الأعراض الجانبية لقياس الأداء

تتجه الأجهزة الحكومية للاستفادة من قياس الأداء في مرافقها؛ لما له من أثر كبير على عمليات التحفيز والتعلم في المنظمة، كما أن قياس الأداء ضروري لما يقدمه من معلومات حول الأهداف ومدى إنجازها من جهة، ولأهميته في تطبيق الإستراتيجيات وتمكين الموظفين من جهة أخرى، كما تُشير أدبيات الإدارة العامة إلى أن قياس الأداء ضروري لجعل الأجهزة الحكومية أكثر قابلية للرقابة من خلال زيادة المساءلة المرتبطة بالأداء، ومن خلال تمكين القادة للتأثير على تصميم الخدمات العامة ذات الصلة بالأولويات الإستراتيجية. وبشكل عام فإن قياس الأداء يمتد ليشمل المخرجات والنتائج والكفاءة والفاعلية والعدالة في المستويات المختلفة للمنظمة.

ومن جهة أخرى، فقد تعرض قياس الأداء في العقود الأخيرة للانتقاد؛ وذلك بسبب بعض الأعراض الجانبية المُمكنة التي يسببها قياس الأداء على القطاع العام. وأحد الأسباب الجوهرية وراء هذا النقد هو أن قياس الأداء في القطاع العام يكون عادة غير شامل؛ لعدم مقدرته على تغطية جميع الأبعاد ذات الصلة بالأداء التنظيمي. وبالرغم من المحاولات الطموحة لكثير من منظمات القطاع العام في تطوير قياس أداء أفضل من خلال أنظمة قياس الأداء الشاملة، مثل بطاقة الأداء المتوازن والآليات المشابهة، إلا أن تعقيد وتداخل أنشطة الأجهزة الحكومية وانخفاض قابلية بعض الأنشطة للقياس يؤدي إلى صعوبة التغطية الشاملة لجميع أبعاد الأداء؛ وبالتالي فإن قياس الأداء قد يفشل في التركيز على تحفيز السلوك المرتبط بالأهداف والإستراتيجيات التنظيمية.

إن المشكلة الجوهرية المتمثلة في عدم شمولية قياس الأداء تُثير القلق حول امكانية ظهور بعض الأعراض الجانبية لقياس الأداء، مثل التلاعب، والتوجهات السلبية، وظهور ما يُعرف بالإزاحة السلوكية. فالتلاعب يُمكن أن يحدث من خلال السلوك العبثي الذي قد يقوم به المسؤول عامداً في نظام الرقابة للظهور بشكل إيجابي؛ بهدف تحقيق مزايا مادية أو معنوية في المنظمة. أما التوجهات السلبية فهي كالنزاع والتوتر والمقاومة المتكونة؛ بسبب نظام قياس الأداء الذي يتضمن مستهدفات غير واقعية أو يتضمن مجموعة من مقاييس الأداء غير الشاملة، والتي تفشل عادة في تقدير بعض الجهود المهمة للموظفين، مما يؤدي إلى انعدام الحافز في تعاون هؤلاء الموظفين. وتحدث الإزاحة السلوكية عندما تعمل نتائج قياس الأداء غير الشامل على تضليل المدراء والموظفين؛ مما يجعلهم يتوجهون للتركيز أكثر على آلية القياس، وعدم التركيز على تحقيق الهدف، مما يؤدي إلى قصر نظر في رؤية المسؤولين حول إستراتيجيات المنظمة.

إذاً فكما أنّ لبعض أنواع الدواء أعراضاً جانبيةً على صحة الإنسان، فإن لقياس الأداء أعراضاً جانبيةً مُحتملة على صحة المنظمة. وللتعامل الفاعل مع هذه الأعراض الجانبية، ينبغي أولاً معرفة المصدر الحقيقي لهذه الأعراض التي لا تعود فقط لتصميم قياس الأداء، بل تعود أيضاً لكيفية استخدام قياس الأداء، وكيفية تفاعل ممارسات قياس الأداء مع ممارسات الرقابة الأخرى في المنظمة-على سبيل المثال-تؤدي الرقابة الصرامة إلى تفاقم أعراض قياس الأداء غير الشامل حيث تُشير الأدبيات إلى وجود تفاعل بين تصميم قياس الأداء ومدى صرامة استخدامه بواسطة المدراء في المنظمة. فالرقابة الصارمة تزداد كلما استخدم المديرون قياس الأداء كأساس في تقييم المرؤوسين، وكلما اُستخدمت نتائج قياس الأداء لأغراض التعويضات المالية كاعتماد الميزانية المالية على أساس الأداء.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة