رئيس الجمعية السعودية للإدارة د.ناصر آل تويم: الإدارة "الصفرية" تجربة رائدة في المملكة وثلاثية "النجاح والريادة" بداية التطوير

  • ​رؤية المملكة 2030 رؤية طموحة شاملة مرتبطة ببرامج تحول ومربوطة بمؤشرات قياس للأداء
  • ما يملكه الإسلام من شرائع وقيم أعظم وأشمل مما قدمه "تيلور" و"مازلو" و"سايمون" و"دراكر"
  • الجمعية السعودية للإدارة تقدم خدمات متنوعة للمجتمع و"جائزة التميز الإداري" هي الأحدث
  • غياب التنمية الأخلاقية للمديرين وقادة المنظمات هو الحلقة المفقودة في تدريس العلوم الإدارية
  • معهد الإدارة العامة علامة فارقة في تحقيق التنمية الإدارية ومن أهم الأجهزة المعنية بمساندة قطاعات الدولة

 

 

أكد رئيس الجمعية السعودية للإدارة د.ناصر بن إبراهيم آل تويم أن رؤية 2030 هي رؤية طموحة وشاملة، وأن إنجاز مستهدفات الرؤية يتطلب إعادة تشكيل المنظومة الإدارية بما يلبي احتياجات البلاد. كما قدم خبير الإدارة الكثير من التوصيات المهمة لتعزيز التنمية الإدارية، وشرح لنا الكثير من التفاصيل المهمة حول التجربة الإدارية في المملكة، والتي تتعرفون عليها في هذا اللقاء الثري.

أجرى الحوار: سامح الشريف

"صفوة الجوائز"

  • تبذل الجمعية السعودية للإدارة جهوداً مميزة في نشر الوعي والثقافة الإدارية في المجتمع، هل يمكن أن تطلعنا على أهم هذه الجهود؟

إن الجمعية السعودية للإدارة، باعتبارها أحد الجمعيات العلمية بجامعة الملك سعود، وانطلاقاً من دورها الكبير، قد تمكنت بفضل من الله، ثم بدعم سمو الرئيس الفخري السابق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع-يحفظه الله-ثم بدعم الرئيس الفخري الحالي صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن سلمان بن عبد العزيز، وأعضاء الشرف وجهود أعضائها، من تطوير منتجاتها ومواصلة رسالتها؛ حيث تقدم الجمعية خدمات لا متناهية للمجتمع الإداري، وتعزيز الثقافة الإدارية والتنمية الإدارية بشكل عام، وذلك من خلال أعضائها الذين تجاوزوا أكثر من (خمسة ألاف عضو) عملوا من خلال 8 فروع لتقديم أكثر من 35 منتجاً وخدمة شملت إطلاق جائزة التميز الإداري وتشغيل مراكز حيوية يحتاجها المجتمع الإداري السعودي بلغت 15 مركزاً، من أهمها مركز الاعتماد الإداري للتدريب وآخر للاستشارات، حيث ستسهم-بإذن الله-في سد بعض الفراغات التنظيمية والغياب المؤسسي، ولعل من أبرز المناشط الأخرى للجمعية: الملتقيات الإدارية، وملتقيات التدريب والتنمية، وحوار على المكشوف، والمنتديات الإدارية، وتنظيم ورش العمل وتنفيذها، وإقامة الأمسيات الإدارية المتخصصة، وتأليف الكتب الإدارية وترجمتها، وعرض التجارب الإدارية المحلية والعالمية، ومبادرات المسؤولية المجتمعية، وإصدار عدد من المجلات الإدارية بشكل دوري أو فصلي؛ كالمجلة العلمية المحكمة، ومجلة أفاق الإدارة، ومجلة التدريب والتنمية، ومجلة شباب الإدارة، ومجلة القيادة، وغير ذلك الكثير لتجويد الممارسات الإدارية.

وإن شاء الله قريباً وبعد موافقة المجلس العلمي لجامعة الملك سعود سيتم نشر مجلتين علميتين محكمتين وهما: " نزاهة"، و"جودة"؛ لكي تسهمان في سد النقص في تلك الاحتياجات العلمية المرجعية وتوفير أوعية لإثراء المكتبة السعودية في تلك المجالات المتخصصة والهامة.

كما حرصت الجمعية السعودية للإدارة على طرح جائزة نوعية تطرح لأول مرة على مستوى المملكة؛ بل والشرق الأوسط نظراً لشموليتها سميت باسم "جائزة التميز الإداري"، علماً بأن هناك مساعٍ حثيثة لكي تسمى بأحد ولاة الأمر-يحفظهم الله-وهذه الجائزة ستكون بإذن الله تعالى "صفوة الجوائز"؛ نظراً لأنها تغطي 14 فئة ، وتغطي كافة المنظمات والمبادرات والأفراد، بل وتشمل فئة للمنظمات السعودية الحكومية المتميزة في الخارج،  حيث أنه من المؤمل-بإذن الله تعالى-أن تصبح هذه الجائزة "بيت خبرة معياري مرجعي" يضاهي جوائز عالمية وإقليمية ومحلية في هذا المجال؛ مثل جائزة "مالكولم بولد ريج" الأمريكية، وجائزة "ديمينج" اليابانية، وجائزة "الجودة" الأوروبية، وجائزة "محمد بن راشد آل مكتوم للإدارة العربية"، وجائزة "الملك عبدالعزيز للجودة"، وجائزة "الأمير محمد بن فهد" للأداء الحكومي المتميز.

ونبشركم بأنه ولله الحمد تم تدشين فئة القيادة والتي تضم الشخصية القيادية المتميزة حيث تشرفت الجمعية بالإعلان عن الفائز بهذه الفئة وهو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-يحفظه الله ويرعاه-وفاز أيضاً بفئة الشخصية الريادية المتميزة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع-يحفظه الله ويرعاه، كما فاز بفئة المنظمة الحكومية القيادية المتميزة مقام وزارة الداخلية. والآن الجمعية تستعد لطرح بقية الفئات، إضافة إلى عمل الترتيبات اللازمة لتسليم هذه الجوائز بما يليق بمقام الفائزين في الدورة الأولى.

كذلك استطاعت الجمعية بناء تحالفات وشراكات محلية وإقليمية ودولية، تُوجت بتمثيل الاتحاد العربي للمدربين ومن خلاله أيضاً التعاون مع الاتحاد الدولي للمدربين والمتحدثين. وقد حصلت الجمعية كذلك على الحق الحصري في إطلاق أضخم برامج الـ"كوتشينج" العالمية وهو  The Growth Coach.

وختاماً فقد تشرفت الجمعية مؤخراً بتكريم خاص من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سعود؛ لحصول الجمعية على جائزة أفضل جمعية إنسانية من بين الجمعيات العلمية بجامعة الملك سعود، وذلك خلال الملتقى الخامس للجمعيات العلمية الذي نظمته جامعة الملك سعود خلال الفترة من 18-19/ 7/ 1439هـ الموافق 4-5/4/2018م.

"التنمية الأخلاقية الإدارية"

  • كيف تقيم تدريس العلوم الإدارية في المملكة ومستوى التطور الذي وصلت إليه هذه العلوم؟

كما هو معلوم لم تكن العلوم الإدارية، وبالأخص نظريات الإدارة قد غُرست عندما بدأ الناس "يمارسون الإدارة". لكن الإدارة بفروعها المختلفة كمادة علمية وكتخصص أكاديمي بدأت عندما بدأ الناس ينظمونها ويضعون اللبنات الأولى لمصطلحاتها ونظرياتها؛ وبالتالي أصبحت تلك الترتيبات العلمية والوصفات الأكاديمية خرائط طرق ووسائل تجويد وتمهين لأجل إدارة أفضل للأشياء وقيادة أفضل للناس.

ومن هنا وعندما ظهرت المدارس الإدارية والنظريات الفكرية، أصبحت الإدارة علماً يمكن تعلمه وتعليمه. وقد كانت الرحلة طويلة لتأسيس تلك العلوم عندما ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية موطن الإدارة كعلم وتخصص أكاديمي وأيضا مسرحاً للتطبيق والممارسة على نطاق واسع، والشيء نفسه ينطبق إلى حد كبير على المملكة مع الاختلاف في الدرجة والنوع، لكن بإنشاء كليات الإدارة وتعدد مصادر الابتعاث للحصول على درجات علمية في حقول الإدارة المختلفة تم اختصار الزمن في بناء المنظومة التعليمية الإدارية في مجالات الإدارة؛ لأجل الوصول للتمكن والتمكين العلمي الإداري، فقد تخلل ذلك محطات مثيرة ومشوقة وفي الوقت نفسه عقبات كثيرة ولا تزال رغم الانجازات كماً وكيفاً.

ورغم التوسع الرأسي والأفقي في مجالات العلوم الإدارية؛ فإنه ووفقاً للأجندة الإدارية المنبثقة من رؤية المملكة 2030 وبرامجها المتعددة، فإن الأمر يحتاج إلى عناية أكبر واهتمام أكثر بحكم كون الإدارة كفكر وممارسة-(التعليم والتدريب الإداري)-أينما كانت هي القطاع المناط به مسؤولية إعداد جيل مؤهل من القيادات والإداريين لتحمل المسؤولية وإشغال مختلف الوظائف في دوائر الدولة ومنشآت القطاع الخاص ومنظمات القطاع الثالث.

من هذا المنطلق وارتكازاً إلى الدور الذي تتحمله القيادات بالمنظمات وتحملها مسؤوليات في مراحل العملية الإدارية من تخطيط وصناعة السياسات واتخاذ القرارات والمتابعة، حيث إن تجويد ذلك وإتقانه يتوقف عليه نجاح المنظمات في تحقيق أهدافها؛ لذا فإن الأمر يستلزم العمل على بناء قيادات تتمتع بقدر عالٍ من التأهيل والمعرفة والمهارة، إضافة إلى التوازن الاجتماعي والرقي السلوكي. وعندما ينال التعليم-وبالأخص التعليم الإداري-حقه من العناية؛ فإنه-بإذن الله-سيكون قادراً على توليد أجيال إدارية بفكر قيادي متجدد.

إن أهم استثمار لأية أمة يتلخص في مناهج وبرامج صناعة القادة، والمعني بذلك بشكل مباشر هو التعليم الإداري؛ وبالتالي فإن الاستثمار في ذلك هو استثمار تنموي طويل الأجل، وهو مفتاح النجاح والريادة. وهو السبيل الأكثر فعالية وملائمة لترجمة الرؤية الملكية والتي تنص على مقولة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله: "هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك بإذن الله".

وكما هو معلوم، فإن النجاح والريادة لا يمكن أن يتحققا مالم يكن هناك عدة ركائز ومتطلبات أساسية، سأركز على الأهم؛ لأنه المفتاح لكل هم إداري وتخلف تنموي، وهو ما أسميه "التنمية الأخلاقية الإدارية". فالتركيز على النظريات والطرائق العلمية الإدارية التقليدية يعتبر تقصيراً في استيعاب التطورات والمتغيرات السريعة في بيئة الأعمال الحكومية والخاصة وفي مواكبة الأساليب الإدارية المعاصرة التي هي متطلب أساسي لتحقيق مستهدفات رؤية 2030 وبرامجها ومبادراتها الطموحة.

إذاً فالحلقة المفقودة في تدريس العلوم الإدارية، وينعكس ذلك على مستوى الممارسة لاحقاً، يُعزى إلى غياب التركيز على التنمية الأخلاقية للطلاب (مدراء وقادة منظمات المستقبل)، حيث أن التركيز يتم على النظريات الإدارية المجردة، رغم أن المدارس والنظريات العلمية التقليدية في الإدارة تعاني من خلل في توجهاتها وتركيبها.

وهذا يتطلب من الجميع وفي كافة القطاعات التعليمية والتطويرية وعلى مختلف المستويات العمل على الارتقاء بأن تكون المملكة في كافة مخرجاتها العلمية والمهارية، وبالتالي الخدمية والإنتاجية، معياراً في تحقيق وتجويد المعدلات التنموية العالمية المنشودة وبالأخص العمل بكفاءة وفعالية، والمسؤولية الأولى تقع على من هم في سدة الإدارة والقيادة. فالتقدم الحضاري والريادة التنموية لا تتوقف على ما تملكه الأمة من ثروات طبيعية وإنما النهضة الحقيقية للأمم تنبع من الثروات البشرية؛ فهي القادرة على صناعة وقيادة التقدم، بل هي مفتاح النجاح والتميز لأي منظمة صغيرة كانت أم كبيرة بل للمنظمات والدول، وهذا هو مطلب الادارة وجوهر القيادة فكراً وممارسة.

إن ما يملكه الإسلام من شرائع وقيم، وما ورثناه من أسلافنا من أخلاقيات وشيم يعد أعظم وأنبل وأشمل مما خلفه "تيلور"، و"ويبر"، و"مايو"، و"مازلو"، و"سايمون"، و"دراكر"، وخلافهم. إن شريعتنا وقيمنا وتراثنا تسمو بالإنسان لكي يسمو بنفسه ويعلو بالمجتمع والمنظمات التي يقودها نحو مثالية لن تتحقق أبداً.

وبرغم المثالية التي ندعو لها استجابة لمفهوم الرؤية التنموية في الإسلام والتي تقوم على التنمية الأخلاقية والإدارة بالإحسان والاتقان، فيجب علينا المجاهدة لكي نقترب منها فهذا هدف يستحق منا المحاولة بدون كلل أو ملل؛ لأنه الأمل لعودة الأمة لعزتها وكرامتها وريادتها للعالم أجمع.

والجمعية السعودية للإدارة تعتزم-إن شاء الله-خلال العام الدراسي القادم عقد الملتقى السعودي الأول للتحول من الإدارة للقيادة بعنوان: "التعليم والتدريب الإداري في المملكة إلى أين في ضوء رؤية 2030"، بشعار "نحو تعليم وتدريب إداري ذكي ومتميز".     

جهود المعهد ومساهماته

  • يسعى معهد الادارة العامة باعتباره رائداً وشريكاً في التنمية الإدارية إلى رفع مستوى موظفي الأجهزة الحكومية بما يسهم في تحسين أساليب الإدارة الحكومية، كيف ترى ذلك؟

لا يشك أحد في أن الإدارة تلعب دوراً حاسماً في تقدم الأمم والمجتمعات في مختلف أرجاء العالم. ويشير أبرز منظري علم الإدارة "هنري فايول" إلى أن الفرق بين منظمة ناجحة وأخرى فاشلة، إلى أن هناك مديراً ناجحاً أو مديراً فاشلاً، وينطبق ذلك على كافة شؤون الحياة؛ لذلك أدركت معظم الدول هذه الأهمية وسعت إلى  إيلاء التنمية الإدارية أولوية في  سياساتها وبرامجها إدراكاً منها أن النجاح في التنمية الإدارية يعني نجاح المجتمع بتحقيق التنمية في كافة قطاعاته المختلفة، الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية، وبما ينعكس في النهاية على رفع مستوى المعيشة لأفراد ذلك المجتمع وتحقيق الرفاهية لعموم أفراد المجتمع.

ويأتي معهد الإدارة العامة في المملكة كعلامة فارقة في تحقيق درجة عالية من التنمية الإدارية، وهو بطبيعة الحال في طليعة الأجهزة المعنية بشكل مباشر في مساندة كافة قطاعات الدولة في إنجاز متطلبات التنمية الإدارية سواء من خلال تقديم الخدمات التدريبية لرفع مستوى كفاءة أداء الموظفين بوحدات الجهاز الإداري للدولة على مختلف مستوياتهم الوظيفية، أو من خلال تقديم الخدمات الاستشارية في مجال الإدارة لتلك الأجهزة بغية الارتقاء بأدائها.

وللمعهد جهود بارزة في بحث ودراسة التحديات الإدارية التي تعوق تنفيذ خطط وبرامج الدولة التنموية، والوصول إلى حلول مناسبة لمعالجتها. كما أن إسهاماته في مجال إثراء الفكر الإداري من خلال التأليف والنشر في مجالات الإدارة المختلفة وإيجاد أوعية للنشر الإداري ومكتبات تقليدية ورقمية تعتبر شواهد على إتاحة المعهد كل السبل لتحسين أساليب الإدارة الحكومية.

ولعل ما يحسب للمعهد كذلك تمدد نطاقه الخدمي لكي يشمل تقديم خدمات تدريبية واستشارية وبحثية للقطاع الخاص، والمساهمة في تأهيل العاملين فيه وفقاً لاحتياجات سوق العمل كجزء من رسالة المعهد في تعميم التنمية الإدارية لكي تعم أرجاء الوطن. ولعل تلك الخطوة يصاحبها تمدد في نطاقه الجغرافي لكي يشمل كافة مناطق المملكة الإدارية.

وأخيراً وليس آخراً فإن التوسع في مجالات تعاون المعهد مع الجهات النظيرة في الدول الأخرى وتبادل الخبرات في مجال الإدارة العامة وعقد المؤتمرات المشتركة يمثل جهداً ذكياً واحترافياً في تسريع الاستفادة من تجارب الغير؛ على أساس أن العالم بشهد تطورات متسارعة في كافة الحقول ويأتي في مقدمتها عالم الإدارة، فالعديد من النظريات والممارسات والتجارب لا يزال يظهر الجديد منها بين فترة وأخرى وسيظل البحث مستمراً ودائماً لتحقيق الكفاية الإدارية في سبيل تحقيق التنمية الإدارية التي هي مفتاح التنمية الشاملة.

المبادرات والصدمات الإيجابية

  • تسعى رؤية المملكة 2030 إلى تحقيق تحولات نوعية في مختلف قطاعات المملكة، كيف يمكن للإدارة الحديثة أن تسهم بدور فعال في تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي؟

نظرا لأهمية الإدارة والقيادة وأنهما مفتاح النجاح والتميز لأي منظمة صغيرة كانت أم كبيرة بل للمنظمات والدول؛ لذا فإن إنجاز مستهدفات الرؤية يتطلب ابتداءً إعادة تشكيل المنظومة الإدارية بما يتوافق ويلبي احتياجات البلاد والعباد. ولعل من الأولويات في هذا الجانب صنع وتنمية القيادات الإدارية وتهذيب الأنظمة والمنظمات والقضاء على التشوهات البيروقراطية وأشكال الفساد الإداري والمالي والتركيز في تأدية الخدمات الحكومية على منطق الخدمة وزيادة التمكين الإداري للمحليات والأطراف وتسريع تعميم تطبيقات الإدارة الالكترونية، مع معالجة ظاهرة الجزر المنعزلة والمتناثرة بين مكونات الجهاز الحكومي، وكل ذلك لن يتم بالشكل المطلوب دون توافر ما أسميه ثلاثية النجاح والريادة الحضارية، والتي تتمثل في قيادة فاعلة ورؤية ثاقبة وثروة بشرية تتمتع بالقوة والأمانة.  

ومما يبعث على الأمل بإصلاح منظومة القطاع الإداري لكي يكون قادراً على انجاز خارطة طريق رؤية 2030 ومستهدفات برامج التحول، أنه وللمرة الأولى في تاريخ المملكة تطرح رؤية طموحة شاملة مبرمجة ببرامج تحول ومربوطة بمؤشرات قياس للأداء لتسلق السلم الحضاري لأجل الوصول للريادة على مختلف الأصعدة، من خلال استخدام ممكنات سباق الـ 100 متر وليس السباق الماراثوني كما كان سابقاً. وهذا يتضح بشكل جلي بقيام مهندس الرؤية الريادي الشاب الملهم سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد-يحفظه الله-بقيادة برامج الإصلاح بمفهوم الإدارة بالمبادرات وبالصدمات الإيجابية، ليس فقط لأجل تعويض ما فات وليس أيضاً للحقاق بركب من سبقنا وإنما لتحقيق الريادة والقيادة التي رسمها ولي الأمر في رؤيته حيث أن طموحات الوطن تعانق السماء كما ذكر ذلك قائد الرؤية.      

ومما يذكر ويشكر في هذا الجانب "برنامج التحول الوطن "2020المعدل كأجندة إدارية متكاملة؛ حيث يتضمن حزمة البرامـج الهادفة لتطـوير العمـل الحكومــي وتأسيـس البنيـة التحتيـة اللازمة لتحقيق الرؤية واستيعاب طموحاتها ومتطلباتها، ويتمحور الهدف الأساسي للبرنامج في بنـاء القـدرات والإمكانـات اللازمة لتحقيـق الأهداف الطموحـة لـرؤية السعودية 2030، حيث ظهـرت الحاجة إلى إطـلاقه كبرنامج متخصص لتحقيق الرؤية. وقد أُطلق هذا البرنامج عام 2016م وتم تحديثه في 2017م و2018م؛ ليتماشى مع خطط تحقيق رؤية السعودية2030 ليكون العمود الفقري لكافة برامج الرؤية الـ 12 الأساسية، وكذلك البرامج التخصصية المنبثقة عن كل برنامج. كما يهدف هذا البرنامج لتسريع عملية تحقيق التميز في الأداء الحكومي، وتعزيز الممكنات الاقتصادية، والارتقاء بمستوى الخدمات المعيشية، وذلك من خلال الإشراف على وتيرة سرعة تنفيذ مشاريع البنية التحتية الأساسية والرقمية، وإشراك المستفيدين وذوي العلاقة في التعرف على التحديات وابتكار الحلول، ومســـاهمتهم في التنفيذ، وتقييم أداء مبادرات كل برنامج.

الحلم السعودي

  • توجد العديد من التجارب الدولية في الإدارة والتنمية الإدارية، هل يمكن أن نرصد وجود مدرسة سعودية في الإدارة والتنمية الإدارية، وما أهم سمات التجربة الإدارية في المملكة؟

إن عملية البحث عن أفكار ونظريات ومفاهيم إدارية جديدة وتقديمها للمتخصصين والمهتمين والقياديين والمتطلعين إلى مراكز الإدارة يعد عملاً إدارياً جديداً ومن صميم المسؤولية الاجتماعية للإدارة؛ نظراً لحاجة المنظمات لفكر إداري تجديدي يتواكب مع متطلبات رؤية 2030 ومستهدفات برامج التحول التي نتعايش معها اليوم وتختلف اختلافاً كبيراً عن نظائرها في الماضي القريب.

إننا-كل حسب موقعه-يجب أن نسعى ونظل نعمل-بإذن الله-وتوفيقه لكي نجعل ما أسميه الحلم السعودي حقيقة ونصنعه لكي يكون مصدراً للحلم العربي وللإلهام العالمي، إن سقف الانجازات البشرية اللامتناهي في العصر الحالي تتعاظم، وجهود الاصلاح والتغيير والتطوير لا تتوقف، لكن تظل المشكلة هي المشكلة بل وتتفاقم، فالمشكلة التي تعيشها البشرية هي أن الانسان في سبيل التنمية يغلب عليه تصوير نفسه على أنه مجرد مخلوق اقتصادي ويغيب عنه أنه هو الإنسان الذي هو كائن فريد في نوعه، كرمه مولاه على سائر المخلوقات. وهل ترتقي الأمم إلا بخلق أشم وبرفعة قلم وسمو همم.

وبالتالي فإن "الإدارة الصفرية" كعنوان آسر ومعبر هو مربط الفرس والرهان؛ وبالتالي يجب أن يكون هو عنوان المرحلة القادمة والتحدي القادم. إن السمو في توسعة الأخلاقيات والقدرات والإمكانيات؛ وبالتالي سمو الانجاز يجب أن يلامس كل متطلبات الحياة، حياة تسمو بالروح والجسد والرحمة والتكافل والأمن والعدالة في كل شيء.

إن العمل على الـ"تصفير" على المستوى الكلي لأوجه الفساد والانحرافات، كما أكد على ذلك قائد الرؤية سمو ولي العهد-يحفظه الله-يجسد هذا التوجه كما هو الحال في التوسع في التطبيقات الحكومية وايجاد حكومة بلا ورق وقس على ذلك كتصفير الديون والقروض أو على المستوى الجزئي كتقليل زمن الانتظار في إنجاز الخدمات وتلبية الطلبات وتقليل الأخطاء وأنواع الهدر إلى الصفر تقريباً، كل ذلك مطلب شرعي وأخلاقي ووطني وهو من متطلبات الإدارة الأخلاقية الصفرية، حيث تقوم على معادلة التزاوج بين الأخلاق العملية (الكفاءة والفعالية والمسؤولية) وبين تعظيم المخرجات الكلية باستخدام التكنولوجيا، وهذا هو توجه حكومي لا رجعة فيه، فنحن نرى أننا أمام تجربة إدارية جديدة وثرية تتشكل من خلال مدرسة الأمير محمد بن سلمان الإدارية التي جعلت الوطن يعيش بكل أطيافه في ورشة عمل حقيقية يلمس منتجاتها القاصي والداني، إنها الإدارة بحزم والقيادة بلا مستحيلات. ويأتي هدف تصفير الاعتماد على النفط كهدف حلم لرؤية مجد جديد. إن النظرية الصفرية التي تتشكل لا تعرف المستحيل؛ بل تعرف التحدي والنجاح والريادة، فسمو الأمير محمد يعتبر من الرجال الذين قصدهم المتنبي بقوله "على قدر أهل العزم تأتي العزائم". ​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة