علم البيانات

​مع تطور العلوم بشتى مجالاتها، والانفجار المعلوماتي، والتطور التقني الهائل الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة؛ ازدادت كمية البيانات والمعلومات والمعارف بشكل هائل، وتنوعت المصادر وأوعية البيانات والمعلومات؛ مما زاد من صعوبة الوصول أليها بالشكل المطلوب وذلك من أجل تحقيق الأهداف واتخاذ قرارات حكيمة، وأيضا لحل المشكلات المختلفة، مما استدعى ظهور منهجية من شأنها مساعدة المستفيدين إن كانوا صناع القرارات بالمنظمات أو أصحاب الأعمال التجارية والباحثين وغيرهم من المهتمين بهذا المجال؛ وذلك من أجل الوصول إلى الحقائق وحل المشكلات والقضايا المختلفة، وهذه المنهجية هي منهجية رصد ومعالجة وتحليل للبيانات، ثم تحويلها إلى معلومات مفيدة لتحقيق النجاحات في صناعة واتخاذ القرارات بالشكل الصحيح.

وظهر في الآونة الأخيرة مصطلحات حديثة لاقت رواجاً عالمياً وتألقاً إعلامياً وتنافساً علمياً وتجارياً؛ وذلك لإسهاماتها في تسهيل الإجراءات وحل المشكلات؛ وكان من أبرزها علم البيانات (Data Science)، وذكاء الأعمال (Business Intelligence)، والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، وإنترنت الأشياء (Internet of Things)، وسلسلة الكتل (BlockChains)، وغيرها من التقنيات الناشئة، وتنوعت الاستخدامات لها كل حسب اهتمامه أو وفقاً للحاجة لها. ومن جانب آخر، أثر النمو الهائل في البيانات على سير الأعمال بالمنظمات والدول؛ مما نتج عنه وجود تحديات وحاجة إلى إيجاد وسائل وأساليب تساعد في عملية التعامل مع البيانات وإيجاد حلول لها. ومن هذا المنطلق، ظهر علم البيانات الذي يُعد علماً جديدًا؛ حيث نشأ في البداية من خلال مجالات التحليل الإحصائي والتنقيب عن البيانات وإدارة المعلومات، فقد نُشرت مجلة Data Science لأول مرة في هذا المجال عام 2002م، بواسطة المجلس الدولي للعلوم، وفي عام 2008م كان أول ظهور لمصطلح علماء البيانات.

وعلم البيانات عبارة عن مزيج من التخصصات المتعددة؛ مثل علم المعلومات، وعلم الإحصاء، وعلم تقنية المعلومات (البرمجيات)، ومجال المعرفة بالأعمال. ويستخدم علم البيانات مجموعة من الأساليب العلمية والعمليات والخوارزميات والأنظمة لاستخراج قيمة من البيانات وتحويلها إلى معلومات مفيدة. كما أن علم البيانات يتضمن مجموعة من المهام لتطوير استراتيجيات وأساليب تحليل البيانات، وبناء نماذج للبيانات باستخدام بعض التطبيقات والبرامج لتحليل البيانات؛ ومن أشهرها لغة البرمجة الـ R والـ Python؛ كونها تمتاز بالتفاعلية وبتعاملها الجيد مع المصفوفات، وكذلك تعتبر من البرامج المجانية. بينما يعتمد الكثير على Google Analytics كأداة هامة وحيوية لتحليل البيانات للمواقع الالكترونية الرقمية، ومراجعة أداء تحسين محركات البحث؛ ودراسة سلوكيات المستفيدين والعملاء من هذه المواقع؛ وذلك من أجل تحقيق النجاح في النشاطات التجارية.

 حيث تقوم كثير من الشركات التجارية بالاهتمام بامتلاك البيانات، وتحليلها، ومن ثم استخدامها لاتخاذ قرارات أفضل وإنشاء منتجات وخدمات أكثر ابتكاراً؛ وعلى سبيل المثال تهتم شركة أمازون (Amazon) بعملية تحليل ومعالجة الملايين من العمليات اليومية؛ بهدف تلبية احتياجات عملائها، وإجابة ما يقدر بأكثر من نصف مليون استفسار يومي لشركائها في المبيعات (زبائن البيع). وتشير أمازون في أحد تقاريرها إلى أنها تمتلك 3 قواعد بيانات وتعد من أكبر قواعد البيانات في العالم.  أما موقع الفيسبوك (Facebook) فيقوم بمعالجة ما يقدر بـ 50 مليار صورة مرفوعة من قبل مستخدميه. وبعد استحواذ شركة الفيسبوك على الواتس آب (WhatsApp) زاد عدد مستخدميه لأكثر من مليار ونصف المليار لعام 2018م مستخدماً، ويجرى من خلاله أكثر من 100 مليون مكالمة صوتية يومياً، ويستغرق استخدامه اليومي أكثر من ملياري دقيقيه، ويتم تبادل رسائل يومية تقدر بـ 65 مليار راسله يومية. ويستخدمه حوالي 60 لغة، ويتداولون أكثر من مليار مقطع فيديو يومياً وحوالي 5 مليون صورة كل يوم، ويستخدم من قبل أكثر من 180 دولة.

وتعتبر عملية جمع البيانات من مصادرها المختلفة خطوة أساسية ومهمة من خطوات تحليل البيانات، والتي بدونها لن تكتمل عملية تحقيق الهدف للوصول إلى الحقائق. وحتى تكتمل عملية تقنين مخرجات البيانات بالشكل الصحيح؛ فإنه ينبغي أن يتشارك عالم البيانات مع متخصصين آخرين في علم البيانات وهم: محلل أعمال يُحدد المشكلة، ومهندس بيانات يقوم بإعداد البيانات وكيفية الوصول إليها، ومهندس تقنية معلومات يشرف على العمليات والبنية التحتية الأساسية، ومطور تطبيقات يقوم بنشر النماذج أو مخرجات التحليل في التطبيقات والمنتجات، ومحترف معلومات ويقوم بعملية بناء لوحات التحكم المعلوماتية وعرضها للمستفيدين ومراقبتها بشكل مستمر.

والجدير بالذكر هنا، فإن علم البيانات لايزال يفتقر إلى خريجين، وعلماء ومتخصصين في علم البيانات منذ ظهوره حتى الآن، رغم شهرة هذا العلم الواسعة ولكن هناك توجهات بمراكز التدريب المحلية والعالمية لإعداد متخصصين لهذا العلم؛ وذلك بعقد دورات وبرامج تخصصية وتقديم شهادات علمية في علم البيانات، كما لاتزال الدفعات الحديثة من طلبة هذا العلم يمكثون في قاعات الجامعات والمعاهد، مع أمل أن ينطلقوا لسوق العمل خلال الفترة القادمة. ​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة