حماية النزاهة في المالية العامة

​​​​يعد الاعتداء على المال العام من أخطر الجرائم التي تضر باقتصاد الدولة. وقد ازدادت خطورة هذه الجرائم في الوقت الراهن في ظل تزاوج المال والسلطة في معظم الدول. فلم يعد الاعتداء على المال العام حكراً على الموظف البسيط، بل امتد ليصل إلى كبار الموظفين بالدولة. لذا فإن الدول تسعى بكل جهدها لحماية المال العام من الاعتداء عليه بأي صورة من الصور، وتتعدد وسائل الحماية القانونية للمال العام ما بين: حماية وقائية تهدف إلى المنع المبكر من الاعتداء عليه، وحماية موضوعية تهدف إلى ملاحقة المعتدين، وهذه الأخيرة تنقسم إلى حماية إدارية وحماية جنائية. غير أن الحماية الجنائية للمال العام تعد أبرز وسائل الحماية التي ترتكن إليها الدولة في ظل تنامي هذه الظاهرة وتطورها مع تطور سبل الإجرام.

 فاتجهت الأنظمة الجزائية في الدول المختلفة إلى تشديد عقوبة الاعتداء على المال العام؛ لمنع فكرة الجريمة من أن تراود أذهان من يفترض في كونهم أمناء على المال العام. ولقد كان للمملكة اتجاه فعًال في هذا المضمار، حيث تبنت الدولة سياسة متكاملة الأركان تجاه كل من تخول له نفسه الاعتداء على المال العام، وتظهر أشد معالم هذه السياسة القانونية بتقرير العقوبات الجنائية المناسبة من سجن وغرامة أو كليهما معاً ضد من يضر بالمال العام بأي صورة من الصور، بغض النظر عن كونه ممن يحق له مباشرة المال العام أو غيرهم من الحائزين للمال العام بحكم وظائفهم.

ونخص بالذكر المرسوم الملكي رقم 43 بتاريخ 29/11/1377 هـ الذي جرًم بعض صور الاعتداء على المال العام، وكذلك نظام مباشرة الأموال العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/77) بتاريخ 23/10/1395 هـ الذي شدًد العقوبة على الاعتداء على المال العام متى وقع ذلك من شاغلي وظائف معينة حددها النظام، وهم المباشرون للمال العام، حيث عاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات و بغرامة لا تزيد عن مائة ألف ريال أو بكليهما معاً، كل موظف يشمله هذا النظام ويثبت ارتكابه لجرم الاختلاس أو التبديد أو التصرف بغير وجه شرعي في أموال الدولة العامة أو الأعيان أو الطوابع أو الأوراق ذات القيمة المُسلمة إليه، كما يعاقب بنفس العقوبة من اشترك أو تواطأ معه على ارتكاب إحدى هذه الجرائم، سواء كان موظفاً أو غير موظف، بالإضافة إلى إلزامهم بإعادة الأموال والأعيان والطوابع والأوراق ذات القيمة المختلسة أو المبددة أو المفقودة أو ما يعادل قيمتها، ويتم الفصل في هذه الجرائم طبقاً لنظام تأديب الموظفين.

وجدير بالذكر أن نظام وظائف مباشرة الأموال العامة الصادر عام 1436 بموجب المرسوم الملكي قد قرر الاستمرار بالعمل بنص المادة التاسعة من نظام وظائف مباشرة الأموال العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/77)، على حين صدور النظام المتعلق بالجرائم ذات الصلة والعمل بموجبه.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة