكير الاستراتيجي بمثابة النواة التي ترتكز عليها العملية الاستراتيجية. فهي بمثابة ذلك الجهد العقلي بغرض استبصار وإدراك المستقبل من خلال إعمال العقل والمنطق. وهو نشاط عام ليس حكراً على أحد أو مستوى تنظيمي دون الآخر. فنجاح الإدارة الاستراتيجية يقتضي إشاعة ثقافة التفكير الاستراتيجي لدى جميع العاملين وبمختلف مسمياتهم ومستوياتهم التنظيمية. ولتنمية التفكير الاستراتيجي؛ لابد من الإيمان الكامل بالتغيير والتساؤل عن الأنشطة القائمة وطرق وموجهات التنفيذ وإدراك واقع التقنية والأنظمة في المؤسسة ومعطيات البيئة الخارجية، مع تهيئة المناخ التنظيمي. يلي ذلك مرحلة التخطيط الاستراتيجي، والذي يمثل مجموعة الخطوات التي تمكٍن المؤسسة من إنجاز رؤيتها ورسالتها باستخدام التفكير الاستراتيجي، والذي يظهر في شكل مخرج أساسي وهو خطة استراتيجية لاتخاذ قرارات محددة مدعومة بقدر من البيانات الكمية المرتبطة بالتقديرات الشخصية للقادة حول مآلات البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة والتعاطي معها بفاعلية.

ولما كان هذا الجهد يحتاج إلى عملية تنظيمه تضبطه وتحدد الأٌطر التي تعزز من فاعلية التنفيذ؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن إدارة الاستراتيجية في المؤسسة، حيث يشير "باركار ودوهايم" إلى أن الكثير من الجهود التي بذلتها المؤسسات من خلال خفضها الإنفاق وتقليل حجم العمالة وأتمته عمليات المؤسسة وزيادة موازنات التدريب والإنفاق على الإعلان والترويج.

فلابد من استكمال حلقة الاستراتيجية من خلال موائمة مجموعة من القضايا، بدءً بالتوعية والتذكير الدائم بالاستراتيجية؛ فالاستراتيجية منهج متكامل يغطي المؤسسة في جميع مجالاتها وكافة مستوياتها التنظيمية. فلابد من عقد الإجتماعات وإصدارات النشرات والدوريات التي تبين التوجهات المستقبلية للمؤسسة من رؤية ورسالة مستقبلية وقيم مؤسسية والخطوات المرحلية للاستراتيجية وإتاحة الفرصة لعمليات التغذية الراجعة؛ وبذلك تضمن المؤسسة نقل المعرفة والتوجه الاستراتيجي لكافة العاملين، ومن ثم البناء المتسلسل للاستراتيجية. وبما أن الاستراتيجية عبارة عن إطار عام يحوي مجموعة من المكونات والأنشطة؛ فإن التنفيذ الفعال يقتضي ضرورة إعداد سياسات تفصيلية لكل وحدة تنظيمية بصورة ملائمة، تعزز من تنفيذ الاستراتيجية، مع تعزيز السلوك القيادي الفعال، حيث يعتبر القائد بمثابة الروح في جسد الاستراتيجية من خلال إحداث التغيير وإدارته بشكل يدعم تنفيذ الإستراتيجية بالفهم العميق لها خاصة وأنها الباعث والمرجع والمرشد لكافة قرارات قادة لمؤسسات، مع وضع الآلية المناسبة للمتابعة. فقبل وضع الخطة لابد من التمييز بين مجموعة المفاهيم المرتبطة بالاستراتيجيات، سواء كانت غايات، أو أهداف، أو برامج، أو مشاريع، أو مؤشرات؛ حيث إن الخطة تتم متابعتها من خلال الرقابة والإشراف المباشرين؛ بهدف تصحيح المسار والاستفادة من إخفاقات التنفيذ لتعزيز السلوك الإيجابي، استنادًا إلى مؤشرات الأداء التي لابد أن توضع وتُصاغ بشكل ملائم يناسب مسئولية وفهم كل مستوى تنظيمي.

كذلك فإن الملائمة التنظيمية للاستراتيجية التي هي نمط التنظيم السائد من هيكل تنظيمي ونظم إشراف وإجراءات عمل وقنوات اتصال؛ يجب ألا يُنظر إليها بمعزل عن الاستراتيجية. وبما أن تنفيذ الاستراتيجيات يمر بمراحل عديدة في شكل مبادرات أو برامج؛ فإن طبيعة كل مبادرة أو برنامج تقتضي نوعًا من المرونة التنظيمية المرتبطة بمهام ومسئوليات وقنوات اتصال ونمط إشراف محدد. وفي السياق ذاته، فإن تطوير الثقافة التنظيمية كي تواكب التنفيذ المرحلي للاستراتيجية للفلسفات والقيم والمعتقدات والأعراف والرموز والطقوس التي يتم تبنيها في بيئة العمل. فالثقافة التنظيمية تعزز من هوية المؤسسة وتنمي روح التعاون وتشكل السلوك وتخلق وتعزز المشاركة والمسئولية.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة