المديرون الاستراتيجيون

اتسم العصر الذي نعيشه بالسرعة والتغير الديناميكي في البيئة السياسية، والتشريعية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتقنيات المتطورة، بالإضافة إلى تغير في ثقافة وحاجات المجتمع، وزيادة حدة المنافسة؛ مما فرض على منظمات الأعمال مسايرة هذا التسارع والتنافس الشديد أو التناحر-أحياناً-فيما بينها، فهي وإن لم تعمل على تغيير ذاتها وخططها، فقد أغلقت أبوابها، وتوارت.

ويكمن الفرق بين المنظمات الناجحة، والمنظمات الفاشلة في اعتماد المنظمات الناجحة على الإدارة الاستراتيجية والرؤى بعيدة الأمد؛ فالمنظمات التي لا تعتمد على الإدارة والتخطيط الاستراتيجي تموت موتاً بطيئاً، وهذا النوع من الموت يعد أحد أعظم الآفات التي تصيب المنظمات وقطاعات العمل في مقتل. وقد أوجب هذا على المؤسسات اختيار وتطوير عناصر إدارية تتولى مسؤوليات الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، وقد أطلق عليهم مسمى مديري القمة الاستراتيجيين.  وهم الأفراد الذين يتحملون مسؤولية الأداء الكلي للمنظمة، أو أحد أقسامها الرئيسة. بل إن بعض الدراسات الإدارية الحديثة دعت إلى التخلص من المديرين الوظيفين وفكرهم وأساليبهم التقليدية، وتبنّي فكر المدير الاستراتيجي بأدواره الكلية الشاملة.

وتختلف مهام المديرين الاستراتيجيين عن غيرهم من المديرين، وتتمحور حول ثلاث مهام رئيسية في المنظمة، وقد حددها هنري منتسبيرج (1973) في الأدوار التالية:

1-الأدوار التشخيصية: فالمدير يؤدي أدواراً استراتيجية وواجبات متعددة اجتماعية أو قانونية، بوصفة القائد والمراقب، والمطور والمُصلح.

2-الأدوار المعلوماتية: فهو المتحدث الرسمي الذي ينقل المعلومات للجهات والأشخاص المعنيين، ويوزعها، وينشر المعرفة بين العاملين ومجلس الإدارة، والشركاء داخل وخارج المنظمة، بما يعزز مكانتها.

3-الأدوار القرارية: المدير الاستراتيجي هو شخص ريادي، منهجه التجديد والابتكار، فهو مطور للأعمال والإجراءات والهياكل التنظيمية، وباحث عن أفضل الخدمات والسلع، وعن المشروعات الجديدة والأرباح الأعلى. كما أنه مُصلح ومُعالج للصراعات والأزمات، ويقوم بدوره الاصلاحي في معالجة ظروف المنظمة ويتخذ القرارات والإجراءات التصحيحية، ويعمل على توزيع الموارد المختلفة، وفق دراسات وميزانيات تقديرية، وهو المُفاوض مع الجهات الداخلية، كممثل للموظفين من خلال مواجهة مشاكل الأفراد والأقسام، ومع المنظمات والجهات الخارجية.

وعلى جانب آخر، يتسم المديرون الاستراتيجيين بمهارات تميزهم عن غيرهم، فقد صنفها Drucker في سمتين أساسيتين كالآتي:

  • الصفة الأولى: يتمتعون بمهارات عالية؛ حيث تتطلب مهامهم قدرات متميزة في التفكير والتحليل وتقييم البدائل واتخاذ القرارات، والتنبؤ بالمستقبل.
  • الصفة الثانية: أعمال المدير الاستراتيجي مستمرة وغير روتينية، فهو لا يعمل بالأسلوب التقليدي المبني على الوصف والمهام الوظيفية التقليدية، وأسلوب السيطرة وإصدار الأوامر، بل يعمل وفق فريق متناغم منسجم، ويتمتع برؤية مستقبلية شاملة، تحدد مسار عمله وأهدافة وتطوراته، ضمن الصورة الكلية للمؤسسة.

وقد علماء إدارة آخرين حددوا خصائص وصفات للمدير الاستراتيجي، من أهمها: الالتزام والانضباط في العمل، والرؤية ثاقبة وقيم عليا، والتحدي والثقة والقدرة على مواجهة الظروف، والاطلاع الواسع والمعرفة والفهم، وسياسي قادر على تكوين وإدارة سياسة للمنظمة وبناء وتوحيد الائتلافات.

إن المدير الاستراتيجي الجيد-كما يقول منتسبرج-"يسعى إلى إثارة الاسئلة، وليس إيجاد الأجوبة"، فهو يبحث عن المشاريع والبرامج التي يبدأ بها وليس التي انجزها، ويبحث عن الطرق التي يتخذها، والأهداف التي يحصل عليها، كما أنه يبحث عن الموظفين الذين يختارهم وليس الأبنية التي يُشّيدها. وهذه نقطة هامة جداً؛ فما نشاهده في منظماتنا، من حرص وتنافس بعض المديرين على الاهتمام بالبيئة المادية وزخرفة المكاتب، وتزويدها بأفخم الأجهزة والأثاث، بما يفوق الاحتياج أحياناً، بل وقبل الاهتمام باختيار وبناء موارد المنظمة البشرية.

فمن هو المدير الذي نريد؟ وماهي صفاته ومهاراته؟ وهل حان الوقت لإعادة تشكيل المدير الوظيفي أو التقليدي أو-التخلص منه-وصياغة مفهوم جديد للمديرين؟ بعيداً عن مفهوم المدير الذي حصر جُلّ اهتمامه في متابعة الحضور والانصراف، وملاحقة واعتماد الاجازات للموظفين، وصناعة مدير استراتيجي يستطيع مسايرة بيئة سريعة التغيير ومتعددة الأهداف، وقادر على مواجهة المستقبل ومفاجآته.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة