المثلث الذهبي في مواجهة كورونا

​مع اندلاع نيران جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) التي انطلقت شرارته من مدينة "ووهان" الصينية إلى أنحاء العالم؛ ظهر لنا جلياً الدور الكبير الذي لعبه المثلث الذهبي (القيادة، والتكنولوجيا والبيانات) في تشخيص الأزمة والعمل على مواجهتها. فعلى مستوى القيادة، أدرك قادة العديد من الحكومات الدولية وعلى رأسها حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين-يحفظهما الله-خطورة الموقف منذ البداية وما قد يترتب عليه من خطر على شعوبها وحياة البشرية، حيث تعاملت هذه الحكومات مع الموقف بجدية تامة وبادرت باتخاذ قرارات جريئة تتعلق بالتعليق المؤقت للعديد من مناشط الحياة، مثل التنقلات البشرية وحركة المسافرين عبر المواصلات الدولية المختلفة، وتعليق الحضور للمؤسسات التعليمية، وأماكن العمل، وحظر التجمعات الاجتماعية، وإعادة تنظيم وتقنين أوقات عمل المحلات التجارية. بالرغم مما لذلك من انعكاسات مؤثرة سلبياً بشكل مباشر على الاقتصاد والإنتاجية والحياة الاجتماعية. وهذه القرارات الجريئة والحاسمة لم تكن ارتجالية أو مبنية على حدس أو توقع، بل كانت مدعمة ببيانات وإحصائيات ومعلومات من مصادر موثوقة محلية ودولية أشارت إلى خطورة الحدث.

ومن جانب آخر برزت التكنولوجيا والبيانات الضخمة (big data) كلاعب أساسي ذي دور محوري ومهم في مواجهة هذه الأزمة. ولعل التجربة الصينية في هذا الجانب جاءت لتقدم للعالم نموذجاً حياً واقعياً وعملياً في توظيف التكنولوجيا والبيانات الضخمة في مواجهة "كوفيد-19". فقد أشارت العديد من التقارير الدولية إلى أن الصين استخدمت الروبوتات للقيام بالعديد من الوظائف بدلاً من البشر؛ بهدف تقليل الاحتكاك بين الأشخاص والحد من انتقال العدوى وانتشار الفيروس. فوظفت الروبوتات في التمريض والتعقيم واكتشاف الحالات المصابة في الشوارع وتوصيل الطلبات، كما استخدمت طائرات "الدرونز" في مراقبة التجمعات البشرية وإرسال رسائل صوتية تحذيرية وتوعوية لهم، بالإضافة إلى استخدام موظفي الشرطة لخوذات ذكية تكشف الحالات المشتبه في إصابتها بالفيروس من خلال قياس درجة حرارة الجسم عن بعد. ويوجد في الصين-كما ذكرت التقارير-قرابة 300 مليون كاميرا مراقبة متقدمة؛ لمراقبة مواطنيها والمساعدة على اكتشاف المصابين بالفيروس وتحديد هويتهم ومواقعهم. إضافة إلى ذلك تم استخدام البيانات المتوفرة في السجلات الطبية والملفات الجنائية وخرائط التنقل والسفر وبمساعدة خوارزميات حاسوبية لمعالجة هذه البيانات؛ في معرفة الأشخاص الذين خالطهم أشخاص مصابون بالفيروس، ومن ثم المبادرة إلى حجرهم صحياً.

وما لم يدركه العديد من الناس بالأمس، وتحديداً قبل أزمة كورونا، حيال الاهتمام الكبير لقيادتنا الرشيدة بهذا المثلث الذهبي؛ يأتي هذا اليوم وفي ظل هذه الأزمة ليستيقنوا أن هذا الأمر جوهري وضروري لتحقيق الطموحات ومواجهة الأزمات. ولا غرابة في ذلك عندما ركزت قيادتنا الحكيمة على القدرات البشرية وعلى رأسها القيادات، والتكنولوجيا، والبيانات في رؤيتها الواعدة (رؤية المملكة 2030) التي تمت ترجمتها على أرض الواقع إلى برامج ومبادرات وتنظيمات إدارية متنوعة، والتي منها على سبيل المثال-لا الحصر-برنامج تنمية القدرات البشرية، وإنشاء أكاديمية تطوير القيادات الإدارية بمعهد الإدارة العامة، بالإضافة إلى برنامج التحول الوطني وما تضمنه من أهداف تسعى إلى تطوير وتعزيز البنية التحتية التقنية والحكومة الإلكترونية والتحول الرقمي، والذي حققت فيه المملكة مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية، وتحويل المصلحة العامة للإحصاء والمعلومات إلى الهيئة العامة للإحصاء وما شهدته من تغيير كبير في مجال العمل الإحصائي بالمملكة، وإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي وغيرها. وبالرغم من وجود العديد من العوامل والجوانب الأخرى المهمة في تحقيق الطموحات ومواجهة الأزمات، إلا أن هذا المثلث يظل القائد والمحرك الرئيسي لبقية هذه العوامل والجوانب.

إن ما تمتلكه المملكة-ولله الحمد-من قيادات متميزة ومن بنية وقدرات تقنية جيدة؛ أسهمت في استمرار العملية التعليمية وقيام منظمات القطاعات الثلاثة: العام، والخاص، وغير الربحي بإنجاز مهامها وتقديم خدماتها عن بعد من خلال التقنية وبشكل جيد. كل هذا يؤكد على أننا تحت ظل قيادة حكيمة ذات بعد نظر وتستقرئ الواقع والمستقبل بعمق وتمعن، وحريصة كل الحرص على جعل بلادنا في مصاف الدول المتقدمة.

وقفة: ما كان يُعتقد بالأمس أنه ترف وموضة عابرة لدى الكثير، مثل (القيادة وإدارة الأزمات، والتكنولوجيا وتطبيقاتها العملية، مثل العمل والتعليم عن بعد، وعلم البيانات والذكاء الاصطناعي)، يُرى اليوم أنه حاجة ملحة.​



 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة