ألفين غولدنر

"ألفين غولدنر" عالم اجتماع أمريكي، شغل كرسي ماكس فيبر للنظرية الاجتماعية في جامعة واشنطون في سانت لويس. وقد عمل على المنظمات الصناعية، بما في ذلك تقديم الاستشارة لشركة "أويل استاندارد" بنيوجيرسي. وفي العقدين الأخيرين من حياته اهتم بشكل خاص بتطوير النظرية الاجتماعية ودور المعرفة في المجتمع.

"غولدنر" ومفهوم "فيبر"

طبق "غولدنر" مفهوم "فيبر" للبيروقراطية ووظيفته في المنظمات الصناعية الحديثة. ويقوم تحليل "فيبر" على الافتراض القائل بأن أعضاء المنظمة في الواقع سيذعنون للقوانين ويطيعون الأوامر. وعلى أساس الدراسة القريبة جدًا لهذا النوع من الأوضاع في منجم أمريكي، وصف "غولدنر" تأثير إدخال التنظيم البيروقراطي في وجه المعارضة. كان النظام الإداري السابق للمنجم قائمًا على (النهج التسامحي). وقد تم تجاهل أو تطبيق القوانين بشكل متساهل جدًا، إذ كان يتم التحقق من العمل بشكل غير منتظم فقط، ودائمًا ما كانوا يمنحون المخالفين فرصة ثانية في حالة ظهور أية مخالفات. وكان جو من التراخي والمواقف المتحيزة سائدًا بين العاملين في الشركة. وفي غمرة هذا الوضع جاء المدير الجديد للمنجم الذي عمل على فرض القوانين بالقوة؛ الأمر الذي أدى إلى جعل السلطة الهيكلية تعمل بشكل فاعل، وبصورة عامة تم تشغيل نظام عقلاني قانوني فعال. لكن ذلك أدى أيضًا إلى هبوط كبير في المعنويات وزاد من الخلافات بين العمال والإدارة.

وكان "غولدنر" قادرًا في تحليله هذا الوضع على تمييز ثلاثة أنماط من السلوك البيروقراطي هي: الساخر أو المخادع، والممثل، والمركز على العقاب. كل منها بقيمها المميزة وخلافاتها.

الأداء البيروقراطي

إن أنماط خصائص السلوك لهذه الأنواع الثلاثة من (أنواع البيروقراطية) قد يتواجد أحدها مع الأنماط الأخرى بدرجات مختلفة في أية منظمة، وربما يكون من الأفضل وصفها بأنها (أساليب الأداء البيروقراطي). والأسلوب المركز على العقاب–الذي يطبق بكثرة–يقصد به تقديم عمل منظمة فعال منسجم مع القوانين والإجراءات المعدة بشكل عقلاني، فترتكز هذه المنظمة على استخدام القوانين العامة والموضوعية، التي تقلل من التركيز على القوة الشخصية لمن بيدهم السلطة؛ وهذا يؤدي في المقابل إلى تخفيض حالة التوتر التي تؤثر في العلاقات بين الأشخاص والتي تعزز الفعالية وتقوي من استخدام القوانين البيروقراطية الموضوعية المجردة. وهذه هي قوة البيروقراطية، كما أشار إليها "فيبر".

لكن "غولدنر" دافع عن ذلك بأنه توجد نتائج للأداء البيروقراطي التي لم يضعها "فيبر" في حسبانه. فالقوانين العامة والموضوعية–نسبة لطبيعتها–تحدد ما هو غير مسموح به، وهذا يزيد معرفة الناس عن الحد الأدنى من السلوك المقبول الذي يميل ليكون السلوك المعتمد. وهذا يقلل الفعالية، ويؤدي في البيروقراطية المركزة على العقاب إلى زيادة المراقبة اللصيقة؛ للتأكد من أن القوانين قد عُمل بها، وبناء على ذلك يكون هناك تركيز متزايد على السلطة وتوتر أكبر في العلاقات بين الأشخاص. وهذا يؤدي لعملية الإصدار المتواصل للقوانين الموضوعية الرسمية لمعالجة النزاعات، وتبدأ الدائرة من جديد. وبالتالي فإن النتائج المتوقعة وغير المتوقعة للبيروقراطية؛ تؤدي إلى تعزيز السلوك البيروقراطي، ففي الأساس يكون النظام غير مستقر، ويحقق أهدافه فقط على حساب عمليات التوتر والنزاع بين الأشخاص.

عالميون ومحليون

وقد اهتم "غولدنر" أيضًا بتمييز وجهات نظر مختلفة بين الإداريين توضح التأثيرات التي تسببها تجاه مواقفهم من أعمالهم ومنظماتهم التي يعملون فيها، ومهنهم وزملائهم. ونشأ ذلك عن نقد آخر لـ"فيبر"، فقد رأى "غولدنر" أنه يوجد تناقض متأصل في البيروقراطية بين نظام السلطة المبني على الخبراء المعنيين والسلطة المبنية على التسلسل الهرمي والانضباط.

ويميز "غولدنر" فئتين رئيستين من الإداريين، عالميين ومحليين. والعالميون هم إداريون يكون ولاؤهم لمنظماتهم ضعيفًا، لكن التزامهم بمهاراتهم التخصصية يكون عاليًا. ويتمتعون بنظرة احترافية استشرافية قصوى. فهم–مثلاً–يعتبرون أنفسهم بشكل رئيسي مهندسين أو محاسبين. والمحليون هم إداريون يتسمون بولاء كبير نحو منظماتهم، لكنهم يتمتعون بقدر ضعيف من المهارات التخصصية، ويعتبرون أنفسهم (أصحاب الشركة). وبالرغم من أن المنظمات ترغب في الإبقاء على ولاء موظفيها، فتقوم بترقيتهم حسب الأقدمية، ولكنها–في الوقت نفسه–تستخدم العقلانية التي تحقق الفاعلية، فتقوم بعملية التعيين وفق المهارة والكفاءة من أي مكان يحقق لها ذلك. وهذه المعضلة المتأصلة هي سبب رئيسي آخر لحالة التوتر في المنظمات الحديثة.​


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة