بحث ميداني يكشف أن 9 وزارات فقط لديها إدارات للأزمات والكوارث ويوصي بالتخطيط الإستراتيجي

​عالم الإدارة ملئ بالتحديات، وتجوبه المتغيرات السريعة المتلاحقة، وتتقاذفه الكثير من المشكلات والمخاطر؛ لذا فلم يكن من المستبعد أن تواجه المؤسسات المختلفة عدداً من الأزمات والكوارث التي تعد من الأحداث المهمة والفارقة في حياتها واستمراريتها وتنافسها مع غيرها؛ وهو الأمر الذي يحدده استعداد هذه المؤسسات وامتلاكها إدارات متخصصة وكوادر بشرية ماهرة قادرة على إدارة هذه الأزمات والكوارث والتصدي لها. وقد بدأ الاهتمام بإدارة الأزمات والكوارث في المملكة العربية السعودية بعد أحداث سيول مدينة جدة عام 2002م وغيرها من الأحداث؛ مما ساهم بشكل كبير في السنوات الأخيرة في تغيير مفهومها عن المفهوم السابق. ولذلك فقد اكتسبت دراسة تقييم واقع إدارة الأزمات والكوارث في المملكة أهمية كبيرة؛ وهو المنطلق العلمي والواقعي الذي انطلق منه د.الحسين إبراهيم حسان، وأ.عبدالرحمن بن حسين داغستاني لإجراء بحثهما الميداني على الوزارات السعودية، والصادر عن معهد الإدارة العامة، والذي نستعرضه معكم في هذا العدد.

5 فروق

كثيراً ما يختلط مفهوم كل من الأزمة والكارثة ولا يستطيع الكثير منا التفرقة بينهما، وهو ما ركز عليه الباحثان؛ ولذلك فهما يحددان في مستهل هذا البحث مفهوم الأزمة بأنه "حالة غير عادية تخرج عن نطاق التحكم والسيطرة وتؤدي إلى توقف حركة العمل أو هبوطها إلى درجة غير معتادة، بحيث تهدد تحقيق الأهداف المطلوبة من قِبل المنظمة وفي الوقت المحدد"، كما يحددان مفهوم الكارثة بأنه "حدث جسيم يصيب قطاعاً من المجتمع أو المجتمع بأكمله بمخاطر شديدة وخسائر مادية وبشرية، ويؤدي إلى ارتباك وخلل وعجز في التنظيمات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، ويؤثر على سرعة الإعداد للمواجهة، وتعم الفوضى في الأداء وتضارب الأدوار على مختلف المستويات"؛ وفي ضوء هذا التحديد يبرز الباحثان 5 فروق إجرائية بين الأزمة والكارثة على النحو التالي:

  1. الأزمة أعم وأشمل من الكارثة؛ فكلمة الأزمة تعني: الصغيرة والكبيرة، المحلية والخارجية. أما الكارثة فمدلولها ينحصر في الحوادث ذات الدمار الشامل والخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات، والتي غالباً ما تكون ناتجة عن ظواهر طبيعية كالسيول أو الزلازل والبراكين، أو بشرية كالحروب.
  2. للأزمات مؤيدون داخلياً وخارجياً. أما الكوارث وخاصة الطبيعية منها فغالباً لا يكون لها مؤيدون.
  3. في الأزمات نحاول اتخاذ قرارات لحلها، وربما ننجح وربما نخفق. أما في الكارثة فإن الجهد غالباً ما يكون بعد وقوع الكارثة وينحصر في التعامل معها.
  4. الأزمات غالباً ما تكون تصاعدية، في حين أن الكوارث غالباً ما تكون مفاجئة بشكل كامل.
  5. الأزمات يمكن التنبؤ بها، في حين يصعب التنبؤ بالكوارث.

تأصيل لإدارة الأزمات والكوارث

ويفرد د.الحسين وأ.داغستاني خلال "مراجعة الأدبيات" بالفصل الثاني من هذا البحث تأصيلاً نظرياً لإدارة الأزمات والكوارث، فيحددان مفهوم الأزمة، وأنواع الأزمات والكوارث والتي صنفها المتخصصون والخبراء وفق تصنيفات عديدة؛ فعلى سبيل المثال تصنيفها من حيث طبيعة الحدوث، ومن حيث المستهدف بالاعتداء، ومن حيث الهدف، ومن حيث مسرح الجريمة، ومن حيث المصدر، ومن حيث العمق، ومن حيث التكرار، ومن حيث المدة، ومن حيث الآثار، ومن حيث القصد، ومن حيث المعالجة، ومن حيث المظهر، ومن حيث التكوين، ومن حيث شدتها، ومن حيث الشمول والتأثير. ثم يبرزان أسباب نشوء الأزمات والكوارث على النحو التالي: سوء الفهم، وسوء الإدراك، وسوء التقدير والتقييم، والإدارة العشوائية، والرغبة في الابتزاز، واليأس، واستعراض القوة، والإشاعات، واستعراض القوة، والأخطاء البشرية، والأزمات المخططة، وتعارض الأهداف، وتعارض المصالح. ويتناولان أيضاً خصائص الأزمة، ثم يتحدثان عن دورة تطور الأزمة والكارثة ومراحلها المختلفة التي يراها البعض تنحصر في 4 مراحل هي: ما قبل الأزمة، وتفاقمها، وإدارتها، وما بعدها.

ويشير الباحثان إلى كل من الآثار الإيجابية والسلبية للأزمات، ويركزان على مفهوم إدارة الأزمات، ومقومات هذه الإدارة والتي من بينها العمل على جعل التخطيط للأزمات جزءًا مهماً من التخطيط الاستراتيجي وعنصراً رئيسياً من الخطط العامة للمنظمة، وضرورة عقد البرامج التدريبية وورش العمل في مجال إدارة الأزمات، وإعداد فريق مدرب لإدارة الأزمات للعمل خلال مراحل الأزمة. ويسلط البحث الضوء على سيناريوهات إدارة الأزمات، والتخطيط لإدارة الأزمات، واستراتيجياتها، وأساليب التعامل مع الأزمات والتي يصنفانها ضمن 3 أساليب هي الأساليب التقليدية كتجاهل الأزمة وإنكارها، والأساليب غير التقليدية كطريقة فريق العمل المتكامل واحتوائها، والأسلوب العلمي الذي يمر بمجموعة من المراحل والخطوات المترابطة التي تبدأ بتقدير الموقف والدراسة المبدئية لأبعاد الأزمة وتنتهي بالتدخل العقلاني لمعالجتها. إضافة إلى ذلك يلفت الباحثان إلى معوقات إدارة الأزمات. ويشيران إلى الإدارة بالأزمات وشروط نجاحها. ثم ينتقل الباحثان للحديث عن الكوارث من حيث مفهومها، وخصائصها وسماتها، وأنواعها، ومستوياتها المتوقعة، وإدارتها، وعملية التخطيط لإدارتها، واستراتيجيات الحد من التعرض للكوارث ومخاطرها، وإجراءات إدارتها، والفرق بين الأزمات والكوارث والمفاهيم الأخرى ذات الصلة.

إيجابيات وسلبيات

ويجمل د.الحسين وأ.داغستاني نتائج بحثهما، والتي من بينها ما يلي: بلغ عدد الوزارات التي تمتلك كياناً إدارياً واضحاً ومسؤولاً عن إدارة الأزمات والكوارث 9 وزارات من إجمالي عدد وزارات الدولة البالغ 21 وزارة، وقد بلغت نسبة الوزارات التي أبدت إيماناً واضحاً بدور إدارة الأزمات والكوارث وجدوى وجودها 90%، وأظهرت النتائج أن 55% من القيادات لديهم فصل واضح بين مفهومي إدارة الأزمات والكوارث وما يتعلق بهما من أنشطة ومهام، وأن بعض الوزارات تختلف في طبيعة عملها والمهام المكلفة بها ومحدودية تعاملها مع الأزمات والكوارث بشكل كبير مثل وزاراتي التجارة والمالية، بينما يقوم 22,2% من هذه الكيانات بمهام الإدارة والتعامل مع الأزمات والكوارث بصورة منفصلة وفق منهج علمي وآليات واضحة ومحددة؛ مما يشير إلى تطور وحرفية عملها تجاه الأزمات والكوارث مثل وزارتي الخارجية والداخلية، وأوضح 22,9% منهم أن عملهم في إدارة الأزمات والكوارث يأتي عند الحاجة إليه فقط؛ كوجود حالة من حالات الطوارئ.

وقد أبدى الغالبية الكبيرة ممن خضعوا للبحث تقييماً إيجابياً كبيراً نحو معيار توافر الاعتمادات المالية الكافية للتعامل مع هذه الأزمات والكوارث، ونحو حصول فريق إدارتها باستمرار على برامج تدريبية تخصصية في إدارة الأزمات، ونحو تمتع هذا الفريق بجميع الصلاحيات اللازمة للتعامل مع الأزمات، وكذلك وجود حالة من الرضا العام والتقييم الإيجابي نحو المقومات العلمية والتقنية لإدارة الأزمات والكوارث، ونحو الجانب التنظيمي والإجرائي لهذه الإدارة، ونحو تقييم الجانب المعرفي والثقافي لها، فيما أبدى 50% منهم تقييماً إيجابياً نحو تبني الوزارة المنتمي لها المنهج الوقائي تجاه الأزمات والكوارث.

وعلى جانب آخر ثبت وجود حالة من الضعف أو عدم وجود دور للتخطيط الاستراتيجي لإدارة الأزمات والكوارث لدى إدارة الكيانات الإدارية التي يعمل بها المبحوثون، ووجود حالة من عدم الرضا عند نسبة كبيرة منهم بشأن عدم كفاية الحوافز المادية للعاملين في إدارة الأزمات باعتبارها أحد المعوقات الثقافية والبشرية والتنظيمية لإدارة الموارد البشرية، ووجود تأثير سلبي لمعوقات الاتصال والمعلومات على منظومة إدارة الأزمات والكوارث.

التحفيز والمشاركة والتدريب

وفي ضوء هذه النتائج؛ اقترح الباحثان العديد من التوصيات والتي منها ما يلي: زيادة الاهتمام بنشر وتفعيل دور إدارة الأزمات والكوارث في باقي الوزارات التي ليس لديها هذه الكيانات الإدارية، وزيادة دور وفاعلية إدارة الأزمات والكوارث لدى الوزارات التي يتضمن هيكلها الإداري وجود مثل هذا الكيان، وزيادة الاهتمام بتقديم برامج تعليمية متعددة المستويات بالإضافة للبرامج التأهيلية في مجال إدارة الأزمات والكوارث لمواكبة الحاجة المتزايدة لهذا التخصص، وضرورة الاهتمام بتفعيل دور جميع الأفراد في هذه الكيانات في عملية صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الأزمات والكوارث.

كذلك يوصيان بضرورة العمل على زيادة شعور جميع الأفراد العاملين في هذه الكيانات الإدارية بالرضا تجاه اهتمام الإدارة بهم إنسانياً وعملياً وبما ينعكس على كفاءتهم وفاعلية أدائهم، وضرورة الاهتمام بزيادة الاعتماد على التخطيط الاستراتيجي لإدارة الأزمات والكوارث، وضرورة الاهتمام بزيادة إشراكهم في عمليات التخطيط بشقيها التنفيذي والاستراتيجي، وضرورة السعي لاستقطاب مختصين في إدارة الأزمات والكوارث بالعدد الكافي والكفاءات والجدارات المناسبة لذلك، وضرورة سعي الإدارة لزيادة الحوافز المادية ودعمها بالأخرى المعنوية الوظيفية، وضرورة سعيها أيضاً لزيادة دور ومشاركة جميع العاملين في هذه الكيانات في اتخاذ القرارات، وضرورة الاهتمام بزيادة البرامج التدريبية الخاصة برفع كفاءة وتفاعل العاملين في الكيانات الإدارية المعنية بإدارة الأزمات والكوارث.


​​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة