تسويق الخدمات العامة..مفهوم جديد للإبداع الإداري في العمل الحكومي
  • ​د.عبيد العبدلي: الإيمان بالتسويق في القطاع الحكومي توجه يتواكب مع رؤية 2030
  • د.أحمد بن سهيل عجينة: الفكر التسويقي إبداع إداري يخلص المنشآت الحكومية من البيروقراطية
  • محمد حطحوط: غالبية الهيئات الحكومية لديها أزمة في الاتصال والسبب غياب الكفاءات البشرية
  • مروى إبراهيم: نجاح أي جهة حكومية يرتبط بالقدرة على الترويج لخططها وبرامجها

 

لم تهتم الكثير من الجهات الحكومية بإنشاء أقسام للتسويق فيها؛ لأنها ترى أنها لا تقدم سلعاً يتم بيعها للجمهور، وإنما تقدم خدمات مجانية لا تقدمها جهات أخرى منافسة، وهي رؤية لم يعد لها وجود في العصر الحالي الذي يعتبر فيه التسويق الوسيلة الأساسية للتعريف بالجهة وإبراز هويتها وتحسين صورتها الذهنية وإدارة سمعتها لدى أفراد الجمهور. وتبرز أهمية هذا التسويق في ظل ثورة المعلومات والاتصالات وظهور التسويق الرقمي المعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي؛ ولهذا بدأت بعض الجهات تنشئ أقساماً للتسويق وتسعى لتسويق خدماتها، وهو ما يعمل على تطوير فلسفة العمل الحكومي ويساعد في تطوير أداءها في ظل التوجه نحو التخصيص.

 

مفهوم جديد

من جانبه، يشير د.عبيد بن سعد العبدلي-عضو مجلس الشورى-إلى أن إيمان القائمين على التسويق بالقطاع الحكومي بأهمية التسويق وضرورته أدى إلى إنشاء مراكز اتصال تسويقي ومراكز أبحاث تسويقية، وهذا توجه محمود ويتواكب مع رؤية 2030. فالخطاب الحكومي لابد أن يتغير مع تغير وعي المواطنين، ومع رؤية المملكة 2030، وكل وزارة وإدارة حكومية لديها مسؤوليات لابد عليها أن تتواصل جيداً مع المستفيدين من هذه الخدمات.

ويضيف د.العبدلي: "إن أية منظمة تريد أن تنجح في المجتمع السعودي، يجب عليها أن تهتم بخدمة العملاء، والوسائل كثيرة في هذا الشأن، فعليها أن تعرف الكثير عن رضا المستفيدين وأن تستمع لهم وتتواصل معهم وتحل مشاكلهم، وعلى المؤسسات أن تدرك أن خدمة العملاء ليست مجرد أن يكون لدى العميل أو المستفيد مشكلة مع المؤسسة وأن يتواصل معهم بشأنها، فخدمة العملاء أعم وأشمل من هذا بكثير".

إحداث الفرق

ويرى محمد حطحوط-الأكاديمي المتخصص في التسويق-أن أغلب الوزارات والهيئات الحكومية لديها أزمة في بند الاتصال؛ وسبب ذلك غياب الكفاءة البشرية لموظف يدرك أبجديات التسويق ويفهم تطبيقاته المختلفة في القطاع الخاص، وكيف يمكن نقل ما يمكن نقله للقطاع الحكومي.

ويضيف حطحوط: "أي وزارة اليوم تريد تغييراً حقيقياً في إستراتيجيات التواصل مع شرائحها المختلفة، لا بد أن تستحدث منصب مدير التسويق؛ لأن أقسام العلاقات العامة في غالب الجهات الحكومية اليوم تحتاج لجراحة تسويقية لتدخل القرن الحادي والعشرين. وتدخل لعملية تحليل المحتوى والإعلان عن طريق النقر بقوقل، وإعادة الاستهداف، وإدارة السمعة، وسلسة طويلة من التطبيقات المتعارف عليها في قطاع الأعمال.

ويقول حطحوط: هذا ليس خياراً، هذا ضرورة..هذا توجه العالم، وهو شرارة بدأها الأمريكي "ديفيد أسبورن" في التسعينات بكتابه الشهير المعنون: "إعادة اختراع الحكومة"، لإعادة هندسة القطاع الحكومي باستخدام تقنيات القطاع الخاص، وهو كتاب قال عنه الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" (هذا الكتاب أعطانا خارطة طريق في المجال الحكومي)، تلاه بعد ذلك الأب الروحي للتسويق الحديث "فيليب كوتلر" في كتابه المميز بعنوان: "التسويق في القطاع الحكومي"، ثم انتقلت شرارة التسويق في أمريكا لكل الوزارات والهيئات، بل حتى المؤسسات العسكرية؛ كالحرس الوطني والجيش الأمريكي إذ تم استحداث مدراء تسويق. نحن في الوطن العربي ما زلنا في عصر العلاقات العامة وهو جزء صغير من العملية التسويقية الضخمة. والبداية من استحداث منصب مدير للتسويق، وتعيين متخصص في إدارتك الحكومية ليحدث الفرق".

4 أسباب

ويشخص د.أحمد بن سهيل عجينه-رئيس قسم التسويق بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز-المشكلة بقوله: "لا توجد أقسام للتسويق في الكثير من الأجهزة الحكومية، ولعل ذلك يعود إلى 4 أسباب: أولها هو الربط بين الحاجة لوجود قسم التسويق ووجود المنافسة، والسبب الثاني أن الجهات الحكومية لا تبيع السلع وغالب الخدمات التي تقدمها مجانية، ثم السبب الثالث وهو أن جزءًا كبيراً من دور الوزارات والمؤسسات الحكومية فيما يتعلق بالقطاع الخاص هو تسيير الأعمال، أما السبب الرابع فهو حصر فهم التسويق على الإعلان والمبيعات.

ويضيف د.أحمد عجينة: "وحقيقة الأمر أن المنافسة والبيع ليسا شرطين لوجود إدارة للتسويق في الوزارات؛ لأن أهداف التسويق تتنوع فمنها تطوير الخدمات الحكومية، وتعزيز الصورة الذهنية، وتوعية الناس، وبناء نموذج لممارسات تسويقية رسمية رائدة".

ويرى أستاذ التسويق أن الفكر التسويقي هو حل إداري إبداعي يسعى إلى تطوير المنشآت والخروج بها من حلقات البيروقراطية والنمطية اللامتناهية. ومهام قسم التسويق في الوزارات قد تشتمل على تطوير الخدمات الحكومية، وتسعير الخدمات، وإستراتيجيات الانتشار ودراسة أماكن التواجد، وإدارة العلامات التجارية وإدارة السمعة والصورة الذهنية، والتسويق الاجتماعي والاتصالات التسويقية، وتطوير خدمة العملاء (المراجعين)، وتطوير الشراكات الإستراتيجية لخدمة أفضل، والدراسات التسويقية، ومراقبة الأداء ورضا العملاء في الخدمات المقدمة، وفعالية أكبر لسماع شكاوى واقتراحات العملاء، وإدارة المحتوى والتواصل الاجتماعي والتسويق الداخلي.  كذلك فإن وجود إدارة للتسويق في الوزارات سوف يعزز دور المركز الإعلامي وإدارة العلاقات العامة من خلال وضع إستراتيجية اتصال متكاملة.

التركيز على المستفيدين

وتلفت خبيرة التسويق مروى عيد إبراهيم إلى أنه لا يعد من المبالغة القول بأن جزءًا كبيراً من النجاح الذي حققه القطاع الخاص يرجع إلى اتباعه السياسات والخطط التسويقية الفعالة، وهو ما دفع المسئولين في القطاع الحكومي إلى دراسة أسباب تميز قطاع الأعمال، والذي يكمن أساساً في تطبيق الفكر التسويقي، وهو ما جعل الحكومات تتبنى هذا المفهوم؛ بهدف إنجاح خدمات القطاع العام وتحقيق رضا المستفيدين.

فقد باتت الحكومات المتميزة تنتهج النهج التسويقي نفسه المطبق في قطاع الأعمال، حيث ترى خبيرة التسويق أن الحكومات أصبحت تقوم بإعداد خطط تسويقية لخدماتها وتتنافس على إرضاء المستفيدين الذين أصبح التركيز عليهم والتعرف على احتياجاتهم ورغباتهم والعمل على تلبيتها وإشباعها وتسخير جميع الوسائل والأدوات من أجل تحقيق ذلك، وهو ما يعد من أهم ركائز الفكر التسويقي في القطاع الحكومي.

وتشير مروى إبراهيم إلى أن نجاح أي جهة حكومية يرتبط بمدى القدرة على الترويج والتسويق لها؛ فلا يتحقق النجاح الأمثل في قطاع السياحة الحكومي-على سبيل المثال-إلا بتخصيص الموارد والجهود لتسويقه واعتماده كوجهة سياحية وتجارية متميزة. ومن جهة أخرى فإن مصروفات قسم التسويق هي المصروفات الوحيدة التي يمكنها أن تدر دخلاً على الجهة الحكومية؛ فكلما زادت موارد تسويق الخدمات الحكومية وتوظيفها بشكل كفء وفعال، زاد حتماً دخل الجهة الحكومية وإيراداتها.

وتؤكد مروى إبراهيم على أن تحقيق هذا الفكر في القطاع الحكومي يعتمد على العديد من الأولويات تلخصها مروي إبراهيم في تجهيز البنى الأساسية وخطوات سير عمليات الخدمة ووضع أسس تقديم الخدمات بعدالة للجميع، وفقاً لمعايير محددة، وإدخال الطرق الحديثة في مجال إدارة علاقات العملاء ومتابعتهم وحصر توقعاتهم.​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة