"الحوسبة السحابية"..فرص وتحديات وتجارب عالمية وسعودية

في ظل التطور التقني الذي أحرزته البشرية، وانطلاقاً من فيض البيانات المتدفق عبر المصادر المتنوعة، وخاصة ما يتم تداوله منها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ كـ"تويتر"، و"فيسبوك"، أو حتى عبر قواعد البيانات المختلفة؛ أصبحت الحاجة ملحة إلى الحوسبة السحابية التي تتبوأ مكانة متميزة في عالم الكمبيوتر والإنترنت، منذ ظهورها في عام 2009م؛ فقد مكنت المؤسسات الحكومية والخاصة من أن تتبادل بياناتها بسهولة ويسر، وأن تتيح خدماتها الإلكترونية عبر قنوات متعددة مهيأة لهذا الغرض، وأصبح باستطاعة الفرد العادي الوصول لهذه الخدمات المتاحة له على مدار الساعة طوال السنة. وبالرغم من المزايا العديدة للحوسبة السحابية؛ إلا أنها تواجه العديد من التحديات؛ كالهجمات الإلكترونية "الخبيثة"، وتكلفتها المادية المرتفعة، وغيرها؛ وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على المطورين ومقدمي هذه الخدمات أن يبحثوا عن حلول لهذه التحديات، وارتياد آفاق أرحب في عالم التقنية. وانطلاقاً من هذه الأهمية؛ فقد بادر د.خالد بن ناصر آل حيان إلى تأليف كتابه المعنون: "الحوسبة السحابية: أساسيات ومبادئ وتطبيقات" الصادر عن معهد الإدارة العامة، والذي نقرأه معاً في هذا العدد من "التنمية الإدارية".

اهتمام عالمي ومحلي

يتكون الكتاب من 11 فصلاً متنوعاً، ويبلغ عدد صفحاته 675 صفحة، يستهلها المؤلف بتمهيد يوضح من خلاله المقصود بالحوسبة السحابية التي يرى أنها تشير في أبسط صورها إلى مشاركة وتخزين البيانات والبرامج والوصول إليها عبر شبكة الإنترنت من أي مكان، باستخدام أي جهاز إلكتروني مهيأ لذلك، وفي أي وقت، وبحجم وتخزين وسرعة وصول غير محدودين. وخلال إبرازه أهمية الكتاب وأهدافه، يسلط د.آل حيان الضوء على الأهمية التقنية والاقتصادية للحوسبة السحابية. فعلى المستوى الدولي، أشارت شركة "جارتنر الاستشارية" في تقريرها الذي صدر في فبراير 2017م-كاستشراف لها في هذا الوقت-إلى أن ما يزيد عن 50% من المنظمات على مستوى العالم سترتبط بالحوسبة السحابية، كما أن حجم السوق العالمي لهذه التقنية في عام 2016م قد تجاوز 219 مليار دولار، وتوقعت "جارتنر" نمو هذا الرقم بنسبة 87% في عام 2020م. أما على المستوى المحلي فقد ضمًنت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ممثلة في برنامج التعاملات الحكومية (يسًر) الحوسبة السحابية كإحدى مبادراتها المستقبلية في الخطة التنفيذية الثانية للتعاملات الإلكترونية الحكومية (1433-1437هـ)، وشرعت في إنشاء ما يسمى بالسحابة الإلكترونية الحكومية، كما شرع معهد الإدارة العامة في تطبيق نموذج البرمجيات كخدمة (SaaS) بإتاحة بعض الخدمات السحابية لدارسيه.

مبادئ مهمة

وتكمن أهمية هذا الكتاب في تقديم الأساسيات والمعارف والتطبيقات الخاصة بتقنية الحوسبة السحابية إلى شريحة كبيرة من المستفيدين، وبخاصة متخذي القرار في المؤسسات المختلفة. وتبدو أيضاً أهميته في افتقار المكتبة العربية لوجود مرجع مؤلف متخصص ومحكم في هذا المجال المهم. وتبرز كذلك تلك الأهمية إذا نظرنا إلى الإضافات العلمية والمعرفية والأفكار الجديدة التي يتضمنها الكتاب، فهو يتميز باستعراضه مجموعة من التجارب الدولية والمحلية الناجحة التي تسلط الضوء على أفضل الممارسات المتعلقة باستخدام هذه التقنية.

ونستهل قراءتنا للكتاب بفصله الأول الذي هو عبارة عن مقدمة تشير إلى أساسيات الحوسبة السحابية، ومبادئها، وتطبيقاتها، واستعراض الأنماط المتعددة للحوسبة؛ كالحوسبة المتوازية، والحوسبة الموزعة، والحوسبة الشبكية، وكذلك الحوسبة السحابية. ويستعرض أيضاً الدوافع التي أدت لظهور الأخيرة منها بشكل بارز زاد من مستويات أهمية استخدامها من جهات عديدة شملت القطاع الحكومي، والقطاع الصحي، وغيرهما من القطاعات. ويقدم الفصل الثاني المبادئ الأساسية للحوسبة السحابية من خلال تعريف مؤصل لها وتحديد خصائصها الأساسية وهي أن تكون خدمة ذاتية الطلب، وذات وصول واسع للشبكة الحاسوبية، وأن تقوم بعرض تجمع واسع من الموارد الحاسوبية، وذات مرونة سريعة في تخصيص وتحرير تلك الموارد، وأن تكون خدمة قابلة للقياس. ويسرد هذا الفصل أيضاً نماذج نشر وإطلاق السحابة؛ كالسحابة الخاصة. ويستعرض كذلك نماذج عرض خدمات الحوسبة السحابية؛ كالبنية التحتية كخدمة (IaaS)، والمنصة كخدمة (SaaS)، وتوضيح أصحاب المصلحة في بيئة الحوسبة السحابية، وهم: المستفيد من الخدمة، ومزود الخدمة، والوسيط. كذلك يستعرض هذا الفصل الأهداف والفوائد التي تستهدف الحوسبة السحابية تحقيقها، والمخاطر، والتحديات التي قد يواجهها أصحاب المصلحة عند تطبيق الحوسبة السحابية.

نماذج وإدارة فعالة

ويبرز الفصل الثالث نموذجاً معمارياً يصف الطبقات الأربع اللازمة لتشغيل نموذج تقني للحوسبة السحابية، وهذه الطبقات هي: المستفيد، والشبكة الحاسوبية، وإدارة الشبكة، والتجهيزات المادية. وتعمل هذه الطبقات بشكل تكاملي يظهر آلية عمل الحوسبة السحابية، بحيث يتضح مبدأ الاعتمادية جلياً فيما بينها، وتجدر الإشارة إلى أن الإنترنت يعد مكوناً أساسياً لعمل السحابة. ويناقش الفصل الرابع من الكتاب النماذج المختلفة التي يمكن توظيفها لنشر وإطلاق السحابة الحاسوبية. ويمكن بشكل عام تصنيف السحابة إلى 4 نماذج هي: السحابة الخاصة، والعامة، والهجينة، والمجتمعية. وتبدو الاختلافات فيما بينها وفق عدة عوامل؛ كحجم السحابة، وموقعها الجغرافي، والأمن والخصوصية، والأداء، والشبكة، وإدارتها وصيانتها، واتفاقية مستوى الخدمة، والتشريعات والقوانين ذات العلاقة.

ويشرح الفصل الخامس ويوضح تفاصيل نماذج توصيل خدمات الحوسبة السحابية، والمحددة في 3 أنواع أساسية، وهي: نموذج البنية التحتية كخدمة (IaaS)، ونموذج المنصة كخدمة (PaaS)، ونموذج البرمجيات كخدمة (SaaS). ويلفت د.آل حيان إلى أن الحوسبة السحابية تتيح للمستفيدين الوصول إلى تجمع كبير من الموارد الحاسوبية، تشمل الحجم المطلوب من القدرة الحاسوبية، والنطاق الشبكي المستهدف، والسعة التخزينية، وقواعد البيانات، والتطبيقات الإلكترونية، بالإضافة لموارد أخرى. وتجدر الإشارة إلى أنه مع تزايد الإقبال على خدمات الحوسبة السحابية، تبرز الحاجة لإدارتها بشكل فعال؛ لضمان سير عمل الخدمات على نحو يرضي كلاً من مزود الخدمة والمستفيد منها. وهو الأمر الذي يتناوله المؤلف بالتفصيل في الفصل السادس الذي يتطرق إلى أهمية هذه الإدارة، وعوامل نجاح التحول والانتقال إلى الحوسبة السحابية؛ كوضوح أهداف التحول، والدعم والمساندة القوية من الإدارة العليا. وبصفة عامة يقرر المؤلف أنه يمكن أن تتم إدارة البنية التحتية والتطبيقات على السحابة عبر مجموعة من التقنيات والبرمجيات المصممة خصيصاً لمراقبة وإدارة أصول السحابة؛ كالتجهيزات المادية، والبرمجيات.

التقنية الافتراضية والأمن

وينتقل الكتاب في فصله السابع لطرح مفهوم التقنية الافتراضية، فيقدم تعريفاً لها، ويوضح أهم أهدافها، خاصة زيادة الانتفاع من الموارد الحاسوبية بأكبر قدر ممكن، وزيادة العائد على الاستثمار، ومشاركة المورد التقني نفسه بين العديد من المستفيدين. كذلك يوضح فوائد استخدام هذه التقنية، ومساوئها، وأنواع مواردها التي يمكن تحويلها افتراضياً؛ كالخوادم، ومخازن البيانات. ثم يتطرق إلى المنهجيات الثلاث للتقنية الافتراضية، وهي: الافتراضية الكاملة، والجزئية، والممكنة بالتجهيزات المادية. ويستكمل الكتاب إعطاء القارئ تصوراً شاملاً عن التقنية الافتراضية من خلال استعراض مفهوم برمجيتها، وأشهر أدوات هذه البرمجة، ومعوقات عملها.

ويسلط المؤلف الضوء في الفصل الثامن على موضوع مهم، وهو مبدأ الأمن عند الانتقال جزئياً أو كلياً إلى السحابة، ومناقشة القضايا الأمنية المرتبطة باستخدام الحوسبة السحابية، وهو ما يتمثل في نقل التطبيقات الإلكترونية والبيانات المرتبطة بها إلى السحابة، والنواحي الأمنية المتعلقة بأمن البيانات، وأمن الشبكة، وأمن التقنية الافتراضية، وأمن المنصة. ثم يناقش المؤلف جزئية مهمة ترتبط بالتخطيط المطلوب للتعافي من الكوارث، وكذلك حماية الخصوصية والتكامل. ويؤكد د.آل حيان على أن الحوسبة السحابية يمكن أن تمنح مستخدميها ميزة تنافسية مهمة، إذا تم توظيف تطبيقاتها وخدماتها بشكل فعال وصحيح لتحقيق متطلبات أعمالها. ويركز الفصل التاسع على أكثر الممارسات الخاطئة شيوعاً عند الانتقال إلى البيئة السحابية؛ كإساءة فهم متطلبات المستفيد. وعقب ذلك يقدم المؤلف مجموعة من التوصيات لتجنب الكثير من هذه الممارسات الخاطئة.

الفرص والتحديات والتجارب

ويفرد الكتاب فصله العاشر للحديث عن قياس الخدمات السحابية من خلال الاطلاع على نماذج لقياس التكاليف والتسعير؛ كمقاييس التكاليف المادية لأعمال السحابة، ومقاييس التكاليف المادية لإدارتها. ويتحدث أيضاً عن نماذج تستخدم بهدف قياس مستوى جودة الخدمة السحابية، واتفاقية مستوى الخدمة، ويقدم مجموعة من الإرشادات والتوصيات العملية الواجب توافرها عند اعتماد هذه الاتفاقية. ويستعرض الفصل الحادي عشر أبرز الفرص والتحديات في مجال الحوسبة السحابية على المستويين البحثي والعملي. فعلى المستوى البحثي قام د.آل حيان بجهد غطى 172 مرجعاً؛ اتضح من خلال مراجعتها أن الحوسبة السحابية لا تزال تزخر بالعديد من الفرص والموضوعات البحثية المشجعة لإجراء المزيد من البحوث العلمية في هذا الصدد. وعلى المستوى العملي، فإن معظم البحوث والاستشارات تتفق على مجموعة من التحديات التي يمكن تصنيفها وفق بعدين رئيسيين هما: الجانب التنظيمي، والجانب التقني.

ويختتم د.خالد آل حيان كتابه في الفصل الثاني عشر باستعراض مجموعة من التجارب الدولية والمحلية الناجحة. فعلى مستوى القطاع الحكومي بالمملكة العربية السعودية نجد برنامج التعاملات الإلكترونية (يسًر)، أما على مستوى القطاع الخاص فيبرز دور كل من شركتي الاتصالات السعودية (STC)، وموبايلي (Mobily) كمزودين لخدمة الحوسبة السحابية.


​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة