الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي..التقنية تدعم اتخاذ القرار

د.سارة العتيبي: "دكتور روبوت" قدم الاستشارات الطبية في مشعر "منى" عبر التواصل "عن بعد" مع أي مستشفى في المملكة

د.محمد القرني: تطبيق GPT-2 يقوم بتوليد المحتوى اللغوي بعد تدريب النموذج على أكثر من 8 ملايين صفحة ويب

فاتن عبدالله صالح: وظـائف حياتية ذكية ومهام خبيرة يؤديها الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي

 

في ظل التطور التقني المذهل والمتسارع الذي نعيشه؛ باتت الحكومات في جميع أنحاء العالم مطالبة بتقديم الخدمات الرقمية وتلبية توقعات المواطنين، ويعول الخبراء والمتخصصون آمالاً وطموحات مستقبلية كبيرة على الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يكون العامل الرئيسي لتحقيق ذلك. وقد لجأت الكثير من الحكومات حول العالم إلى توظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وغيرها من التقنيات بطريقة أكثر فاعلية لتعزيز قدراتها التنافسية. في هذا التحقيق نتعرف على أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي.

 

خدمات رقمية

يتمتع الذكاء الاصطناعي، بالعديد من القدرات المتميزة، والتي تعمل على دعم تحليلات البيانات الضخمة، كعرض الصورة الشاملة لما يحدث وتبيان أسباب حدوثه والأمور التي يحتمل حدوثها بعد ذلك، وتعمل على تمكين السلطات المعنية من بناء صلات حكومية تكون كفيلة بالمساعدة في خدمة المواطنين بأساليب أفضل. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك-وفقاً لـ"البوابة العربية للأخبار التقنية"-كيف طبقت دائرة القضاء في أبو ظبي حلول تحليلات قائمة على الذكاء الاصطناعي؛ لتحقيق أقصى استفادة من بياناتها وإضفاء القيمة على تعاملاتها وإجراءاتها، من خلال تمكين اتخاذ القرارات بطريقة أسرع وأفضل.

ونفذت الإدارة تقنيات تعلم الآلة لتسهيل تحديد العملاء وتقسيمهم ومعالجة طلباتهم في الوقت المناسب، علاوة على تمكين الدائرة من اتخاذ قرارات أكثر استنارة باستخدام التحليلات وعبر تحسين الوصول إلى البيانات، ورفع جودة الأحكام القضائية وزيادة مستوى اتساقها، وإعداد تقارير فورية للإدارة والعملاء بمواصفات محددة. وأصبح بوسع المسؤولين عند لجوئهم إلى أدوات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة اكتساب رؤى أعمق وأوسع نطاقاً، والانتقال إلى مجالات محددة، مثل القطاعات الفردية وحتى إلى مؤسسات بعينها.

وإذا نظرنا إلى الجهات الحكومية المعنية بالرعاية الصحية، فإننا نجد تطبيق الذكاء الاصطناعي على البيانات المأخوذة من المستشفيات ومعاهد البحوث والهيئات الأخرى ذات العلاقة في سعيها للقضاء على الأوبئة في وقت مبكر، وذلك من خلال الكشف عن الأنماط التي تنطوي عليها التقارير الصحية المرفوعة بشأنها؛ وبالتالي تحديد أفضل السبل للتعامل معها وتقديم الرعاية الصحية للمصابين بها، فضلاً عن فرض التدابير الوقائية اللازمة للحدّ من انتشارها والقضاء عليها. ولا يتوقع من البيانات المتاحة للحكومات إلا أن تنمو أحجامها وتتضاعف، فالربط بين الأجهزة الذكية وقابلية التشغيل المشتركة يزداد منتجًا المزيد من البيانات؛ ما يساعد في إثراء إنترنت الأشياء ودفع عجلات نموها.

"دكتور روبوت"

وتشير د.سارة العتيبي، المديرة العامة للفرع النسائي لمعهد الإدارة العامة بمنطقة مكة المكرمة وأستاذة تقنية الويب، إلى التحول الرقمي الذي تشهده المملكة العربية السعودية، بقولها: "أصبح الذكاء الاصطناعي من المهام الاستراتيجية المهمة  في القطاعات الحكومية؛ وتعددت مجالات استخدامه في القطاع الحكومي، وأهمها استخدام الروبوتات الذكية التي تحاكي العقل البشري، مثل ما أطلقته وزارة الصحة مؤخراً في موسم الحج للعام الماضي عبر جهاز جديد يسمى "دكتور روبوت"، وهو عبارة عن روبوت ذكي يهتم بتقديم الاستشارات الطبية في مشعر "منى" عبر التواصل الافتراضي "عن بعد" مع أي مستشفى في المملكة، كما تمكن الأطباء الافتراضيون من التنقل الذاتي داخل المستشفى الموجود في المشعر، وصولاً إلى سرير المريض، وتقديم الاستشارة السريرية بطريقة سهلة وعبر شبكة الجيل الرابع. وفي السياق ذاته دولياً، تم استخدام تقنية التصوير المجسم "الهولوغرام" في تمثيل الأطباء بشكل ثلاثي الأبعاد وبدرجة عالية من الدقة وذلك لزياراتهم لمنازل المرضى عن بعد "إلكترونيا".

وتضيف د.سارة العتيبي: "توجد عدة تجارب محلية ودولية لتطبيق الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي، حيث اختيرت العاصمة السعودية "الرياض" كأول عاصمة عربية رقمية، وذلك على هامش دورة مجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات 23، تحت شعار "طموح عربي لجيل رقمي"، والتي تُعد إحدى الفعاليات المعتمدة على هامش قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها المملكة في 2020. ويجدر الإشارة هنا إلى أن اختيار الرياض كأول عاصمة عربية رقمية؛ كان نتاج تطور تقني ضخم لعدد من الوزارات، مثلما حدث مؤخراً في وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية، وذلك بتفعيلها جهاز ذكي للخدمة الذاتية للتواصل مع كاتب العدل مباشرة "عن بعد" بالصوت والصورة، وذلك للتحقق من هويه المواطن؛ ومن ثم إصدار الوكالات الشرعية مباشرة وبكل يسر وسهوله.

وتستطرد أستاذة تقنية "الويب"، بقولها: إلى جانب ذلك، توجد العديد من التجارب الدولية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحكومية، مثل التجربة الأمريكية في إرسال الأدوية لمنازل المرضى عبر استخدام طائرات بدون طيار "درونز".

وترى د.سارة العتيبي أنه بكل تأكيد من الممكن أن نرى المسؤول الحكومي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في اختيار الموظفين الجدد أو ترقية القدامى، فالمسؤول اليوم أصبح يعتمد بشكل كبير على التقنية في اتخاذ القرار لاعتمادها على مؤشرات قابلة للقياس؛ مما سيحقق العدالة والإنصاف والوضوح في اتخاذ القرارات، خصوصاً المتعلقة بالموارد البشرية، كاختيار الموظفين الجدد أو حتى ترقية الموظفين القدامى.

وتضيف المديرة العامة للفرع النسائي لمعهد الإدارة العامة بمنطقة مكة المكرمة: "إن وجود هيئة الذكاء الاصطناعي سوف يساعد القطاعات الحكومية بشكل عام والمسؤول الحكومي بشكل خاص-بلا شك-في زيادة الوعي بالأطر والنماذج والضوابط الصحيحة للذكاء الاصطناعي، وكيفية تفعيله تطبيقيّاً في تطوير حاضرنا الإداري للوصول إلى مستقبل أفضل؛ حيث إن تفعيل تقنيات الذكاء الاصطناعي سيؤثر إيجابيًّا على التطوير الإداري في القطاعات الحكومية في حالة توفر البيانات الضخمة ومعالجتها، وربطها بحلول ابتكارية تتبنى ثقافة الذكاء الاصطناعي بتعمق أكثر، والذي سيسبب تحولات كبيرة في تحسين الكفاءة التشغيلية وزيادة الإنتاجية وتسريع الإجراءات الإدارية لجعلها أكثر ديناميكية وتكاملية.

وتلفت د.سارة العتيبي إلى أن أهم التقنيات التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي والتي يمكن للقطاعات الحكومية تبنيها هي كالآتي: أولاً: النظم الخبيرة، وهي عبارة عن برامج حاسوبية توفر مشورة الخبراء، وتساعد في اتخاذ القرارات أو إيجاد الحلول الموصي بها لحالات معينة. ويمكن تفعيل هذه النظم الخبيرة في مراكز ذكاء الأعمال في القطاعات الحكومية عبر إنشاء قاعدة بيانات معرفية، ومحرك الاستدلال مزودة بمؤشرات قابلة للقياس، وواجهة المستخدم ليساعد ذلك في اتخاذ القرار. ثانياً، معالجة اللغات الطبيعية، وتعتمد هذه التقنية على تعليم أجهزة الكمبيوتر فهم اللغة التي يتحدثها البشر واستخدامها في الآلة. ويمكن للقطاعات الحكومية تفعيل هذه التقنية عبر بناء واجهة لغوية باستخدام مفردات للغة البشر وتصميم برنامج حاسوبي يقوم بتحليل وفهم وتوليد اللغات التي يستخدمها البشر مثل تطبيقات البحث الآلي واسترجاع المعلومات واستخلاصها، والتعرف على الكلمات والترجمة الآلية. وثالثاً، وأهمها هي "الروبوتات"، وهي أجهزة ميكانيكية تقوم بأداء مهام الأتمتة حيث إنها تهتم بالمهام الادراكية والحسية والحركية وتحاكي العقل والجسد البشري.

"تطبيق GPT-2"

من جانبه، يقول د.محمد بن عايض القرني، مدير عام مركز المعلومات والوثائق بمعهد الإدارة العامة وأستاذ علم المعلومات: "بدايةً، أود تعريف الذكاء الاصطناعي من منظور محاكاته للذكاء البشري، فالذكاء الاصطناعي يسخّر قدرة الآلات على أداء الوظائف البشرية، مثل الوظائف الإدراكية الموجودة في الدماغ البشري، وهي تقنية تتضمن، في جزء منها، التعلم وحل المشكلات، وبالتالي تتمثل مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في التعامل مع المهام المتكررة والمستهلكة للوقت التي تتطلبها العديد من الوظائف الحكومية وغير الحكومية، حيث يمكن أن تؤدَي تلك المهام بشكل أسرع وأكثر كفاءة، وبدرجة أعلى بكثير من الدقة من أي إنسان؛ مما يجعل الحكومة أكثر استجابة وأكثر كفاءة وتحسين حياة مواطنيها".

ويضيف القرني: "ونظراً لأن معظم الإدارات الحكومية في جميع أنحاء العالم تعاني من نقص الموارد البشرية؛ وبالتالي في كثير من الحالات يكون تقديم الخدمات بطيئاً وبجودة منخفضة، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في علاج هذه القضايا بشكل جذري من خلال العديد من المنهجيات التي تقوم على تخصيص الموارد بشكل أفضل لتسريع العمليات الداخلية، وتحقيق وفورات ضخمة في التكاليف، وزيادة الإنتاجية، وتحديد المشكلات المحتملة قبل أن تصبح قضايا رئيسية؛ مما له بالغ الأثر في تحسين سرعة ودقة صنع القرار، إضافة لما له من العديد من الآثار الاقتصادية الإيجابية".

ويؤكد أستاذ علم المعلومات على أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادراً على تحليل كميات ضخمة من البيانات، وبناءً عليها يحاكي البشر في اتخاذ القرارات، ومن الأمثلة على التطبيقات الحديثة التي تم إصدارها لاستخدام الذكاء الاصطناعي تطبيق GPT-2 لتوليد المحتوى اللغوي، بعد تدريب النموذج على أكثر من 8 ملايين صفحة ويب بإجمالي 40 جيجابايت من البيانات، مما أدى إلى إنشاء محتوى أفضل من الذي يكتبه الإنسان نفسه، وهو يستطيع الإجابة على أي سؤال يتم طرحه عليه من خلال كتابة فقرات نصية.

ويشير د.محمد القرني إلى أن الذكاء الاصطناعي يعد تقنية سريعة التطور؛ ولذا لايزال اكتشاف وتطوير الكثير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة في المجالات الحكومية محل اهتمام العالم أجمع، وتعتبر التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي والدوائر الحكومية هائلة، وتتقدم باستمرار؛ مما أدى للفت الانتباه للاحتياج إلى اتخاذ خطوات محسوبة لبناء شرعية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الحكومة؛ فاستخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تبني الثقة والشرعية منذ البداية أمر بالغ الأهمية لكي ينجح الذكاء الاصطناعي في الحكومة ويتم جني الفوائد المحتملة له.

وظائف مهمة

وتشدد فاتن عبدالله صالح، الباحثة في الذكاء الاصطناعي، على أن المعلومات تعد العصب المحرّك لكافة أنواع القرارات المتخذة في القطاع الحكومي. وقد ساهم التطور الهائل في تكنولوجيا الحاسوب في تطوير طرق تـوفير هذه المعلومات بمواصفات تخدم احتياجـات الإدارة العليـا فـي عمليـات التخطـيط الاستراتيجي واتخاذ القرارات. وبما أن المعلومات هي المعرفة التي تنتج من معالجة البيانات وهي النـاتج المنطقـي لنظـام المعلومات، فإنها تكتسب أهمية ضرورية للإدارة في تحقيق أهدافها بكافة مستوياتها الإدارية وبخاصة على المستوى الإداري الاستراتيجي، وذلك عن طريق توفير المعلومات المناسبة عن نشاطات المنظمة وعن المؤثرات البيئية التي تتعرض لها، التي تمكـن الإدارة العليـا مـن الاعتماد عليها من خلال الطرق التحليلية والاستنتاجية، بشكل أكبر من الاعتماد على التخمين والحدس التي تضطر الإدارة العليا إلى اللجوء إليها عند غياب المعلومات عنها.

وتشير فاتن عبدالله صالح إلى أن الذكاء الاصطناعي هو دراسة كيفية توجيه الحاسب لأداء أشياء يؤديها الإنسان بطريقة أفضل. كما أنه يمثل قدرة الآلة على القيام بالمهام التي تحتاج للذكاء البشري عند أدائها، مثل الاستنتاج المنطقي والتعلم. ويمكن تقسيم وظائف الذكاء الاصطناعي إلى نوعين من الوظائف أو المهام: النـوع الأول وظـائف حياتية ذكية، والنوع الثاني وظائف ومهام خبيرة. فالوظائف الحياتية الذكية تعني كل تلك المهام التي يمكن أن نقوم بها بشكل دوري؛ لكي تتصرف وتتفاعل في العالم، والتي تتضمن ما يلي:  

1- الرؤية مع القدرة على فهم الذي نراه.

2- اللغة الطبيعية: القدرة على الاتصالات مع الآخرين في اللغة الطبيعية العربية الإنجليزية أو غيرها.

3- التخطيط: القدرة على تخطيط سلسلة من الأعمال لنيل الأهداف المرجوة.

4- الحركة: القدرة على التحرك والتصرف بالحياة، لتنفيذ المتطلبات الحياتيـة.

أما الوظائف الخبيرة، فتركز على أن الذكاء الاصطناعي يعنى بالمهام التـي ينفـذها بعض الناس بشكل جيد، التي تتطلب تدريباً شاملاً ويمكن أن تكون مفيدة، خصوصاً لأتمتة هذه المهام بحيث يمكن أن يكون هناك نقص بالخبراء كمثال للتفكير الخبير. ومن الأمثلـة عليهـا الأنظمة الخبيرة المطبقة في التشخيص الطبي، وصيانة الأجهزة، وترتيب الحاسوب، والتخطيط المالي.​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة