دور مهم للتمكين الإداري..دراسة توصي: زيادة مساهمة المرأة في دعم رأس المال الفكري والتميز المؤسسي لمعهد الإدارة العامة

​بفعل المتغيرات التي يشهدها عالمنا المعاصر؛ تغيرت الكثير من المفاهيم في إدارة المؤسسات المختلفة التي تحولت من الاعتماد على رأس المال المادي إلى الإنتاج المعرفي (رأس المال الفكري) الذي يحقق لها الميزة التنافسية وجودة الأداء. كذلك تسعى هذه المؤسسات إلى الاعتماد على الأساليب والإستراتيجيات الحديثة لتحقيق التميز المؤسسي؛ والتي من أهمها التمكين الإداري لمواردها البشرية. فقد أكد الباحثون في الشأن الإداري على أن هناك علاقة مباشرة بين مستوى التمكين وزيادة أداء المؤسسات وتميزها. وتبدو أهمية إبراز هذه العلاقة وتسليط الضوء عليها في حالة معهد الإدارة العامة بالمملكة، والذي يحظى بالتقدير كمؤسسة تنموية ذات تأثير فعال على المستوى الوطني، وهو الموضوع الذي يتناوله د.نازم محمود ملكاوي في بحثه المنشور بدورية "الإدارة العامة الصادرة عن معهد الإدارة العامة، ونستعرضه معكم على صفحات هذا العدد.

نجاح إستراتيجي

رأس المال الفكري هو مجموع ما لدى المؤسسة من أصول غير ملموسة؛ كقدرات العاملين، المعرفة، الخبرات، حقوق الملكية وحقوق النشر والتأليف، هيكل تنظيمي التعليم، المهارات، الاسم والشهرة، العلاقات مع الزبائن، طرق العمل، وغيرها، والتي تميز المؤسسة عن غيرها من المؤسسات. وتبرز أهمية رأس المال الفكري بمكوناته الثلاثة (رأس المال البشري، ورأس المال الهيكلي، ورأس مال العلاقات) فيما له من قيمة عليا للمؤسسات والشركات التي اعتمدته؛ فبعضها ربما لا يتجاوز رأس مالها المادي بضعة ملايين من الدولارات إلا أن قيمتها السوقية ما يقارب تريليون دولار، مثل شركة Wikipedia، وشركة Apple؛ نظراً لما تمتلكه من أصول فكرية ومعرفية. وفي ظل ندرة الموارد التي أصبحت أحد أهم المحددات الرئيسية للمؤسسات، والحاجة لبناء قدرات المؤسسات لا سيما الفكرية منها، وفي ظل المنافسة الحادة التي تتسم بها بيئة الأعمال المعاصرة؛ بات من الضروري توجيه اهتمام هذه المؤسسات برأس المال الفكري الذي يتزايد بتزايد القدرات الإبداعية، والعمل على بنائه وتراكمه كمورد أساسي يُمكٍن المؤسسات من البقاء والنمو والاستمرار في تقديم منتجاتها وخدماتها بكفاءة عالية. وينظر الخبراء إلى رأس المال الفكري باعتباره من بين أهم أصولها الإستراتيجية ومن أهم مواردها غير الملموسة؛ لذلك فإن الاستثمار برأس المال الفكري والاستفادة القصوى منه هو مفتاح النجاح الإستراتيجي لتلك المؤسسات.

5 أنشطة و3 مكونات

ويرى بعض الخبراء أن إدارة رأس المال الفكري تتضمن 5 أنشطة أساسية هي: توظيف أفضل للمواهب والقدرات المتاحة، وخطط التطوير الوظيفي للعاملين، والتدريب والتوجيه للعاملين، وتحفيز العاملين لتقديم أفضل مستويات لديهم، وتطوير إستراتيجيات لإدارة الأداء. ومن الجدير بالذكر أن رأس المال الفكري يتواجد في 3 مواقع رئيسية في المؤسسة، وهي: العاملون، ونظام العمل، والعملاء.

ويجمع غالبية الباحثين على وجود 3 مكونات له، وهي:

  1. رأس المال البشري: يرتبط بما يملكه العاملون من معارف وقدرات وسلوكيات وخبرات ومهارات وإبداعات، يتمكنون من خلالها من توليد رأس المال الفكري لصالح مؤسساتهم.
  2. رأس المال الهيكلي (الداخلي): يمثل هذا المكون المعرفة المخزنة التي لا ترتبط مباشرة بالأفراد، وتشمل قواعد بيانات المؤسسة، وإستراتيجياتها، وعمليات الأعمال، والسياسات، والإجراءات، وهيكل المؤسسة وأنظمتها، وبنيتها التقنية وغير التقنية.
  3. رأس مال العلاقات (الخارجي): ويشمل مجموع العلاقات بين المؤسسة وزبائنها ومورديها إضافة إلى العلاقة مع أصحاب المصالح.

أبعاد وفوائد

وعلى صعيد متصل، يحظى التمكين الإداري بمساحة كبيرة من الأهمية في إدارة المؤسسات كأسلوب عصري يسهم في تميزها. فهو يسهم في تحقيق العديد من الفوائد منها: تسهيل وتسريع عملية اتخاذ القرار وحل المشكلات، ويمكٍن من زيادة قدرات الإبداع والابتكار، وتحقيق الرضا الوظيفي وزيادة الدافعية والولاء، وإعطاء الأفراد مسؤولية أكبر وتمكينهم من اكتساب إحساس أكبر في إنجاز أعمالهم.

ويعتمد الباحث في هذه الدراسة 3 أبعاد للتمكين هي: امتلاك المعلومات وتوافرها، والاستقلالية وحرية التصرف، وامتلاك المعرفة والمهارات.

نماذج التميز

وعلى جانب آخر، فإن التميز المؤسسي يشير إلى امتلاك المؤسسة عدد من القدرات الجوهرية؛ كالقيادة والأفراد المبدعين، والإستراتيجية الفعالة، وأساليب عمل وطرائق عمليات متميزة، وموارد وعلاقات متميزة، وغيرها، مما يجعلها قادرة من خلالها على تقديم خدمات متميزة لا يستطيع الآخرون تقليدها، وبما يتلاءم مع حاجات أصحاب المصلحة ورغباتهم. ولقد طورت العديد من المؤسسات الدولية نماذج عديدة من التميز المؤسسي؛ مثل النموذج الأوروبي الذي يعد أكثر شيوعاً، والنموذج الياباني. ويقوم نموذج التميز الأوروبي على 5 مكونات اعتمدها البحث، وهي: القيادة، والإستراتيجيات، والعاملون، والموارد، والعمليات.

ثقافة التميز

وقد توصل د.ملكاوي إلى العديد من النتائج، والتي من بينها ما يلي: يتوفر رأس المال الفكري بأبعاده المختلفة، وكذلك التميز المؤسسي بدرجة مرتفعة لكل منهما على حده في معهد الإدارة العامة؛ بينما يتوفر التمكين الإداري بدرجة متوسطة. كذلك توصل الباحث إلى أن رأس المال الفكري يؤثر في التميز المؤسسي للمعهد، وأن هذا التميز يتأثر أيضاً بالتمكين الإداري لمنسوبي المعهد.

وفي ضوء هذه النتائج يوصي الباحث بالآتي: يجب الحفاظ على مستوى توفر رأس المال الفكري بالمعهد وتدعيمه بشكل مستمر، وزيادة مساحات التمكين للإدارات المختلفة والعاملين في المعهد، وزيادة الاهتمام بالمورد البشري بالمعهد واستقطاب الخبرات والكفاءات والاحتفاظ بها، واستمرار اهتمام المعهد بالتميز من خلال جعله ثقافة بين منسوبيه، وزيادة مساهمة المرأة ودورها في دعم رأس المال الفكري والتميز المؤسسي، إذ إن محدودية دورها يعد تعطيلاً لما تملكه من طاقات وقدرات تسهم في زيادة موجودات رأس المال الفكري، ومن ثم تميز المؤسسات والقدرة على حمل أعباء التوجهات الوطنية الطموحة.


​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة