العنصر البشري والخط الفاصل لنجاح التغيير

يحرص كثير من قادة المنظمات الحديثة على مواكبة التطورات التقنية والإدارية والفنية، والعمل على تحقيق تكامل منظماتهم مع البيئة الخارجية والتطورات المرتبطة بها؛ مما يترتب عليه إحداث تغييرات عديدة في البيئة الداخلية، وذلك لمساعدة المنظمة في الانتقال من الوضع الراهن إلى الوضع المستهدف. وقد تشتمل هذه التغييرات، تغيرات تتعلق بالأهداف الاستراتيجية أو الهياكل التنظيمية أو العمليات التشغيلية أو الطرق والأساليب والوسائل وغيرها، والعمل على تحقيق الأهداف الجديدة بكفاءة وفعالية؛ وصولاً للتميز المؤسسي في الاداء.

 وفي سعيهم هذا، قد يتغافل بعض القادة-بقصد أو بدون قصد-عن محور من أهم محاور التغيير، ألا وهو العنصر البشري الذي يعتبر الخط الفاصل لنجاح التغيير، مفترضاً أنه يتوجب على الموظف أن يتواكب مع هذه التغييرات وعلى نفس وتيرة سرعة التغيير، ولكن هنا يغيب عن ذهنه أن العنصر البشري ليس آلة توجهها بجهاز التحكم، وتحركها يمنياً ويساراً كيفما تشاء.

لذا يجب الآخذ في الاعتبار أثناء التخطيط لعملية التغيير في أي منظمة، مواردها البشرية، والتي تعتبر من أهم محاور التغيير وأصعبها؛ لأنها قد تتحول إلى عقبة في عملية التغيير، مما قد يقلل من تسارع التغيير أو يؤدي إلى إفشاله. لذا لا بد أن تعمل الإدارة العليا على الحصول على دعم الموظفين بإقناعهم بجدوى عملية التغيير، وأهمية مشاركتهم الفاعلة في نجاحه.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من الممارسات، والتي من أولها العمل على نشر ثقافة التغيير والحاجة له، من خلال إدراك الأفراد أسباب التغيير المرتبطة بالتطورات المحيطة ورؤية الأحداث على حقيقتها بمزاياها وعيوبها وتفسيرها التفسير الواقعي والصحيح الذي يساعد في الاستجابة الملائمة للتغيير.

كما لا بد من أن يتم التواصل المستمر بين الإدارة العليا والأفراد، والعمل على بناء الثقة في الإدارة العليا، وما الفوائد والمزايا المرتبطة بنجاح عملية التغيير سواء على مستوى المنظمة أو على مستوى الأفراد.  فبالرغم من أن القلة من الموظفين قد يرفضون التغيير؛ رغبة في المحافظة على وظائفهم ومكاسبهم الفردية المرتبطة بها، إلا أن الغالبية منهم قد يرفضون التغيير لعدم وضوحه وخوفه من المجهول، وأنه قد يحمل أضرارًا له، مما يثير التنظيم غير الرسمي، ويوسع من دائرة مقاومة التغيير والتكاتف على إفشاله. كما يجب توضيح جميع مراحل عملية التغيير، والمدة الزمنية المتوقعة لكل مرحلة، مع توضيح الأهداف النهائية الخاصة بها، وأن تكون هناك شفافية عالية للمراحل الزمنية والتحديات والمتطلبات والمكاسب المتوقعة لكل مرحلة.

كذلك لا بد من أن يتم توسيع مشاركة الأفراد في عملية التغيير وأخذ آرائهم ومقترحاتهم فيها، ويمكن زيادة تسارع التغيير من خلال تقديم الحوافز الإيجابية، سواء المادية أو المعنوية، والتي من أهمها رغبة الموظف في تحقيق الذات من خلال المهام التي يكلف بها أثناء التغيير من خلال حرص الإدارة على ممارسات التفويض والتمكين الفعال والتطوير المستمر للأفراد.

كما يجب تدريب الأفراد على المعارف والمهارات والجدارات المتطلبة لعملية التغيير، وبما يرتبط بها من اتجاهات وسلوكيات، وفي الوقت نفسه تسهيل عملية التدريب من خلال الاستفادة من التقنية الحديثة في هذا المجال، مثل التدريب عن بعد، أو منصات التدريب الإلكترونية وغيرها، مع تعزيز المسؤولية لديهم عن التطوير الذاتي، وتكوين القيم والسلوكيات الإيجابية أثناء عملية التغيير.

وتجدر الإشارة إلى أنه من المهم بناء ثقافة العمل الجماعي وأهميته، مع العمل على تعزيز العلاقات الإنسانية بين جميع أفراد التنظيم؛ لأن التغيير قد يترتب عليه-لبعض الأفراد-تغييرات وظيفية بنقله أو نقل رئيسه أو زملائه المقربين ونقل زملاء جدد؛ مما يشعره بالخوف على علاقاته المستقرة، وحاجته إلى بناء علاقات جديدة، والقلق حول كيفية بنائها وإمكانية نجاحها.

​ 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة