فريق البيانات .. قيادة التخطيط والتطوير والابداع

في خضم الثورة التكنولوجية الراهنة؛ تتعاظم قيمة البيانات باعتبارها من أهم الثروات المعرفية التي تمتلكها المنظمات على اختلافها، فمن خلال البيانات تستطيع المنظمة اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، والاعتماد على التخطيط الاستراتيجي لأعمالها لفترات زمنية مقبلة؛ مما يمكنها من مواجهة التحديات المختلفة. وفي ضوء ذلك يصبح من الطبيعي اتجاه الكثير من المنظمات إلى تشكيل فرق للبيانات، تتولى جمع، وتخزين، وإدارة، وتحليل البيانات لتوظيفها، والاستفادة منها في أعمال المنظمة، ومختلف الأنشطة، واتخاذ القرارات المناسبة. في هذا التقرير نتعرف على مهام فرق البيانات في المنظمات وأهم الأدوار المنوطة به.

مهام ومؤهلات

قام مركز "آي بي إم لأعمال الحكومة" بإجراء مقابلات مع عدد من مسئولي البيانات في الولايات المتحدة الأمريكية، بجانب خبراء ومختصين، لوضع إطار عمل للمهام التي يقومون بها، وكيف يمكن الاستفادة من هذا المنصب الجديد، وكيف يتم اختيار الأجدر بالمنصب ومعايير التنافس. وأصدر تقريراً يوضح طبيعة فريق البيانات داخل المؤسسة ومهامه. ووفقاً للتقرير الذي استعرضه موقع "الحكومة الرقمية"، تتمثل المهمة الرئيسية لكبير مسؤولي البيانات في تحفيز المؤسسة وقيادة عملية تأهيلها؛ من أجل أن تتمكن من إنتاج ومعالجة البيانات لتعظيم المنفعة العامة التي تنتجها في شكل سياسات وخدمات. ويتطلب ذلك قيادة وتنسيق العمل على نطاق المؤسسة بأكملها؛ من أجل تطوير البيانات وتحسين قدرات المؤسسة على إدارة البيانات وتنفيذ مهام؛ مثل جمع البيانات، ومعالجتها، وتحليلها، واستخراج نتائج تسهم في عملية صنع القرار.

وبحسب ما استخلصه التقرير، يتميز مسؤول البيانات الناجح بقدرته على الموازنة بين الرؤية والتصور لأفكار جديدة وتطبيق هذه الأفكار بشكل عملي. ويُنتظر من مسؤول البيانات الناجح أن يتمتع بالمؤهلات الثلاث التالية:

  • إدارة البنية التحتية: على مسؤول البيانات أن يكون مؤهلاً لإدارة البنية التحتية الأساسية للبيانات في المؤسسة، بحيث يدعم إدارة مخازن البيانات، نشر البيانات المفتوحة، وتحليل البيانات وغيرها من المهام.
  • الانفتاح على الأفكار والأساليب المبتكرة: يُتوقع من مسؤول البيانات الناجح أن يُشجع مؤسسته على تجربة أساليب غير معهودة في إدارة البيانات والاستفادة منها.
  • التنفيذ بشكل عملي: فبالإضافة إلى قدرته على الابتكار، يجب على المسؤول أن يكون قادراً على تحويل هذه الأفكار إلى نتائج عملية على أرض الواقع.

وجاء في التقرير-وفقاً لموقع "الحكومة الرقمية"-ثلاثة عناصر من شأنها خلق وتوفير مناخ عمل مثالي لنجاح مسؤول البيانات وهي: دعم المسئولين التنفيذيين وقيادة المؤسسة، ووضوح الغاية والهدف الذي يسعى لتحقيقه بما يساعده وكذلك يساعد فريق عمله على العمل بشكل مُركز متناغم، والتنوع في مهارات فريق البيانات بحيث يُمكٍن المؤسسة من تحويل أفكارها إلى واقع بصورة سريعة وأكثر إبداعاً.

وأوصى التقرير المؤسسات الحكومية بعدة توصيات من أهمها توفير الموارد المناسبة للمدير التنفيذي للبيانات ويشمل ذلك الموارد المالية وغير المالية، واعتبار استراتيجية المؤسسة هي نقطة الانطلاق وكذلك التركيز على خلق قيمة عامة للعملاء، وخلق ونشر ثقافة البيانات في المؤسسة.

4 إدارات

ويقدم فهد البكري-من خلال موقع "نمذجيات"-تصوراً كاملاً لتأسيس إدارة البيانات في المؤسسة، حيث أوضح البكري أنه لتأسيس إدارة بيانات متكاملة الأطراف؛ يجب أن تقدم جميع الحلول والخدمات المعروفة حالياً، وأهمها خدمات استخراج التقارير والبيانات، وخدمات ذكاء الأعمال، وخدمات البيانات الضخمة، وخدمات تقييم الأداء، والخدمات الاستشارية في مجال إدارة البيانات. ويمكن استحداث إدارات أو أقسام تحت إدارة البيانات لتقديم كل خدمة، أو دمج بعضها حسب حجم الجهة ومدى الفائدة في تقسيمها. ويقسمها إلى أربعة أقسام أو إدارات، وهي: إدارة التقارير، وإدارة ذكاء الأعمال، وإدارة البيانات الضخمة، وإدارة تقييم الأداء.

تحول وطني

إن أهم أبعاد عصرنا الحالي، وأبرز ما أتاحته التقنية الحديثة-وفقاً لتقرير لمجلة "الفيصل"-بعنوان: "إدارة البيانات في عصر التحول الوطني"، هو الوفرة في توليد البيانات، وازدياد القدرة على تخزينها ومعالجتها، حتى بات توظيف البيانات واستخراج ما تحويه من نتائج وأرقام من أهم أساليب التعامل مع عالمنا الشبكي؛ لذلك لم يعُد من الممكن إغفال جانب (إدارة المعلومات والبيانات) عند الحديث عن التقنية، وهو ما يهمّ؛ لأن البرامج المنضوية تحت رؤية 2030؛ مثل برنامج تحقيق التوازن المالي، وبرنامج التحول الوطني، وبرنامج إدارة المشروعات، وبرنامج قياس الأداء، تلزمها قدرة عالية على قياس الأثر الذي تحدثه آليات حلولها، مع توافر القدرة الدائمة على تحسين القرارات وتصحيحها بشكل مستمر، وهو تحدٍّ كبير؛ لأن تحقيقه يأتي من منهجية إدارة معلومات وبيانات ليس داخل مؤسسة/ منظمة واحدة، وإنما بين مؤسسات وكيانات وأفراد على المستوى الوطني كله.

وتوضح "الفيصل" أنه لا يعدّ مفهوم (إدارة المعلومات والبيانات) بين المؤسسات بشكله التقليدي مفهوماً جديداً تماماً؛ فمنذ سنوات أسهم تطبيق مفهوم (تدفّق المعلومات العابر الحدود) تحت قيادة "جاك ويلش" في شركة GE بتحولات هائلة في الشركة أعادتها من شركة مقبلة على الإفلاس إلى واحدة من أهم شركات العالم، وبالطبع كان هذا التحول مشفوعاً بتغييرات مؤسساتية أخرى؛ كتطبيق تقنية درجات سجما الست لتحسين إجراءات العمل، لكن ما يهمّ هنا هو تأكيد أهمية تفعيل إدارة المعلومات والبيانات لتمكين التحول الوطني الشامل. وللتأكيد هنا، يرجى مراعاة أننا عندما نتحدث عن إدارة البيانات فنحن نتكلم عنها من جانب إداري وتقني وبشري، ولا نتكلم عن إدارة قواعد البيانات الذي هو جزء يسير، وإنما عن الصورة الكاملة لإدارة البيانات.

وترى مجلة "الفيصل" أنه مع إطلاق رؤية المملكة 2030، تظهر أهمية امتلاك الوسائل التي تمكّن من التعامل بمرونة مع التحديات، ويشمل ذلك القدرة على اتخاذ وقياس أثر القرارات باستخدام البيانات، وهو ما يحتّم تفعيل آليات إدارة البيانات التي تعالج المشكلات والصعوبات المتعلقة بها.

ذكاء الأعمال

ويرتبط بالعمليات التي يقوم بها فريق البيانات في المنظمات المختلفة ذلك الدور المهم للفريق المنوط به إدارة عمليات ذكاء الأعمال، حيث تسعى معظم المنظمات، وفقاً لبحث أجراه د.عبدالعزيز النداوي و د.جاسر النسور بعنوان: "ذكاء الأعمال: منهجية لتطوير العمليات الإدارية في منظمات الأعمال" إلى رفع قدراتها التنافسية ومحاولة إيجاد سبل كثيرة لإنجاز أعمالها، ويتطلب هذا العمل اتخاذ قرارات سريعة وصحيحة وحاسمة استجابة لهذه التغييرات التي يكون معظمها غير متوقع وغير محسوب النتائج، ومن هذا المنطلق تأتي الأهمية الكبرى لمفهوم ذكاء الأعمال الذي يساعد على استيعاب الوضع السائد لبيئة العمل التي تتصف بشدة المنافسة والتي أضحت أكثر تعقيداً كنتيجة لسرعة التغير؛ لذلك تسعى المنظمات إلى تحسين مواقعها في بيئة العمل أو استمرار المنافسة فيها.   

ويذكر الباحثان أن هناك مجموعة من الأسباب والمبررات التي تدعم وجود نظام متكامل لذكاء الأعمال ومنها ما يلي:

  • ظهور ووجود ثقافات جديدة وتحديات أمام المنظمات تدعو إلى ضرورة وجود أنظمة متقدمة في مختلف مجالات العمل.
  • ظهور المنافسة الحادة والحاجة إلى التطوير والإبداع وخلق الفرص المناسب.
  • الحاجة إلى المحافظة على المنظمات في المجالات المختلفة.
  • الحاجة إلى خلق أشياء جديدة وغير موجودة من خلال إيجاد طرق عمل جديدة تساهم في ذلك.
  • استخدام التكنولوجيا أو الأفكار الجديدة التي تتمتع بمرونة عالية تدفع إلى التطوير والإبداع.
  • وجود المرونة العالية في مختلف مجالات العمل التي تشجع على التطوير والإبداع والابتكار.
  • وجود هياكل تنظيمية تسهم في دعم نظام ذكاء الأعمال في المنظمات.

خيارات استراتيجية

ويشير د.سامي أحمد عباس في بحثه المعنون: "ذكاء الأعمال وأثره في تحديد الخيار الاستراتيجي" إلى أن ذكاء الأعمال يعد من الممارسات الحديثة التي شهدتها منظمات الأعمال، والذي يقوم على أساس عملية جمع البيانات من مصادرها ومعالجتها وتنظيمها، وتهيئته المعلومات من خلال توفير قاعدة معلومات، ومستودع بيانات من الممارسات والتطبيقات التي تساعد في تحديد وتحسين الخيارات الاستراتيجية، بالإضافة إلى تمكين المنظمات من التعلم والتكيف مع الممارسات الجديدة. ويعد ذكاء الأعمال حقلاً إدارياً فنياً متعدد التخصصات ومتنوع الأشكال ومختلف الأوجه ومتكامل الأبعاد؛ يهدف إلى بلورة الأعمال والتكنولوجيات في وتيرة واحدة، تقوم على ركيزة وبنية المعلومات وتطبيقها.

ويضيف د.سامي عباس: "ولعل أهمية ذكاء الأعمال ترتبط بصورة أوضح في عصرنا هذا عصر التطور والتسارع في اقتصاد المعرفة. فذكاء الأعمال هو الأداة التي يستطيع متخذو القرار من خلاله تفسير المعلومات الضرورية لتطبيق الخيار الاستراتيجي الصحيح والناجح والمبني على أساس قاعدة من المؤثرات المستنبطة من نظم المعلومات التي يمتلكونها. لقد كانت المنظمات السباقة هي التي أدركت أهمية ذكاء الأعمال وتسارعت في رسم رؤية صحيحة وسليمة وواضحة المعالم؛ من أجل تقديم حلول للمشاكل وجعل القرارات أكثر ومرونة وكفاءة في صناعة الخيار الاستراتيجي. لقد تكللت جهود ذكاء الأعمال بالنجاح الواسع مع توفر بيانات معتمدة على كبر حجمها، وهو الأمر الذي يفرض على المنظمات إدارة البيانات واستغلال جهود ذكاء الأعمال في أعلى إمكانياتها لتحقيق النجاح في المنظمة.

​ 


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة