التعاقب الوظيفي..تخطيط متميز لتجديد شباب المنظمات

​​"توفير البديل المناسب في الوقت المناسب وفي المكان المناسب"، هي أصدق مقولة يمكن أن تعبر عن مفهوم التعاقب الوظيفي، أو الإحلال الوظيفي وتلخص المقصود به. وهو على درجة كبيرة من الأهمية في عالم الإدارة المعاصر؛ لأنه بمثابة تجديد لشباب الكوادر الإدارية والضخ المتجدد للدماء في إدارة المنظمات المختلفة على كافة المستويات، لا سيما على مستوى القيادات الإدارية. وتبرز

أهمية التخطيط لهذا التعاقب والإحلال في الجهات الحكومية. ويشير بعض الباحثين إلى أن الدراسات تبين أن أقل من 50% من المؤسسات والشركات في الغرب لدیها خطط للتعاقب الوظیفي، بینما تصل النسبة الي اقل من 15% في الشرق. وعلى الرغم من ذلك فإن 37% من الخطط تفشل بشكل فادح؛ لآن ما یزید على 80% من هذه الخطط تستهدف الموظفین ذوي الأداء المرتفع. فتعالوا معنا نصحبكم في هذا التقرير لنتعرف على واقع التعاقب الوظيفي، وأهميته، وتحدياته، وإجراءاته.

التعاقب في الشركات العائلية

نؤكد في مستهل هذا التقرير على أن التعاقب الوظيفي له أهميته القصوى، سواء في الشركات الخاصة، أو الجهات الحكومية؛ إلا أن التحديات فيما يتعلق بالجهات الحكومية ربما تبدو أوضح مما هي عليه في بعض الشركات الخاصة التي ربما تبرز في بعضها مشكلة التعاقب الوظيفي، كالشركات العائلية وبخاصة في منطقتنا الخليجية، وهو ما نشرته "جريدة الحياة" التي أوردت أن هناك تقديرات تشير إلى أن أصولاً بقيمة تريليون دولار ستنتقل إلى أفراد الجيل المقبل من أصحاب الخبرة والكفاءة في الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة 2015-2025م. ونظراً إلى أن هذه الشركات توظف أكثر من 80% من القوى العاملة في المنطقة وتسهم بنسبة 60% من ناتجها المحلي الإجمالي، ووفقاً لتقرير صدر أخيراً عن شركة "برايس ووترهاوس كوبرز"، فإن هذا التحول القادم سيترتب عليه آثار لا تقتصر على الشركات ذاتها، بل ستطاول المنطقة ككل.

وخلافاً لمناطق أخرى من العالم، فإن الكثير من الشركات العائلية في المنطقة لا تزال شابة مقارنة بنظيراتها العالمية، بل لا يزال بعضها بيد الجيل الأول ولم يحن الوقت بعد لانتقالها إلى الأجيال التالية. وبغض النظر عن الحجم والقطاعات التي تنشط فيها، يواجه هذا النوع من الشركات في المنطقة تحديات كثيرة، لا سيما فيما يتعلّق بخطط التعاقب الوظيفي. ووفقاً لاستبيان أجرته "برايس ووترهاوس كوبرز" عام 2016م، فإن 14% فقط من الشركات العائلية لديها خطة تعاقب رصينة وواضحة المعالم، فيما أشار38% من المشاركين في الاستبيان إلى أنهم لم يضعوا فعلياً خطة لهذا الأمر. ومن جهة أخرى، أشارت دراسة أجراها "مجلس الشركات العائلية الخليجية" بالتعاون مع شركة "ماكينزي آند كومباني" إلى أن أقل من50% من الشركات تطبق سياسة واضحة للتوظيف وتعاقب القيادات، وأن32% منها لديها سياسة واضحة في شأن الأدوار والمسئوليات القيادية.

تعاقب الرؤساء التنفيذيين

وعلى صعيد متصل، يستعرض موقع "العربية.نت" النتائج التي أظهرتها دراسة "التعاقب الوظيفي للرؤساء التنفيذيين لعام 2018م" والصادرة عن شركة "إستراتيجي آند"، التابعة لشبكة "بي دبليو سي"، فقد اتضح أن معدل تغيير الرؤساء التنفيذيين في هذا العام الذي شهد العديد من الاضطرابات، بلغ مستوىً قياسياً عند 17%، وبرغم هذه النسبة، فقد كان هناك مجموعة من المسؤولين التنفيذيين الذين لم يتعرضوا مطلقًا لخطر فقدان مناصبهم.

وتكشف الدراسة، التي قامت بتحليل آليات التعاقب الوظيفي للرؤساء التنفيذيين في أكبر 2500 شركة مساهمة عامة في العالم على مدار الـ 19 عاماً الماضية، أنه وعلى الرغم من أن متوسط فترة خدمة الرئيس التنفيذي كانت خمسة أعوام، إلا أن 19% من مجمل الرؤساء التنفيذيين حافظوا على مناصبهم لمدة 10 أعوام أو أكثر خلال الفترة الزمنية التي شملها التحليل. وتتفاوت احتمالات بقاء الرؤساء التنفيذيين لفترة طويلة في مناصبهم حسب المنطقة، حيث تبلغ في أميركا الشمالية بنسبة 30%، بينما تبلغ 19% في أوروبا الغربية، أما في اليابان والبرازيل وروسيا والهند فإنها تبلغ 9%، وتتراجع في الصين لتصل إلى 7%.

وقد ارتفع معدل تغيير الرؤساء التنفيذيين في أكبر 2500 شركة في العالم إلى مستوى قياسي بلغ 17,5% في عام 2018م، وهي نسبة تزيد بنحو 3% عن النسبة التي تم تسجيلها في عام 2017م والتي بلغت 14,5%، وتفوق المعدل السائد في العقد الماضي. كما ارتفع معدل تغيير الرؤساء التنفيذيين بشكل ملحوظ في مختلف مناطق العالم في عام 2018م باستثناء الصين، وشهد

زيادةً كبيرةً في دول أوروبا الغربية. وكان معدل التغيير أعلى في الاقتصادات المتقدمة الأخرى؛ مثل أستراليا، وتشيلي، وبولندا؛ حيث وصل إلى 21,9%، وهو مستوى قريب من المعدل السائد في البرازيل وروسيا والهند (21,6%). وقد كان أعلى معدل تغيير رؤساء تنفيذين في أوربا الغربية بنسبة 19,8%، يليه أمريكا الشمالية بنسبة 14,7%. أما على صعيد القطاعات المختلفة، فقد شهدت شركات خدمات الاتصالات أعلى معدل تغيير رؤساء تنفيذيين عند 24,5%، تليها شركات المواد بمعدل 22,3%، وشركات الطاقة بنسبة 19,7%. وشهد قطاع الرعاية الصحية أدنى معدل تغيير للرؤساء التنفيذيين بنسبة 11,6%.

11 تحدياً

ويلفت د.فيصل البواردي في بحثه المعنون: "تحديات خطط تعاقب القيادات الإدارية في الأجهزة الحكومية في المملكة العربية السعودية“ إلى أنه على الرغم من أن التخطيط للتعاقب ينصح باتباعه في عدد من كبير من الدراسات وفق النماذج المقترحة، فإن المنظمات لا تزال تتحاشى ممارسته في الواقع العلمي، حيث توصل استطلاع إلى أن 55% من المنظمات لم يكن لديها تخطيط التعاقب الوظيفي للقيادات، وتوصلت دراسة أخرى إلى أن 35% من 1318 من المديرين العامين في الشركات متعددة الجنسيات الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لديهم خطط لتعاقب القيادات، كما توصلت دراسة أخرى إلى أن 60% من المنظمات غير الربحية في إيطاليا لا يوجد لديها خطط تعاقب القيادات.

ويجمل د.البواردي التحديات التي تواجه المنظمات في خطط التعاقب-وفقاً لما أسفرت عنه البحوث والدراسات المختلفة-في 11 تحدياً كالآتي: ندرة المتخصصين في المنظمة للقيام بتخطيط التعاقب لبناء القيادات، وضعف التكامل بين إدارة تطوير الموارد البشرية والإدارات لبناء خطط تعاقب القيادات، وضعف اهتمام الإدارة العليا بخطط تعاقب القيادات، وضعف البرامج التدريبية لتطوير القيادات الإدارية الحكومية، وضعف اهتمام المنظمة بالتدريب على رأس العمل لبناء القيادات الإدارية، وضعف الاهتمام بأثر التدريب لتطوير القيادات الإدارية، وعدم توافر آلية مكتوبة لبناء خطط تعاقب القيادات الإدارية، وضعف نظام الحوافز في دعم خطط التعاقب، وضعف أنظمة الاختيار والتعيين لدعم خطط تعاقب القيادات، وضعف نظام تقييم الأداء الوظيفي في دعم خطط التعاقب، وعدم معرفة التجارب الناجحة في مجال خطط تعاقب القيادات.

6 إجراءات

ويحدد محي الدين صالح في أطروحته بعنوان: "أثر تخطيط التعاقب الوظيفي في بناء قادة المستقبل"، 6 إجراءات لكيفية التخطيط للتعاقب الوظيفي وهي:

  • أولاً: نشر ثقافة التعاقب الوظيفي بين كل أعضاء المؤسسة: وذلك بعقد ورش عمل تشارك فيها كل القيادات وعمل تنوير لهم يتضمن أن المصلحة العامة للمؤسسة هي المفضلة في هذا الصدد على المصالح الشخصية، وتحفيز وتشجيع روح الانتماء للمؤسسة، وأن الوظيفة ليست حكراً على شخص معين، وأن تخطيط التعاقب الوظيفي يعد أحد أهم إستراتيجيات المؤسسة، وإشراك ذوي المناصب القيادية في لجنة التعاقب الوظيفي.
  • ثانياً: تكوين اللجان: فيجب تكوين لجنة للتعاقب الوظيفي في المؤسسة من فريق قوي ومؤهل ومتخصص، وتضطلع بـ 12 مهمة كالتالي: وضع خطة التعاقب الوظيفي بالتنسيق مع مديري الإدارات ورؤساء الأقسام ووضع المعايير لاختيار المرشحين والتي تبنى عادة على الأداء، والتأكد من فاعلية نظام قياس أداء العاملين ورصد ومتابعة أداء الخلفاء المحتملين، واختيار وتحديد الخلفاء المحتملين لكل الوظائف القيادية بالمؤسسة، ومتابعة تنفيذ الاحتياجات التدريبية للقادة المحتملين داخلياً وخارجياً، والاحتفاظ بسجلات لجميع المرشحين، وترتيب المرشحين واختيار البديلين الأول والثاني لكل وظيفة وفق معايير دقيقة، والإشراف الكامل والرعاية التامة للموهوبين في الدرجات الدنيا بتحفيزهم واعطائهم فرص الانطلاق والإبداع، وإشراك الخلفاء المحتملين للمناصب في صناعة القرار ومنحهم الثقة والتدريب العملي، ومتابعة ودراسة البيئة الخارجية لسوق العمل والمراجعة المستمرة لنظام الأجور والحوافز؛ لتلافي هجرة الكوادر المؤهلة، والمساهمة في استقطاب الكوادر النادرة من خارج المؤسسة، والتحري من جودة الخدمات التي تقدم للعاملين وبيئة العمل الداخلية من أجل نشر ثقافة الاستبقاء، والاستعانة بالخبراء والمختصين في مجال إدارة الموارد البشرية؛ بغية الوصول إلى مؤشرات النجاح في عمل اللجنة.
  • ثالثاً: الإعداد التدريبي الفعال: فيتعين اعتماد خطة للتدريب الفعال للقيادات الواعدة، سواء من خلال ربطها بالمسار الوظيفي، أو من خلال برامج خاصة تعد وتنفذ لهذه القيادات من مختلف قطاعات المنظمة.
  • رابعاً: المتابعة الانتقائية: فلابد من متابعة جمیع العاملین؛ بهدف الكشف عن قیادات محتملة للمستقبل، ویتم عمل بنك للمعلومات (بطاریة القیادات) لیكون جاهز للبحث فیه عن البدائل المحتملين عندما یقترب موعد الاحلال.
  • خامساً: التجهيز للقائد البديل: وهنا يتحدد المطلوب من خلال 5 أمور كالتالي: التحفيز القانوني والإجرائي، والتحفيز النفسي والتهيئة الذهنية للقائد البديل، والتأكد من إتمام الإعداد والتدريب، وطرح الاسم كمرشح على السلطة المختصة، وإمكانية التعيين في الوظيفة كنائب أولاً.
  • سادساً: مساندة القائد البديل: سواء تم التعيين في وظيفة نائب أولاً، أو تم التعيين مباشرة في الوظيفة، والمطلوب من القائد الحالي المساندة بالمشورة دون فرض الوصاية على القائد الجديد، وفي هذا الشأن يمكن حصر 5 مسئوليات للقائد الحالي بشأن مساندة القائد البديل كالتالي: التوجيه الابتدائي حول الدور المتوقع للقائد الجديد، والنصح بشأن الأولويات الواجب الالتفات إليها، وعرض الاستعداد للمساعدة بناءً على الطلب، والمبادرة بالمساعدة أو النجدة عند الطلب، وعدم تعمد الإعلان الكبير عن موضوع المساندة.
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة