الإدارة الإستراتيجية في منظمات الرعاية الصحية

تحظى منظمات الرعاية الصحية في كافة دول العالم باهتمام كبير؛ وفقاً لأهميتها القصوى في مختلف الدول والمجتمعات سواء المتقدمة أو النامية، وقد واجهت هذه المنظمات العديد من المشكلات التي أثرت في أدائها العام، وبصفة خاصة في المجتمع الأمريكي الذي أولت مؤسساته الكثير من الاهتمام بموضوع الإدارة الصحية. وفي المقابل، فقد تطورت مفاهيم وممارسات الإدارة المعاصرة، وقد كان التوجه الإستراتيجي أحد أهم هذه المفاهيم والممارسات؛ لذلك سعت الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة إلى توظيف مفاهيم الإدارة الإستراتيجية في منظمات الإدارة الصحية. وهذا هو موضوع الكتاب الذي نقرأه معكم في هذا العدد من "التنمية الإدارية" بعنوان: "الإدارة الإستراتيجية في منظمات الرعاية الصحية"، تأليف: "بيتر م. جنت"، و"جاك دنكان"، و"لندا أي. سواين"، وقام بترجمته للعربية أ.د.طلال بن عايد الأحمدي، وراجع الترجمة أ.د.فريد توفيق نصيرات، وهو صادر في ترجمته العربية عن معهد الإدارة العامة.

يتكون الكتاب من تقديم، و10 فصول متنوعة، و3 ملاحق، ويبلغ عدد صفحاته 270 صفحة. ويشير مؤلفو الكتاب في التقديم إلى أن بيئة الرعاية الصحية شهدت تغيراً كبيراً منذ عقدين من الزمن، وذلك بعد أن كانت منظمات الرعاية الصحية تواجه صعوبات في التعامل مع بيئة تفاعلية، وخفض التكاليف، والموازنة بين القدرة والطلب، وهذه الصعوبات يمكن التغلب عليها من خلال تطبيق نهج الإدارة الإستراتيجية المنظم، وهو ما تم بالفعل. فقد قامت هذه المنظمات بتطوير عمليات هذا النهج، ووجد قادة الرعاية الصحية أن التفكير الإستراتيجي، والتخطيط، وإدارة الزخم الإستراتيجي هي مرتكزات أساسية؛ للتغلب على القوى المحركة لصناعة الرعاية الصحية، كما أن الإدارة الإستراتيجية أصبحت مظهراً من مظاهر القيادة الفعالة في مؤسسات الرعاية الصحية.

تحليل إستراتيجي شامل

يتطرق المؤلفون في الفصل الأول من الكتاب إلى استعراض "طبيعة الإدارة الإستراتيجية"، فيوضحان أن الإحصاءات تشير إلى أن تكاليف الرعاية الصحية ظلت تنمو بمعدل لا يمكن استدامته، حيث وصلت إلى 17,3% من الناتج المحلي الأمريكي الإجمالي في عام 2009م، وأشارت التوقعات إلى أن هذه التكاليف بلغت 19,3% من هذا الناتج عام 2019م، أي أنها زادت بمقدار 4 مرات مقارنة بنسبتها في الناتج المحلي الإجمالي في عام 1960م التي بلغت 5,1%. ومن خلال هذا الفصل يركز المؤلفون على تعريفات الإدارة الإستراتيجية، ومهاراتها، والتفكير الإستراتيجي، والتخطيط الإستراتيجي، وإدارة الزخم الإستراتيجي، والسبب الجوهري وراء الحاجة إلى الإدارة الإستراتيجية، ونموذج نظري أو خريطة للتفكير الإستراتيجي.

ويصحبنا الكتاب في رحلة تحليل شامل لموقف منظمات الرعاية الصحية وعالم الإدارة الإستراتيجية في الفصول من الثاني إلى الخامس، فيبين الفصل الثاني "فهم وتحليل البيئة العامة وبيئة الرعاية الصحية"، حيث يسلط الضوء على أهمية التأثيرات البيئية، والتغيرات السياسية والتشريعية والاقتصادية والتكنولوجية والتنافسية، ثم يطرح تساؤلاً يرتبط بالتفكير الإستراتيجي وهو: هل الأطباء محللو بيانات؟ ويوضح الطبيعة الخارجية للإدارة الإستراتيجية، وتحديد الحاجة للتحليل البيئي، وأهدافه، وقيوده، ومكونات البيئة العامة، ومكونات بيئة الرعاية الصحية، وعمليات التحليل البيئي، وأساليبه، وخاصة أسلوب السيناريوهات وتطبيقها في بيئة الإدارة الإستراتيجية لمنظمات الرعاية الصحية، ويقدم دروساً لمديري الرعاية الصحية. ويبرز الفصل الثالث من الكتاب ""تحليل منطقة خدمة المنافس"، من حيث الأهمية الإستراتيجية لتحليل هذه المنطقة، والتركيز في تحليلها، والعقبات التي تعترض هذا التحليل كالتحديد الخطأ للمنافسين، وتحديد حدود تلك المنطقة، ومحددات السوق/المنظمة، والتحليل الهيكلي لمنطقة الخدمة، وشدة المنافسة بين المنظمات الموجودة، وإجراء تحليل للمنافسين ورسم خريطة المجموعات الإستراتيجية من خلال تقييم نقاط قوة وضعف المنافسين وتوصيف إستراتيجياتهم وتجميع المنافسين حسب نوع الإستراتيجيات التي يظهرونها وتوقع الحركات التنافسية المستقبلية، والمبادرات الإستراتيجية من المنظمات الأخرى.

4 إستراتيجيات اتجاهية

ويعالج الفصل الرابع "التحليل البيئي الداخلي والميزة التنافسية"، فيدور حول إستراتيجيات التوجه: الرسالة، الرؤية، القيم والأهداف الإستراتيجية، حيث إن تطوير الرسالة يتطلب من أعضاء المنظمة أن يفكروا إستراتيجياً في تميزها وتطوير رؤية تسمح لهم بالتفكير في آمالهم بالنسبة لمستقبل المنظمة وبناء الوعي بقيمها، كما تمثل الأهداف الإستراتيجية أهدافاً واضحة تساعد على تركيز الأنشطة. ويجمل الفصل الخامس "الإستراتيجيات الاتجاهية"، فهذه الإستراتيجيات التي تم توضيحها في الفصل السابق تتحدد في 4 إستراتيجيات هي: الرسالة، والرؤية، والقيم، والأهداف الإستراتيجية؛ وسميت كذلك لأنها توجه الإستراتيجيين عند اتخاذهم القرارات المنظمية المهمة. فتحاول الرسالة التقاط الغرض أو التميز للمنظمة أو مبرر وجودها، وتخلق الرؤية صورة عقلية لما يريد القادة من المنظمة أن تحققه حينما تحقق هدفها، أما القيم فهي المبادئ التي يحملها أعضاء المنظمة ويعتزون بها ولا يتهاون فيها المديرون والموظفون، بينما الأهداف الإستراتيجية هي تلك النتائج النهائية الشاملة التي تسعى المنظمة إليها كي تنجز رسالتها وتحقق رؤيتها ورسالتها.

بدائل إستراتيجية

ويبحث المؤلفون في الفصل السادس "تطوير بدائل إستراتيجية"، من خلال منطق القرار في صياغة الإستراتيجية؛ إذ أن القرارات الإستراتيجية ترتبط بسلسلة الغايات والوسائل، ويجب أن يتناغم هذا القرار مع غيره. وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من البدائل الإستراتيجية المتاحة لمنظمات الرعاية الصحية، ويمكن لأي منظمة أن تتبع عدة إستراتيجيات مختلفة في الوقت نفسه أو بالتتابع، كذلك فإن صياغة الإستراتيجية تشمل: تطوير البدائل الإستراتيجية، وتقييم البدائل، والخيار الإستراتيجي. ويحدد المؤلفون 5 فئات من هذه الإستراتيجيات وهي: الإستراتيجيات الاتجاهية، والإستراتيجيات التكيفية، والإستراتيجيات التنافسية، وإستراتيجيات دخول السوق، وإستراتيجيات التنفيذ.

ويقوم المؤلفون في الفصل السابع بـ"تقييم البدائل والاختيار الإستراتيجيي"، فيوضحون كيفية تقييم البدائل الإستراتيجية لكل فئة من هذه الفئات.  وبالرغم من ذلك توجد طرق تقييم لا تسهم في صنع القرار واتخاذه بشكل جيد، ويمكن اعتبارها أفكاراً أو خرائط تساعد الإستراتيجيين على التفكير في المنظمة ووضعها في مكانها المناسب. وهناك اختيار إستراتيجي مهم يتعلق بأن تنفيذ كل ذلك يتطلب وجود المديرين الإستراتيجيين. ويتناول الفصل الثامن من الكتاب "إستراتيجيات تقديم الخدمة المضيفة للقيمة"، أو تطوير خطط التنفيذ، من خلال إبقاء أو تغيير إستراتيجيات ما قبل الخدمة، وفي أثناء الخدمة، وما بعد الخدمة. ويشدد المؤلفون على وجوب تحديد المديرين الإستراتيجيون السمات الأساسية في توزيع الخدمة؛ للتأكد من أنها تسهم بشكل ممتاز في إنجاز الإستراتيجية.

تطوير خطط العمل

ويدور الفصل التاسع من الكتاب حول "إستراتيجيات الدعم المضيفة للقيمة"، فيسلط المؤلفون الضوء على دور كل من: الثقافة التنظيمية، والهيكل التنظيمي والموارد الإستراتيجية. كما يبرزون دور الثقافة المنظمية وتغييرها، والهيكل المنظمي، والموارد الإستراتيجية، وإدارة قوة الدفع الإستراتيجية، وتكنولوجيا المعلومات ومصادرها باعتبارها من بين أهم إستراتيجيات الدعم المضيفة للقيمة. ويختتم المؤلفون كتابهم بالفصل العاشر الذي يناقشون من خلاله موضوع "توصيل الإستراتيجية وتطوير خطط العمل"، حيث يعرضون كيفية ترجمة الإستراتيجية بأهداف على مستوى الوحدات التنظيمية وخطط العمل؛ لإنجاز الأهداف. فهذه الوحدات يقع على عاتقها تنفيذ هذه الإستراتيجية. ويجب على المديرين في هذا الشأن مراجعة الأهداف وخطط العمل؛ للتأكد من أنها متسقة معاً؛ ولضمان الاستخدام الأمثل للموارد البشرية، والطبيعية، والمالية. ويرى المؤلفون أن خطط التنفيذ تتعلق بترجمة الإستراتيجية الاتجاهية والتكيفية ودخول السوق التنافسية إلى مهام وواجبات عمل (أفعال محددة تحقق الرسالة والرؤية والقيم والأهداف والإستراتيجيات، وإستراتيجيات الدعم وتوصيل الخدمة المضيفة للقيمة. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هذه الأفعال مسؤولية الأفراد داخل المنظمات، وأن تكون جزءاً لا يتجزأ من وظائفهم، ويجب بناء كل وظيفة لتوضح كيف تسهم في الخطة الإستراتيجية.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة