التدريب القانوني والإعلام والإنترنت آليات مهمة لتفعيل الثقافة القانونية

​موظفو الأجهزة الحكومية السعودية هم قوام التنمية الإدارية وجوهرها الحقيقي؛ لذلك فإن تأهيلهم بكفاءة وفاعلية لممارسة هذا الدور المهم لم يعد يحتمل التشكيك، وتعد الثقافة القانونية من أهم ركائز هذا التأهيل؛ حتى تتحقق جودة مخرجات هذه الأجهزة. إلا أن نشر هذه الثقافة بين هؤلاء الموظفين والبحث عن الآليات العصرية المناسبة لتفعيلها يجب أن يرتكز على مبدأي المشروعية والملائمة؛ إذ يتعرضون للكثير من المشكلات القانونية التي تحتاج إلى معالجة سريعة بقرارات إدارية فعالة، وتسيير نشاط المرفق العام، وضبط حقوقهم وواجباتهم، وآليات تسوية المنازعات الخاصة بهم وبهذا المرفق. وبناء على ذلك، فقد جاء البحث الميداني الذي أجراه كل من د.عبدالله بن حسين الشهري، ود.أشرف رفعت خُرًم بعنوان: "آليات تفعيل الثقافة القانونية وتطبيق القوانين لدى العاملين في الأجهزة الحكومية"، الصادر عن معهد الإدارة العامة، والذي نستعرضه معكم في هذا العدد.

أركان وخصائص وأسس

يتكون البحث من مقدمة، و4 فصول متنوعة، إضافة إلى الخاتمة والمراجع والملاحق، ويبلغ عدد صفحاته 440 صفحة. يستعرض الفصل الأول منه "واقع الثقافة القانونية لدى العاملين في الأجهزة الحكومية"، فيبرز تعريف مصطلح الثقافة القانونية من النواحي اللغوية والاصطلاحية والقانونية، ويسلط الباحثان الضوء على أن المملكة العربية السعودية تميزت بالجمع بين الثقافتين الشرعية والقانونية، كما أنهما يلفتان إلى 7 خصائص خاصة للثقافة القانونية هي: أنها مهنية عامة مجردة، وحديثة النشأة في الأجهزة الحكومية، وأنها قاعدة سلوكية لجهة الإدارة في هذه الأجهزة، وسريعة التطور فيها، وغير مقننة فيها، وأنها في المملكة العربية السعودية ثقافة شرعية قانونية موحدة، وتحقق التوازن بين الحق والواجب. وكذلك يحددان 5 خصائص عامة لها هي: أنها مكتسبة وليست فطرية، وتكاملية، وتقدم حلولاً لمشكلات إدارية، وقابلة للانتشار، وأنها فكر وعمل وحركة.

ويعالج هذا الفصل أيضاً أهمية نشر الثقافة القانونية في واقع العاملين في الأجهزة الحكومية، وكذلك يبين الطبيعة النظامية لواقع هذه الثقافة من خلال 6 أسس هي: أنها حق بنص النظام الأساسي للحكم في المملكة والمواثيق الدولية، ووجوب نشرها قياساً على نشر ثقافة حقوق الإنسان في المملكة، ومبدأ المشروعية الإدارية، ومدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة، وعدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون من قِبل العاملين في الأجهزة الحكومية، والتكييف الشرعي للثقافة القانونية. كما يقسم الفصل هذه الثقافة إلى 4 أنواع هي: الأول تقسيمها من جهة العلم، والثاني تقسيمها من جهة التخصص والتدرج، والثالث تقسيمها من جهة الارتباط بالعمل وبالعاملين، والرابع تقسيمها من جهة المصدر. ويختتم الباحثان هذا الفصل بتوضيح كيفية تكوين الثقافة القانونية لدى هؤلاء العاملين في هذه الأجهزة.

10 أسباب

ويخصص البحث الفصل الثاني منه لتشخيص "الأسباب المؤثرة في الثقافة القانونية لدى العاملين في الأجهزة الحكومية"، حيث يصنفها إلى نوعين من الأسباب، أولهما 4 أسباب داخلية وهي: التأهيل، والتدريب القانوني، والرقابة، والتثقيف الذاتي. أما النوع الثاني فيتضمن 6 أسباب خارجية وهي: العوامل الإدارية، والبيئة الوظيفية، وشيوع الثقافة السلبية والعادات والتقاليد، والعوامل القانونية، ووضع خطة قومية استراتيجية لتفعيل الثقافة القانونية في الأجهزة الحكومية لنشرها، والقيم الدينية.

الآليات

ويشير الباحثان في الفصل الثالث إلى "وسائل (آليات) تفعيل الثقافة القانونية وتطبيق القوانين في الأجهزة الحكومية"، والتي يتناولانها عبر مستويين: أولهما 9 آليات ترتبط بمستوى المؤسسات القانونية المتخصصة وهي: التدريب القانوني، وإعداد الدليل القانوني للمهام، والمؤتمرات والندوات، والكتب والمنشورات القانونية، والنشر القانوني الرسمي، ونشر الأحكام القضائية، والإدارة القانونية، وتخصيص جهة إدارية، والعيادات القانونية. والمستوى الثاني الوسائل العامة ويتضمن 5 آليات هي: وسائل الإعلام، وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والتعليم، ومنظمات المجتمع المدني ذات الهدف الخيري، والأسرة.

أهم ثمانية

وقد توصل الباحثان إلى العديد من النتائج المهمة المتعلقة بواقع الثقافة القانونية لدى العاملين في الأجهزة الحكومية، وبالأسباب المؤثرة فيها، وبآليات تفعيلها، حيث قاما بتصنيفها وفق 3 محاور على النحو الآتي:

·        الأسباب المؤثرة في الثقافة القانونية لدى العاملين في الأجهزة الحكومية: تم تحديد أهم 8 أسباب وهي: درجة معرفة الموظف العام بالأنظمة واللوائح، والتدريب القانوني، والرقابة الإدارية والقضائية، ونشر الثقافة السلبية كالواسطة والمحاباة، وعدم نشر الأنظمة واللوائح الحديثة المواكبة للواقع الحديث في هذه الأجهزة، وربط المكافآت والترقيات فيها بصحة تطبيق الأنظمة، وتقرير المسؤولية القانونية عن عدم إلمام الموظف بالثقافة القانونية، وإتاحة الاستشارات القانونية للموظف عند إجراء التصرفات الإدارية المختلفة.

·        آليات تفعيل الثقافة القانونية: وقد قام الباحثان بحصر أهم 8 آليات وهي: التدريب القانوني، وإعداد دليل للوعي القانوني يحدد الحقوق والواجبات وإجراءات تنفيذها لكل جهاز من الأجهزة الحكومية، وتفعيل دور المؤتمرات وورش العمل، وطباعة المنشورات القانونية، وتفعيل دور الإدارة القانونية عند اتخاذ القرارات والتصرفات الإدارية، ووسائل الإعلام المختلفة، والاستخدام الكثيف لشبكة الإنترنت.

·        واقع الثقافة القانونية: تم التوصل إلى أهم 8 أمور وهي: أهمية القيام بدراسة لتقييم احتياجات موظفي الأجهزة الحكومية للمعرفة القانونية، واحتياجهم إلى تعليمات مفصلة من الأنظمة عند تكليفهم بأي عمل، وأن هذه الثقافة واجبة على الجميع، وحاجتهم الماسة لتلك الثقافة، وضرورة وجود نماذج جاهزة ومعتمدة لصيغ العقود والقرارات الإدارية لديهم، وأن نشر الثقافة القانونية يحقق العدالة، وأهمية تضمينها بين الأهداف الاستراتيجية لهذه الأجهزة، وأن الأخطاء القانونية الناتجة عن عدم توفر المعرفة القانونية لهؤلاء الموظفين تؤدي إلى زيادة القضايا المرفوعة ضدها.

وفي ضوء هذه النتائج؛ يبدي الباحثان عدداً من التوصيات، والتي من بينها: ضرورة وجود تقويم موضوعي للاحتياجات التدريبية لتحديد نقاط القوة والضعف لدى العاملين في الأجهزة الحكومية بشأن الثقافة القانونية، وضرورة النص على وجوب الثقافة القانونية عليهم، وضرورة وجود نماذج جاهزة ومعتمدة لصيغ العقود والقرارات الإدارية لديهم وبخاصة حديثي التعيين، كما يلزم وضع خطة قومية لتفعيل هذه الثقافة بينهم، والعناية بالتدريب القانوني، وتفعيل وسائل الإعلام ودور المؤتمرات وورش العمل في هذا الشأن، وأهمية إدخال الثقافة القانونية في المناهج الدراسية.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة