القيادة الداعمة والسلوك الصوتي للعاملين

​​​

العلاقة الإنسانية والتفاعل بين قادة المنظمات والعاملين فيها ستظل القاسم المشترك في نجاح هذه المنظمات وقدرتها على التماسك والبقاء في مضمار السباق بين المنظمات المختلفة، والتي تعد مواردها البشرية محور تميزها. وفي هذا الصدد يجب على هذه المنظمات أن تُرسٍخ العلاقات بين هؤلاء القادة وأولئك العاملين الذين يرغبون في التعبير والإفصاح والتحاور معهم، فيما يتعلق بما تواجهه منظماتهم من تحديات باتت هي السمة الرئيسية لهذا العصر. ومن هذا المنطلق أجرى كل من: د.خالد بن عبدالعزيز الشملان، ود.مرفت محمد السعيد مرسي دراسة تستكشف العلاقة بين القيادة الداعمة والسلوك الصوتي للعاملين، والتي تم نشرها في العدد الجديد من مجلة "الإدارة العامة" الصادرة عن معهد الإدارة العامة، والتي نستعرضها معكم في هذا العدد من "التنمية الإدارية".

 

استباقي ومهم

في مستهل استعراضنا لأبرز ما تضمنته الدراسة؛ ينبغي توضيح أن السلوك الصوتي للعاملين هو أحد أنواع السلوكيات الاستباقية في العمل، والذي يهدف إلى تحسين ظروف بيئة العمل التنظيمية ويشير إلى تعبيرهم عن أفكارهم وآرائهم البناءة حيال ما يحدث من تغييرات تنظيمية. فعندما يواجهون ظروفًا ومواقف سيئة فإنهم إما أن يغادروا المنظمة أو يظلوا بها ويصوتوا بآرائهم وأفكارهم نحو ما يواجهون من مشكلات. وللسلوك الصوتي نمطان: أولهما: يحتوي على مسارات لاقتراح أفكار وآراء جديدة، والثاني يتعلق بالإفصاح والتحدث عن الجوانب السيئة لممارسات العمل. جدير بالذكر أن هذا السلوك ينتج عنه العديد من الفوائد، كتحسين الأداء الوظيفي للفرد، وتعزيز الفعالية التنظيمية، والابتكار، والتكيف التنظيمي، والالتزام التنظيمي، وبقاء العاملين، والتعلم الجماعي؛ ونظرًا لأهميته فقد اتجه الباحثون والخبراء لتسليط الضوء عليه في دراساتهم وتطبيقاتها في عالم الإدارة والأعمال. ويمكن القول إن هذه الفوائد وذلك السلوك لن يؤتي ثماره؛ إن لم تكن هناك قيادة داعمة لهؤلاء العاملين. وهي القيادة التي تُعبٍر عن المدى الذي يدعم به القادة تابعيهم، عبر مساندتهم في مواجهة المواقف الصعبة، ويتميّز القادة الداعمون بكونهم منفتحين، وصادقين، وعادلين في تفاعلاتهم مع مرؤوسيهم.

انسجام

وفي سياق متصل نجد أن الانسجام التنظيمي يتعلّق بترسيخ المناخ المناسب لأعضاء المنظمة، كما يُحفّزهم على الشعور بأنهم أعضاء أسرة واحدة، يتقاسمون الشعور بالمسؤولية نحو خدمة المُنظَّمة، والمشاركة في نموها وتطويرها، وهو ما يعني أن جماعة العمل عندما يتوافر بها الانسجام؛ فإن أعضاءها يعملون سويًّا لتحقيق الأهداف المشتركة؛ الأمر الذي يقتضي ضرورة تغيير طريقة تفكير الأفراد، وإقناعهم بتحقيق الأهداف، من خلال التفاعل مع الآخرين، وعدم الاقتصار على طريقة الأداء فقط.

تأثير إيجابي

خلصت الدراسة إلى العديد من النتائج: فقد أشارت إلى أن القيادة الداعمة تؤثر إيجابيًا ومعنويًا-وبشكل مباشر-في كل من: السلوك الصوتي للعاملين، والانسجام التنظيمي الذي يحظى بالتأثير نفسه في القيادة الداعمة. كما أكدت أن هناك علاقة غير مباشرة بين هذا النوع من القيادة وبين السلوك الصوتي لهؤلاء العاملين. كذلك توجد اتجاهات إيجابية لدى المبحوثين نحو كل من: القيادة الداعمة، والسلوك الصوتي للعاملين، والانسجام التنظيمي.

توصيات للقادة والعاملين

وفي ضوء هذه النتائج تبدي الدراسة مجموعة من التوصيات التي تم تصنيفها حسب متغيراتها ومحاورها. فبالنسبة للقادة توصي الدراسة بما يلي: يجب على إدارة المنظمات حفزهم على التحاور مع موظفيها والاستماع إليهم والحرص على نقل التغذية المرتدة البناءة إليهم عبر هذا الحوار، والتدريب السلوكي لهم كي يصبحوا داعمين ومساندين لمرؤوسيهم، وأن تشمل نماذج تقييم الأداء قيام الموظفين بتقييم رؤسائهم ما إذا كانوا داعمين لهم أم لا، وحفز هؤلاء القادة على الاهتمام بالاحتياجات الشخصية لمرؤوسيهم، وتدريب القادة على مهارة الإنصات لمرؤوسيهم وإشعارهم بأهميتهم-ليس هذا فحسب-بل لا بد أن تصبح تلك المهارة أحد معايير اختيار القادة الجُدد.

أما التوصيات المتعلقة بالانسجام التنظيمي فتشمل ما يلي: تشجيع الموظفين على الانسجام ذاتيًّا مع أنفسهم وإقامة الفعاليات الاجتماعية المختلفة، وحفزهم على التعارف وتوطيد علاقات اجتماعية بينهم وتشجيعهم على مساندة ودعم بعضهم البعض ودعم روح المنافسة الإيجابية بينهم وإزالة أي خلافات والعمل على حلّها فور حدوثها حتى تسود المُنظَّمة روح الصداقة والعلاقات الطيبة بين الموظفين وبعضهم البعض، ووضع نظام عادل للأجور والترقيات والتأمين الصحي والاهتمام بالرحلات الترفيهية وهو ما يزيد من انسجام الموظفين مع الأنظمة واللوائح.

بينما التوصيات الخاصة بالسلوك الصوتي للعاملين تتحدد في الآتي: تشجيع الموظفين على المشاركة، والإدلاء بآرائهم ومُقترحاتهم، ومكافأة من يظهرون سلوكيات إيجابية في هذا الصدد، وتشجيعهم على الإفصاح عن المشكلات التي يواجهونها أثناء أداء العمل مع الاهتمام بتدريب الرؤساء على الإنصات لمشكلات مرؤوسيهم والعمل على حلها، وتشجيع الحوار البنَّاء بين الرؤساء وتابعيهم وأن يحرص هؤلاء الرؤساء خلال تلك الحوارات على مصارحة مرؤوسيهم بمشكلات العمل أو تلك التي ستُؤثّر في جودة حياتهم الوظيفية، وتحفيز الرؤساء على التحدّث مع المرؤوسين عن المشروعات الجديدة وتحفيزهم على الإفصاح عن آرائهم ومُقترحاتهم.​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة