"الهالة" المؤثرة.. نتائج استثنائية بموظفين عاديين

إعـداد/ د.أحـمد زكـريـا أحـمد

​​​​"الوصول إلى القمة قد يكون سهلًا، لكن الحفاظ عليها صعب"، قول مأثور يلخص بشكل بارع سر التحول من نجاحات العديد من الشركات وتحقيقها أداءً متميزًا وميزة تنافسية تسمى بالـ"هالة" التي جعلتها تتربع على عرش المنافسة وارتبطت في أذهان العملاء بالتميز وجودة منتجاتها/خدماتها، فيقبلون على اقتناء المنتج (الخدمة) تلو الآخر لمجرد أنها تنتجه ويحمل أسمائها وعلاماتها التجارية المميزة، ثم تتعرض الشركات نفسها لجولات من الفشل-لاحقًا-الجولة تلو الأخرى؛ لأسباب كثيرة أهمها ثقتها بشكل مبالغ فيه بـ"هالاتها". فهي في حقيقة الأمر عجزت عن تطوير أدائها ولم تعد منتجاتها تلبي رغبات هؤلاء العملاء الذين يحجمون عن الإقبال على أي منتج تطرحه لاحقًا؛ لأنها ارتبطت في أذهانهم بالأداء السيئ، وحينئذ تتعرض لطعنات ما يسمى بتأثير "القرن"، والذي هو عكس الـ"هالة" التي اكتشفها عالم النفس الأمريكي "ثورانديك" عام 1920م. تفاصيل هذا التحول الدرامي في عالم الشركات، من الـ"هالة" إلى الـ"قرن" نتعرف عليها في هذا التقرير.

 

اكتشاف الـ"هالة"

دعونا في البداية نوضح المقصود بالـ"هالة"؛ فوفقًا للكتاب المترجم للعربية "تأثير الهالة...وثمانية أوهام أخرى تُضلل المديرين في عالم الأعمال" لمؤلفه "فيل روزنتسفيغ"؛ فإنه خلال الحرب العالمية الأولى، أجرى عالم النفس الأمريكي "إدوارد ثورندايك" بحثًا حول طرق تقييم الرؤساء لمرؤوسيهم، حيث طُلب من ضباط الجيش تقييم جنودهم تبعًا لتشكيلة متنوعة من المعايير: الذكاء، والبنية الجسمية، والقيادة، والشخصية، وغيرها. وفوجئ "ثورندايك" بالنتائج؛ فقد اعتُبر بعض الجنود متفوقين، وحازوا مرتبة عالية في كل شيء، بينما كان آخرون أقل من المستوى المطلوب في كل مجال. وكأنما اعتقد الضباط أن الجندي الوسيم الحسن الهيئة ينبغي له أن يتمكن من إصابة الهدف، وتلميع حذائه، والعزف على الهارمونيكا أيضًا. وقد أطلق "ثورانديك" على ذلك كله تأثير الهالة. ويضرب "روزنتسفيغ" العديد من الأمثلة على هذا التأثير.

خدمة العملاء

أول هذه الأمثلة من واقع عمل "روزنتسفيغ" مع إحدى الشركات التي كانت تتلقى آلاف المكالمات يوميًا عبر مركز خدمة الزبائن التابع لها. في بعض الأحيان، أمكن حل المشكلات على الفور، لكن توجب على ممثلي الخدمة-غالبًا-النظر في الأمر ثم الرد على المتصل لاحقًا. وعندما أجرت الشركة فيما بعد مسحًا لاستطلاع مدى رضى زبائنها عن مركز الخدمة؛ اعتبر الزبائن الذين جرى حل مشكلاتهم على الفور أن ممثلي الخدمة على مستوى أفضل من الكفاءة، والقدرة والمعرفة، مقارنةً بأولئك الذين لم تُحل مشكلاتهم. ليس في ذلك مفاجأة؛ نظرًا لأنه من المنطقي الاستنتاج أن الحل السريع أتى من موظف حسن المعرفة واسع الطلاع. لكن ظهرت مسألة أشد إثارة للاهتمام والفضول: تذكًر 58% من الزبائن الذين تم حل مشكلاتهم على الفور أن اتصالهم تلقى استجابة فورية وسريعة جدًا، في حين أن 4% فقط قالوا إنهم انتظروا على الخط مدة طويلة. في هذه الأثناء، لم يعتبر سوى 36% من الزبائن الذين لم تُحل مشكلاتهم على الفور أن اتصالهم تلقى استجابة فورية أو سريعة جدًا، بينما اعتبر 18% منهم أنهم انتظروا مدة طويلة على الخط..فالانطباع الإجمالي حول خدمة الزبائن أوجد تأثير "هالة" قويًا.

العلامة التجارية

ومثال آخر-على حد قول "روزنتسفيغ"-قد لا نعرف مدى جودة منتج جديد، لكن إذا أتى من شركة مشهورة تتمتع بسمعة ممتازة؛ ربما نستدل بالمنطق أنه جيد النوعية بالضرورة. هذا هو ما يعنيه بناء العلامة التجارية؛ إيجاد هالة مؤثرة بحيث يُرجًح أن يستحسن الزبائن المنتج أو الخدمة، أو لنأخذ حالة موثقة لتأثير الهالة؛ المقابلات الشخصية قبل التوظيف. ما هي المعلومات المهمة، والملموسة، وذات الصلة التي نعرفها عن المرشحين؟ لربما نحصل على أفضل المعلومات من الكلية التي نالوا منها شهاداتهم، أو معدل درجاتهم، والإنجازات التي حققوها واستحقوا عليها التكريم. حين تتضح هذه المعلومات المهمة، والملموسة، والموضوعية كما يبدو وذات الصلة في أذهان مَن يجرون المقابلات مع المرشحين؛ فإنهم يميلون إلى عدم التركيز على تقييماتهم للجوانب الأخرى الأقل تحديدًا ووضوحًا، مثل أسلوب المرشح الشخصي أو نوعية الإجابات على الأسئلة العمومية.

تقييم الموظف

وفي السياق ذاته؛ فإن هذا الأمر من أكثر المشكلات التي تحدث خلال عملية تقييم أداء الموظفين في مؤسساتنا أو اختيارهم بشكل عام، وهو ما يذكره لنا سليمان الطعاني، فيما يتعلق بتأثير الهالة "Halo Effect"-بحسب ما أوردته وكالة عمون الإخبارية-حيث يعطي المسئول تقييمًا عاليًا لموظف ما في بنود التقييم؛ نتيجة لأنه متميز في واحدة منها فقط لا غير. ويؤكد أن أحكامنا يجب ألا تتأثر بالمظاهر التي يبدو عليها الأشخاص. وهذا هو أحد الأخطاء التي قد يقع فيها المسؤولون عند اختيار الموظفين أو تقييمهم، والتي ينبغي تجنبها؛ حيث يجب أن يكون حكمهم موضوعيًا وقراراتهم غير متحيزة لأي ميزة تخص الهالة.

ويضيف محمد البلادي في مقال له بصحيفة "المدينة": إن تأثیر الھالة ھو الحكم بالسلب أو الإیجاب على شخص بناء على صفة واحدة تعرفھا عنه؛ ثم تعمم ھذا الحكم على شخصیته كلھا، كأن تحكم بالإخلاص على موظف لمجرد أنه یأتي مبكراً، أو أن تحكم على طالب بالنبوغ لأنه درس في جامعة أوروبیة.

شركات بنتائج استثنائية

ويطرح "روزنتسفيغ" سؤالًا مهمًا: كيف تحقق الشركات الكبرى نتائج استثنائية بموظفين عاديين؟ ويجيب عليه قائلًا: الفكرة منطقية؛ فالشركة القادرة على جذب الموظفين بكفاءة، وتوفير بيئة تساعدهم على الإنتاج والإبداع، وتحثهم وتحفزهم على بذل الجهد في العمل من أجل الصالح العام، لا بد أن تنجح. وكيف لا؟ لكن حذار من تأثير الهالة. ويوضح أن شركة "آي بي إم" سلكت هذا النهج؛ ففي عام 1983م نشرت مجلة "فورتشن" أول استطلاع لها حول أكثر الشركات التي تحظى بالإعجاب في أميركا، والتي فازت فيه "آي بي إم"، وفي العام التالي (1984) تربعت الشركة على قمة اللائحة مرة أخرى. وقد بيًن كبير المديرين التنفيذيين للشركة قوتها؛ حيث نسب "جون أوبل" الفضل إلى موظفي الشركة، والذين كانت أهم مواصفاتهم: التفوق، والعمل الجاد، ودعم بعضهم البعض، والتكيف مع المعتقدات الأساسية للشركة، والالتزام بمعاييرها، والإبداع، والابتكار. لكن في عام 1992م أُصيبت الشركة بخسائر مالية كبيرة، وغرقت في الديون، وتم استبدال "أوبل" بـ"جون إيكرز". ووجِهت أصابع الاتهام-حينئذ-إلى ما اتصفت به الشركة من "ثقافة عتيقة متخلفة".

"القرن" و10 أخطاء

وهذا التحول في الأداء والهالة الإيجابية لشركة "آي بي إم" إلى النقيض؛ يفسره متخصصون وخبراء بتأثير "القرن"، والذي يخلط الكثيرون بينه وبين تأثير الهالة. فتأثير القرن يؤدي إلى إضفاء صورة أو تقييمات سلبية؛ بناء على سمة أو بعض السمات السلبية، سواء على مستوى الأشخاص أو الشركات. فإذا بالغت الشركات في اعتمادها على الهالة الخاصة بها؛ فإنها قد تواجه مالا يُحمد عقباه، فينخفض أدائها وتصبح صورتها أو لنقل "هالاتها"-تجاوزًا من أجل التوضيح-سلبية، وتتأثر سمعتها بشكل سلبي؛ وقد تتعرض للإفلاس. ولذلك يحدد موقع "أرقام" 10 أخطاء غبية ترتكبها الشركات يجعلها-من وجهة نظرنا-تقع تحت طائلة تأثير "القرن"، وهذه الأخطاء كالتالي:

  1. التوقف عن الابتكار: وخير مثال على ذلك شركة "كوداك" التي توقفت عن التجديد لمدة ربع قرن؛ فلجأت لطلب الحماية من الإفلاس عام 2012م؛ وهو ما أدركته شركات كثيرة، فقامت بتطوير استراتيجياتها بالاعتماد على تقديم منتجات جديدة؛ خوفًا من أن يفعل المنافسون ذلك.
  2. الافتقار إلى الموضوعية: وهو من أكبر الأخطاء التي يرتكبها المديرون التنفيذيون شيوعًا؛ بتجاهلهم تعليقات وآراء الموظفين والعملاء، وهو ما تسبب في فشل شركات كبرى، مثل الشركة الكندية "ريسيرش إن موشن" المصنعة لجوالات الـ"بلاكبيري".
  3. الفشل في توضيح ثقافة الشركة: إذ يفشل هؤلاء المديرون في إخبار موظفيهم برؤية الشركة وقيمتها، والتي هي بمثابة عامل أساسي للحفاظ عليها، وتجنب الإخفاق.
  4. خسارة الأموال: فهناك شركات لم تستطع تجنب الخسائر المالية؛ مما اضطرها إلى التقدم بطلبات للحماية من الإفلاس، أو الموافقة على عروض الاستحواذ أو الاندماج.
  5. مقاومة التغيير: يعرف معظم رواد الأعمال الناجحين أن الشركات تفشل عندما تقاوم التغيير الإيجابي الذي لا مفر منه.
  6. سوء إدارة المخاطر: فإذا قررت الشركات الإقدام على المخاطر الكبيرة أو التنقل من استراتيجية لأخرى دون تخطيط جيد؛ قد يعُرٍضها للفشل.
  7. تجاهل الاتجاهات الجديدة: وهو خطأ يبرز منه بشكل واضح تأثيرا: الهالة، والقرن في الوقت نفسه؛ فالشركات التي حققت نجاحات متميزة تتمتع بهالة لها، لكنها حينما ترتكن لهذه النجاحات، ولا تسعى للابتكار والتجديد وتطوير أدائها ومنتجاتها تتعرض لطعنات القرن، ومن الأمثلة على ذلك شركات مثل: "نوكيا"، و"ياهو"، و"كوداك".
  8. سياسات خدمة عملاء سيئة: لا يوجد عذر لأي شركة تقدم خدمة عملاء سيئة، حتى ولو كانت هذه الخدمة مكلفة؛ لأنها في المقابل ستجلب النفع عليها وبمرور الوقت سيكون لها "هالة" إيجابية. رضا العملاء يعني تكرار تجربة الشراء، وترشيح منتجاتها للآخرين؛ مما يعني مزيدًا من الأرباح.
  9. مضايقة العملاء: فمثلًا إرسال الشركات الرسائل المزعجة للعملاء، والاستمرار في ذلك؛ سيجعلهم يحجمون عنها. هناك فرق بين المثابرة، ومضايقة العملاء.

انعدام الكفاءة والجدوى من الترقيات الكثيرة للموظفين.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة