هل تقبل مديرك "روبوت"؟

ربما تعتقد أن فكرة المدير "الروبوت" مازالت بعيدة عنك، أو يتم تطبيقها بشكل نادر وعلى استحياء. فاسمح لي أن أخبرك أن اعتقادك هذا ليس صحيحًا؛ فقد تطور مجال "الروبوتات" بشكل مذهل وأصبح أحد أهم مجالات المستقبل وأحد أهم التخصصات المطلوبة في سوق العمل، إضافة إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإدارة أصبحت ملموسة وبشكل متزايد من يوم لآخر. ولن نكون مبالغين بقولنا إننا أصبحنا نتلقى الأوامر من مثل هذه الروبوتات والتطبيقات، فمثلًا نحن يوميًا نلتزم بأوامر إشارة المرور الإلكترونية التي تسمح/وتجبر قائدي السيارات على الاستجابة لكل ما يتعلق بتنظيم حركة المرور في شوارعنا. كذلك نجد أن شركات سائقي الأجرة مثل "أوبر" التي ليس لسائقيها "مدير بشري"، يتلقون التعليمات من خلال "تطبيق" على أجهزتهم المحمولة. فهل تقبل أن يكون مديرك في العمل "روبوت"؟ وكيف ستتعامل معه؟ وما تقييمك له؟ في هذا التقرير سنجيب على هذه الأسئلة.

 

 

تطور ومخاوف وقلق

يشهد العالم ظهور جيل من الروبوتات أكثر تعقيدًا من أيّ وقت مضى، واستخدامها في كافة مجالات الحياة، كالصناعة، والصحة، والأمن، ومساعدة البشر، وغيرها من المجالات. وقد عززت جائحة كورونا الحاجة إلى الروبوتات في إدارة الأزمات، وكان خير مثال لذلك في كل من الصين والهند. وتؤكد صحيفة "العرب" أن "الروبوتات" وتطبيقات الذكاء الاصطناعي تحتل مكانًا بارزًا في إدارة الشركات العالمية، أمثال أمازون، وغوغل، ونتفليكس، وعلي بابا، وفيسبوك؛ وهو ما يثير تنامي المخاوف والقلق إزاء تغول سلطات هذه الروبوتات والتطبيقات على الصلاحيات المخولة للمديرين البشريين، ويثير أيضًا مخوف المديرين التنفيذيين الذين يرون أن البساط بدأ يُسحب من تحت أقدامهم لصالحها.

ويضيف موقع "CNN" أن "الروبوتات" أصبحت أرخص من العديد من العاملين البشر، ويعود ذلك جزئياً إلى انخفاض تكاليف الآلات مع تقدم التقنيات. فبين العامين 2011 و2016م، انخفض متوسط سعر الوحدة لكل روبوت بنسبة 11%، وفقاً لـ"أوكسفورد إيكونوميكس". بالإضافة إلى ذلك، باتت "الروبوتات" قادرة على إتمام عمليات أكثر تطورًا والعمل في مجالات أكثر تنوعًا، فضلًا عن ارتفاع الطلب في السوق على السلع المصنعة.

المستقبل للـ"روبوت"

يذكر موقع "الجزيرة" أن دراسة أجرتها شركة "أوراكل" الأميركية مع شركة "فيوتشر وورك بلاس" المتخصصة في تطوير بيئة العمل المستقبلية، كشفت أن الموظفين يثقون في المدير "الروبوت" أكثر من المدير البشري. وشملت الدراسة 8370 موظفًا يعملون في مناصب إدارية ورؤساء أقسام الموارد البشرية في 10 دول. وعبّر أغلب الموظفين (65%) عن تفاؤلهم وحماستهم لإمكانية وجود "الروبوتات" كزملاء لهم في العمل. وأوضحت الدراسة أن الموظفين في كل من الهند والصين يشعرون بنسبة فاقت الـ 50% بالحماس الأكبر لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وجاءت بعدهما سنغافورة (41%)، والبرازيل (32%)، وأستراليا/نيوزيلندا (26%)، واليابان (25%)، بينما حلت الولايات المتحدة (22%) والمملكة المتحدة (20%) ثم فرنسا (8%) في المراتب التالية. ووجدت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي أعاد تشكيل العلاقة بين البشر والمديرين في أماكن العمل، وأنه يعمل اليوم على إعادة تشكيل الدور المطلوب من فرق الموارد البشرية والمديرين لاستقطاب المواهب والمحافظة عليها وتنميتها.

20 وظيفة جديدة

ويرى موقع "العربية" أن عصر "الروبوتات" ربما سيفرز العديد من الوظائف التي لم يكن لها وجود من قبل. فقد نشرت شركة "كوغنيزانت Cognizant" الرائدة في تقديم خدمات الأعمال والتكنولوجيا، بما في ذلك الخدمات الرقمية والتكنولوجية والاستشارية والعمليات الواقع مقرها في "نيوجيرسي" الأمريكية، تقريراً جديداً، أشارت فيه إلى اعتقادها بإمكانية توفر 20 وظيفة جديدة خلال السنوات القادمة بفضل إدارة "الروبوتات"، والتي يذكرها على سبيل التحديد كالتالي: محقق البيانات، والمشي والتكلم، ومحلل المدن السيبرانية، وصانع رحلات الواقع المعزز، ومدير تطوير أعمال الذكاء الاصطناعي، ومستشار الالتزام باللياقة البدنية، وتقني الرعاية الصحية والذكاء الاصطناعي، ووسيط البيانات الشخصية، ومراقب الطريق السريع، والخياط الرقمي، ومسؤول التنوع الوراثي، ومسؤول الصحة المالية، ومسؤول المصادر الأخلاقية، ومدير حوسبة الحافة، ومحلل تقنيات تعلم الآلة الكمومية، وكبير موظفي الثقة، ومدير الفريق، ومدير محفظة المحتوى الوراثي، وخبير المتجر الافتراضي، والقيٍم على الذاكرة الشخصية.

إيجابيات

وإذا تخيلنا أن "الروبوتات" تبوأت مناصب عليا كمديرين؛ فما أهم مميزاتها؟ هذا السؤال يمكن الإجابة عليه من خلال التأكيد على تنجزه " الروبوتات" اليوم بكفاءة عالية العديد من المهام التي كانت حكرا على البشر، من بينها مهام معقدة نسبيا لم نكن لنتخيل أن ينجزها غير الإنسان، مثل صرف الوصفات الطبية (الصيدلة)، والمساعدة القانونية، وسياقة المركبات، وريادة الفضاء، وإدارة المخازن، ومجالسة الأطفال وغيرها الكثير. وهناك شركات تعتمد بشكل كبير على "الروبوتات" في تشغيل وإدارة المصانع والمخازن، مثل شركة" فولكس فاجن"، وشركة" أمازون"، وغيرهما.

ومن فوائد المدير "الروبوت" الكثيرة، مثلا قدرته على تقييم أداء الموظفين بدقة وبالتالي تحديد الراتب الذي يستحقه الموظف، ومنحه ترقية أو حجبها عنه، بالإضافة إلى مهارته في تنظيم جداول عمل الموظفين دون أن يفسد عليهم عطلاتهم. كما لا يمكن اتهامه بالتحيز أو المحاباة، وهو ما يقلل من المناوشات بين الموظفين، وفي بعض الأحيان لن يتعمد مديرك "الروبوت" أن يختلق مشكلات شخصية بينك وبينه، حينما تختلف معه أو تنتقده في بعض القرارات والإجراءات التي يتخذها، أي أنه لن يشخصن الأمور بينك وبينه.

كذلك فإن تقييمات المدير "الروبوت" للموظفين ستكون موضوعية ووفق معايير محددة وغير متحيزة، مثل مدى التزامهم بمواعيد العمل، وعدد رسائل بريدهم الإلكتروني التي يرسلونها، ومرات الاستراحات، والإجازات، وعدد مكالماتهم الهاتفية أثناء عملهم. بينما تقييمات المدير البشري لهم ربما ستراعي هذه المعايير وفق حسابات أخرى؛ وسيميل لمعايير أخرى إنسانية، خاصة فيما يتعلق بتقليص كأن يكون أحدهم هو العائل الوحيد لأسرته، أو أنه مصاب بمرض ما، 

سلبيات

في بعض الأحيان، وعند حدوث مشكلة ما بين موظف ومديره "الروبوت"-كالتي تحدث بين بعض سائقي شركات الأجرة-ربما لن يمكنه التعامل مع مديره بشكل مباشر، بل يقوم بإرسال شكواه في رسالة نصية ثم ينتظر الرد، والنتائج يمكن أن تكون مقنعة، وفى أحيان كثيرة تثير غضب بعض السائقين. كذلك يحذر بعض الخبراء والمتخصصين من أن إعطاء "سلطة مطلقة" لـ"الروبوت"، قد يؤدى إلى مستقبل بائس، ونذكر هنا شركة "أمازون" كمثال، والتي تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتوجيه الموظفين، وقد تسبب ذلك في حدوث حالات إرهاق شديدة بينهم.

الحل و"الروبوتات الذكية"

يرى العديد من الخبراء أن الحل المناسب يكمن في الاستعانة بالـ"روبوتات" وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإدارة-كمديرين-لكن تحت إشراف بشري؛ وربما كان مبررهم في هذا الاقتراح هو أهمية تطبيق معياري المرونة، والإنسانية، وبشكل متناسب مع مصلحة العمل، ولا سيما مع ما يراه موقع "عصري.نت" من أنه مع وصول سوق أتمتة المصانع الذكية في الشرق الأوسط إلى حجم قياسي يبلغ 17 مليار دولار للعام 2020م-وفقًا لتوقعات "موردور انتليجنس"-فإن الوقت قد حان في المنطقة لتبني "الروبوتات الذكية"؛ من أجل دفع عجلة الابتكار ودعم استمرارية الأعمال.

 

​ 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة