الإدارة المتمركزة على البيانات

​دفعت التحولات المعقدة في أساليب الإدارة، والتغيرات المضطردة في سلوك الفرد؛ التي ولًدتها طبيعة البيئة الاجتماعية، وكذلك انتشار البيانات الهائل، ورغبة المؤسسات في البقاء في طليعة المستقبل، وتعزيز صورتها التنافسية، نحو التمركز بالطريقة العلمية على تحليل البيانات وإدارتها بطريقة تُعزز من استقراءها للمستقبل. وعليه تشير أدبيات الإدارة الحديثة إلى أهمية تقنية البيانات في بناء منصات رقمية تسهم في تجميع وانتشار هذه البيانات وتسهٍل من تدفقها عبر خطوط الإدارة؛ حيث كان لها دور عظيم في دعم نظم الإدارة نحو تحليلات أعمالها، وتمكينها من اتخاذ القرار بشكل سريع مستندًا إلى حقائق وبيانات دقيقة. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن مؤسسات الأعمال التي تعتمد على البيانات لا تقوم فقط باتخاذ القرارات الاستراتيجية الأفضل، ولكنها تتمتع أيضا بالكفاءة التشغيلية العالية، وتستطيع أن تحسٍن من رضا العملاء، وترفع من مستويات أرباحها، كما أظهرت الأبحاث العلمية أن المؤسسات التي ترتكز على البيانات تزيد من احتمال زيادة العملاء 23 ضعفًا، كما تزيد احتمالية الاحتفاظ بهم ستة أضعاف، وعلى مستوى المورد البشري تستطيع استقطاب الأفراد ذوي الكفاءة والقدرة العالية على الاحتفاظ بهم.

ولذلك فالمنظمات التي تعطي اهتمامًا متزنًا بتمركز إدارتها على البيانات بديلًا عن العمليات، يتوقع أن تبقى قيمتها حيوية؛ كونها تحقق هدف التطوير والتحسين المستمر للممارسات والإجراءات أو بالمعنى الدقيق نستطيع القول إنها تسمح بتشكيل الهوية الجديدة للفعل الإداري، وبما يسمح بإعادة ابتكار عناصرها وممارستها في الواقع، وبما يسهم في إدارة البيانات بفعالية، ويعطي لتحليلها وتفسيرها مدلولًا إداريًّا ينعكس على النواتج المتوقعة من المؤسسة.

إنها البيانات التي يرى علم التقنيات فيها النفط الجديد، وأفضل طريقة للوصول إلى النجاحات المرغوبة هي رقمنة عمليات المؤسسات وتحليلاتها؛ حيث توفر هذه الرقمنة مجموعة كبيرة من البيانات الحاضرة في أي وقت، وتعد حجر الزاوية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وتعزز قدرة المؤسسة التنافسية من خلال تحسين الإنتاجية والأداء.

تأسيسًا على ما سبق وإيمانًا بدور البيانات وتحليلها في الحد من عدم الكفاءة، وتخفيفًا من قبضة المفهوم الخاطئ للممارسات البيروقراطية بما يحقق كفاءة الإنفاق؛ فقد حان الوقت لتمكينها من الدور المهم والحيوي في مؤسساتنا التعليمية بما يُمكٍن من تجديد دور المواطن في الخدمات المقدمة، ويسهم في استنبات أساليب الإدارة بالنتائج داخل مؤسساتنا التعليمية.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة