تغيير المسار المهني..الإبداع يتخطى حواجز التخصص

أصبح تغيير المسار الوظيفي أمراً شائعاً يتخذه الكثير من الناس في الوقت الحالي لأسباب متعددة، كما أصبح من الأمور المقبولة اجتماعيًّا، فقبل ذلك كان من الصعب اتخاذ قرار بتغيير الوظيفة التي يعمل بها الفرد وفق تخصصه العلمي الذي درسه لسنوات، ولكن مع تغير الظروف الحياتية وثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، أصبحت المنظمات تستثمر في المهارات الشخصية والإبداع، ولهذا أصبحنا نجد كثير من الأشخاص يغيرون وظائفهم ويتجهون لوظائف أخرى لم يدرسوها ولكنهم يتمتعون بمهارات شخصية فائقة في أدائها، في هذا التقرير نتعرف على أسباب تغيير المسار الوظيفي وضوابطه.

​خيارات مهنية أوسع

في الماضي كان من المعتاد أن يقضي الموظف حياته المهنية بالكامل داخل منظمة واحدة وربما في الوظيفة نفسها، حيث أنه يتقدم لوظيفة تتناسب مع مجال دراسته ومؤهلاته؛ لكي يستقر في هذه الوظيفة لفترة طويلة مع السعي إلى الترقية في هذه المنظمة حتى يصل إلى سن التقاعد. أما في القرن الـ 21، ووفقاً للموقع المتخصص في التثقيف والإرشاد المهني "سُبُل"، تعددت الخيارات المهنية وزاد الانفتاح على العالم، من خلال تغير طبيعة الأعمال وازدهار التكنولوجيا؛ مما خلق العديد من فرص العمل المعتمدة أساساً على التخصص الدراسي، ولكنها أصبحت تتطلب مهارات شخصية وفنية بشكل أكبر يمكن تطويرها من خلال الدراسة الحرة (التعلم الذاتي)، أو الشهادات المهنية المتخصصة. وكذلك أصبحت بعض القطاعات والمنشآت لا تمانع أن يتحرك الموظف مهنياً بشكل أفقي، أي إمكانية تغيير الوظيفة والعمل في قسم آخر؛ ما دام لديه القدرة على تنفيذ مهام تلك الوظيفة، بل وأصبح تغيير المسار والمجال المهني أمر ممكن، مثل المهندس الذي يترك العمل في الهندسة ليعمل في التسويق، والطبيب الذي يترك الطب ليدرس العمارة ويعمل كمعماري، وغيرها من الأمثلة التي تتكرر في سوق العمل. ولا يقتصر تغيير المسار المهني فقط على الشباب في بداية مسارهم المهني، ولكن يمكن تغيير المسار المهني أيضا في عمر الأربعين والخمسين. ففي العالم حالياً فرص متعددة لا تشترط الخبرة في المجال فقط، بل إن هناك عناصر تعوض الخبرة، مثل: الطموح، والشغف، والمهارات القابلة للنقل من مجال إلى آخر (المهارات المنقولة) وهي المهارات التي يمكن توظيفها في عدة مجالات. نمر خلال حياتنا المهنية بخيارات عدة وأفكار كثيرة وفرص متنوعة ومن الخيارات التي قد تطرأ لنا تغيير المسار المهني. وهناك عدة حالات يعتبر تغيير المسار المهني فيها أمراً منطقياً وقابلاً للدراسة، منها:

-         تأثر مجال وتخصص العمل بعوامل خارجية بشكل جذري: قد يتأثر مجال العمل الذي يعمل به الشخص عند دخول التكنولوجيا في أداء المهام مثلاً، أو ضعف الفرص لأسباب اقتصادية وسياسية، أو عالمية ومحلية، مثل: تأثر مجال الترجمة بالنسبة للمترجمين؛ بسبب استخدام الإنترنت في ترجمة الكتب والأبحاث إلكترونياً، وضعف فرص الصحف الورقية؛ بسبب انتشار الصحف الإلكترونية ومواقع الإنترنت التي تسهل الحصول على الأخبار بضغطة زر.

-         تغيير الشخص نمط حياته أو المرور بمرحلة تحول: أحياناً يضطر الشخص إلى تغيير مساره المهني مع انتقاله من مكان لآخر، مثل: المرشد السياحي الذي ينتقل من بلد تعتمد على السياحة إلى بلد لا تتوفر فيها فرص عمل في السياحة بشكل كبير، أو وجود الشخص في عمل يتطلب سفر مستمر ويرغب في تغيير هذا المسار بعد تكوينه لأسرة يهتم بالبقاء معهم لفترات طويلة.

-         الشعور بعدم الرضا المهني: أغلب الأشخاص في العالم يختارون وظائفهم دون تخطيط مهني جيد؛ لذلك يصدمون بعد مرور سنوات من العمل بشعور عدم الرضا الوظيفي وعدم القدرة على تقديم أداء جيد يحقق لهم طموحاتهم المهنية. لذلك فقد يعد تغيير المسار المهني في هذه الحالة حلاً مناسباً لهم للانتقال لوظيفة تحقق الرضا الوظيفي، بشرط ألا يتم ذلك بشكل عشوائي.

-         قلة فرص التقدم الوظيفي في مجال ما: أحياناً يجد الشخص نفسه في وظيفة لا يمكنه التقدم فيها ولا الحصول على فرص تسمح له باكتساب خبرات أكبر وتعلم مهارات جديدة، وقد يجد الشخص بعد فترة أنه يريد تغيير مساره المهني لمجال آخر تفادياً لنوع المهام اليومية التي يقوم بها ولا تتيح له اكتساب خبرات جديدة؛ وذلك بسبب طبيعة المهنة والمجال، وليست لسبب خاص في منشأة أو قطاع ما.

الهند وأمريكا وبريطانيا

تُعتبر عملية تغيير المسار الوظيفي واحدة من أكثر الأشياء الحساسة على الصعيد العملي، فالتضحية بسنين الخبرة والخلفية العلمية قد لا يكون أمر هين بالنسبة للبعض، إلا أنه قد يكون أمراً ضرورياً في بعض الأحيان. فتغيير المسار الوظيفي، طبقاً للموقع الوظيفي المتخصص (jobzaty)، أمر ليس استثنائياً أو ظاهرة تحدث على المدى البعيد كما يعتقد البعض، وفقاً لما كان يحدث في الماضي، فمعظم الدراسات الحديثة تُشير إلى أن نسب مرتفعة من القوى العاملة حول العالم تقوم بتغيير مسارها الوظيفي خاصةً في السنوات الأولى من دخول سوق العمل، ومنها على سبيل المثال السوق الهندي حيث إن 30% من إجمالي القوى العاملة في الهند تقوم بتغيير مساراتها الوظيفية بعد 12 شهراً فقط من بدايته. هذا الأمر ليس مقتصراً على دولة قد تبدو دولة نامية، مثل الهند؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا يُبدي عدداً ليس هيناً من القوى العاملة هناك استعداداتهم باتخاذ قرار تغيير المسار الوظيفي.

ويوضح الموقع أن تغيير المسار الوظيفي مسألة عقلانية أكثر من أنها ترفيهية، فعلى الرغم من أن البعض يتخذ هذا الأمر بناءً على قرارات تميل إلى الشغف أو الهوى؛ إلا أن القرار قد يكون متعلقاً بأسباب عملية أو ربما أسباب إجبارية. وهذه الأسباب هي ديناميكية بحته لا تستند على قواعد ثابته وربما يكون لديك أسباب مغايره تماماً لاتخاذ هذا القرار. وفي صدارة الأسباب العملية: ضعف التقدير المعنوي، انعدام فرص التقدم، أما الأسباب الإجبارية فتتمثل في: احتياج سوق العمل، فقد يكون سوق العمل عاملاً إجبارياً في مسألة تغيير المسار الوظيفي، وهنا بالطبع نتحدث عن قلة الفرص المتاحة أمام مجال الوظيفة.

أسباب خاطئة

هناك الكثير من الأسباب الخاطئة التي يمكن أن تؤثر في قرارك عند تغيير الوظيفة أو المسار المهني، يعرضها الموقع الإداري المتخصص (ArabiaInc) فيما يلي:

-         الرغبة في زيادة الراتب: فالرغبة في زيادة الدخل؛ قد تجعل البعض يعتقدون أنّهم في المهنة الخاطئة. المشكلة في هذا أن جني المزيد من المال يتطلب التواجد لساعات أكثر في المكتب، أو حتى شغل أكثر من وظيفة في الوقت نفسه.
وفي بعض الأوقات، يكون المنصب ذو الدخل المرتفع على عكس ما نتوقع تماماً، فقد تجد زميلاً في شركتك، مثلاً تركها في وقت سابق ليعود بعد سنوات إلى نفس منصبه.

-         قرار مفاجئ: عندما نكون مرهقين أو محبطين من العمل عادةً ما تأتي إلى أذهاننا أفكار، مثل ترك الوظيفة والبحث عن عمل آخر، المشكلة في القرارات السريعة مثل هذه أنّك لم تُفكّر بها جيداً؛ وبالتالي سيكون الناتج سيء في جميع الأحوال.

-         عدم الحصول على الترقية: إذا كنت تشعر أنّك يجب أن تحصل على الترقية الآن، فصدقني بعض المديرين يحاولون عشرات المرات لفترات تستمر سنوات، قبل الحصول على الترقية. فتجنب تغيير مسارك المهني إذا كنت تبحث عن الترقية ولم تحصل عليها.

-         تشعر بالملل في العمل: فكّر عميقاً في هذه النقطة تحديداً. إذا كنت تعمل في وظيفة تتطلب التكرار فمن الطبيعي أن تشعر بالملل، وهنا يمكنك إحداث تغييرات في أشياء، مثل الأدوات على مكتبك، أو التحدث مع موظفين من قسم مختلف داخل الشركة. وفي بعض الأحيان، يكون كل ما تحتاج إليه هو تغيير سلوكياتك أو المظهر الخاص بك فقط للتغلب على الشعور بالملل.

إن تغيير مسارك المهني يأخذ الكثير من الوقت، وبناء العلاقات، والتعلّم، وعملية البحث عن وظيفة يمكن أن تصبح بمثابة رحلة. وهناك بعض الأشياء التي يجب أخذها في الاعتبار قبل اتخاذ قرارك النهائي:

-         كم من الوقت قضيته في مسارك المهني أو عملك الحالي؟

-         ما هي المشكلة في العمل؟ هل تعمل جيداً مع الفريق؟

-         هل يتم الاعتراف بعملك؟

-         هل يمكنك الأخذ في الاعتبار العمل في قسم جديد؟

-         السبب الرئيسي في تكرار الحديث عن أهمية التفكير قبل تغيير مسارك المهني، هو أن بعض الأشخاص يتخذون هذا القرار لأسباب تافهة.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة