النقود والتمويل الدولي
  • ​​انهيار "بروتن وودز" منح الدول حرية اعتماد نظم أسعار صرفها والتحول نحو تعويم العملات
  • دق ناقوس الخطر لإصلاح النظام النقدي الدولي بعد حدوث الأزمة المالية العالمية 2008م وحرب العملات بين أمريكا والصين
  • الاتحاد النقدي الخليجي يسير على خطى الاتحاد الأوروبي والتجربة الهندية ناجحة في الاندماج المالي الدولي

 

للنقود أهميتها الكبيرة في حياتنا سواء على المستوى الوطني داخل كل دولة، أو على المستوى الدولي في العلاقات بين الدول، وقد كان اختلاف العملات المتداولة وقيمتها من الموضوعات الشائكة في هذه العلاقات؛ إذ لا توجد عملة عالمية موحدة بين هذه الدول. ولذلك ظهر وسيط "سعر الصرف" الذي يساعد في تيسير تلك العلاقات والمعاملات الاقتصادية الدولية، وهو ما شهد تطوراً ملحوظاً منذ إنشاء صندوق النقد الدولي عام 1944م، والتحول من نظم أسعار الصرف الثابتة إلى العائمة، والعولمة بإفرازاتها المختلفة. وسواء شئنا أم أبينا فإن لهذه التطورات المتلاحقة تداعياتها على صعيد العلاقات النقدية والمالية الدولية، والتي أضحت بمثابة ظواهر جديرة بالاهتمام والدراسة، والتي لفتت انتباه د.عبدالحميد مرغيث مؤلف كتاب "النقود والتمويل الدولي" الصادر عن معهد الإدارة العامة، والذي نقرأه معكم على صفحات "التنمية الإدارية".

"الأوربية" و"الأمريكية"

تبلغ عدد صفحات الكتاب 439 صفحة، ويتكون من مقدمة و13 فصلاً متنوعاً تتناول أبرز القضايا والمواضيع ذات الصلة بالعلاقات النقدية والمالية الدولية، والتي يستهلها المؤلف بالفصل الأول من الكتاب بالتطرق إلى "أسواق وأسعار الصرف"، فيوضح أن سعر الصرف هو قيمة عملة بدلالة عملة أخرى، ووفقاً لذلك هناك طريقتين لتسعير أي عملة وهما: التسعير المباشر أو "التسمية الأوربية" التي تقتضي إبراز عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي يجب دفعها للحصول على واحدة من العملة الوطنية، بينما الطريقة الثانية تسمى بالتسعير غير المباشر أو "التسمية الأمريكية" التي تقتضي إبراز عدد من الوحدات من العملة الوطنية الواجب دفعها مقابل الحصول على وحدة واحدة من العملة الأجنبية.

ويلفت المؤلف إلى أهمية سعر الصرف، وأشكاله المتمثلة في شكلين رئيسيين هما: سعر الصرف الرسمي، وسعر الصرف الحقيقي. كذلك يسلط الكتاب في هذا الفصل الضوء على سوق الصرف الأجنبي الذي يرى المؤلف أنه المكان الذي تلتقي فيه العروض والطلبات على العملات الأجنبية، ثم يتحدث عن خصائص أسواق الصرف الأجنبية، والمتدخلون فيها كالبنك المركزي والبنوك التجارية والشركات والمؤسسات المالية غير البنكية، ويتحدث أيضاً عن سوق الصرف الآني والآجل، وعقود المبادلة في سوق الصرف الأجنبي.

نظريات و3 قضايا

ويتناول د.مرغيث في الفصل الثاني من الكتاب "محددات أسعار الصرف" والتي ترشدنا إلى معرفة وفهم أسباب التغير في سعر صرف أي عملة من العملات، حيث ظهرت في هذا الشأن مجموعة من النظريات الرائدة وهي: نظرية تكافؤ القوة الشرائية، ونظرية ميزان المدفوعات لأسعار الصرف، ونظرية تكافؤ أسعار الفائدة، والمنهج النقدي، ونموذج توازن المحفظة المالية، والتي يتناولها الكتاب بالتفصيل. ويركز الفصل الثالث على "الطرق القياسية للتنبؤ بسعر الصرف والعلاقة التبادلية بين سعر الصرف والمتغيرات الاقتصادية"؛ فمنذ انهيار نظام "بريتون وودز" لأسعار الصرف عام 1973م والتحول نحو نظم الصرف العائمة، وما أعقبه من تزايد حدة التقلبات وعدم الاستقرار في سعر صرف العملات، برزت موجة من البحوث والدراسات الهادفة إلى تطوير نماذج قياسية قادرة على التنبؤ بالتحركات المستقبلية لسعر الصرف، كما اهتمت أبحاث أخرى بطرق تحديد مستوى مرجعي لسعر الصرف (المستوى التوازني)، ووفقاً لذلك فإن هذا الفصل يسلط الضوء على 3 قضايا أساسية، تتعلق أولاها بالتنبؤ بسعر الصرف، والثانية بنماذج تقييم أسعار الصرف الحقيقية التوازنية، والأخيرة بالعلاقة التبادلية بين سعر الصرف والمتغيرات الاقتصادية.

نظم وأزمات والاقتصاد الكلي

وإذا انتقلنا إلى الفصل الرابع من الكتاب، نجده يناقش "نظم وسياسات سعر الصرف"، فعقب انهيار نظام "بروتن وودز"، واعتماد التعديل الثاني لمواد اتفاقية صندوق النقد الدولي؛ أصبحت الدول لها حرية اعتماد النظام الذي تراه ملائماً لها ولم تعد مضطرة لربط أسعار صرفها بنظام يشرف عليه الصندوق. وقد ترتب على ذلك أن الأدبيات الاقتصادية استحدثت تصنيفين لأنظمة الصرف هما: التصنيف بحكم القانون والتصنيف بحكم الواقع. وفي ضوء ذلك يتطرق الفصل لثلاثة جزئيات مهمة وهي: الأشكال المختلفة لإدارة سعر الصرف، والتصنيفات القانونية والواقعية لنظم إدارة سعر الصرف، وأدوات سياسة سعر الصرف.

ويتطرق الفصل الخامس إلى "اختيار نظام سعر الصرف وأزمات العملة"؛ باعتباره موضوعاً شائكاً منذ أمد طويل في علم الاقتصاد الدولي. وفي هذا الصدد يسرد المؤلف 3 نظريات تمثل محور هذا الفصل وهي: نظرية مناطق العملة المثلى، ونظرية الاقتصاد السياسي، ونظرية أزمات العملة. ومن الجدير بالذكر أنه قد ترتب أيضاً على انهيار "بروتن وودز" تحول أغلب الدول الصناعية نحو التعويم المعمم للعملات، ولذلك فقد ثار جدل كبير بين الاقتصاديين حول قضية "سعر الصرف والاقتصاد الكلي" الذي يمثل موضوع الفصل السادس من الكتاب. وفي إطار ذلك، يبحث المؤلف 3 نقاط مهمة وهي: سعر الصرف والتضخم، وسعر الصرف والقدرة التنافسية، وتأثير اختيار نظام سعر الصرف في الأداء الاقتصادي الكلي.

أزمة 2008م وحرب عملات

ونظراً لأن تحليل فاعلية سياسات تحقيق الاستقرار الاقتصادي في ظل الاقتصاد المفتوح يرتكز على إبراز "ترابطات السياسة الاقتصادية" بمختلف مكوناتها؛ فقد خصص د.عبدالحميد مرغيث الفصل السابع لبحث هذا الموضوع المهم، وتسليط الضوء على نموذج "ماندل-فليمنغ" الذي يعود إلى عام 1963م وينسب لكل من الاقتصادي الكندي "روبرت ماندل" والاقتصادي البريطاني "ماركوس فليمنغ"، كما يبرز المؤلف جزئيتين هما: الاقتصاد المغلق والمفتوح والتوازن الاقتصادي، ومبدأ الثلاثي المستحيل لـ"روبرت ماندل". ثم ينتقل المؤلف في الفصل الثامن إلى رصد "تطور النظام النقدي الدولي"، وهو النظام الذي تم وضعه لتسهيل عمليات تبادل السلع والخدمات ورأس المال بين الدول، وقد شهد هذا النظام مراحل مختلفة من تطوره بدءاً بقاعدة الذهب ثم نظام "بروتن وودز"، وأخيراً مرحلة "أسعار الصرف العائمة". وقد كان حدوث الأزمة المالية العالمية عام 2008م وانعكاساتها الخطيرة على الاقتصاد العالمي بمثابة دق ناقوس الخطر من أجل إصلاح النظام النقدي الدولي، خاصة بعد ظهور بوادر حرب عملات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

"الاتحاد الخليجي" و"التجربة الهندية"

ويعالج الفصل التاسع من الكتاب موضوع "الاتحادات النقدية"، حيث يعد الاتحاد النقدي الأوروبي كياناً اقتصادياً مهماً بعد ميلاد عملة "اليورو" عام 1999م التي تنافس الدولار الأمريكي، وأصبح نموذجاً للعديد من البلدان التي سعت لإقامة اتحادات نقدية على غرار دول الخليج العربي، ولذلك يصحبنا الكتاب في هذا الفصل إلى استعراض 3 نقاط مهمة هي: أساسيات حول الاتحادات النقدية، وتجربة الاتحاد النقدي الأوروبي، والاتحاد النقدي الخليجي. وعلى صعيد آخر يناقش الكتاب في فصله العاشر موضوع "ميزان المدفوعات" الذي يعد بمثابة وثيقة مهمة يتم فيه تدوين المعاملات الاقتصادية بين دولة ما وباقي الدول التي تربطها بها علاقات اقتصادية، حيث يمكن التعرف من خلال هذا الفصل على هذا الميزان ومختلف الحسابات المشكلة له وكذا المداخل الحديثة في تصحيح اختلالاته. واتساقاً مع هذا كله، ينتقل المؤلف وفق ترتيب منطقي للحديث في الفصل الحادي عشر عن "التدفقات الدولية لرأس المال"، وذلك بعد بروز ظاهرة العولمة وتداعياتها الاقتصادية العالمية، ولذا فإن المؤلف يسعى في هذا الفصل للتركيز على مفهوم الاندماج المالي الدولي أو التدفقات الدولية لرأس المال من خلال الإشارة إلى مفهومها ومقاييسها ومزاياها وسلبياتها وآليات الحماية من مخاطرها مع الإشارة إلى إحدى التجارب الناجحة في الاندماج المالي الدولي ألا وهي التجربة الهندية.

الأسواق والديون الخارجية

ثم يفرد المؤلف الفصل الثاني عشر من كتابه لموضوع "الأسواق المالية الدولية" التي تعتبر مصدراً مهماً من مصادر التمويل بالنسبة للشركات والحكومات، ولها خصائص تشبه من خلالها أسواق رأس المال الوطنية، بالرغم من وجود خصائص مختلفة بينهما. وقد شهدت الأسواق المالية الدولية في العقود الأخيرة تطوراً هائلاً خاصة بعد موجة التحرير المالي العالمي، ولذلك فإن المؤلف يقودنا في هذا الفصل للتعرف أكثر على مختلف جوانب هذه الأسواق وكذلك علاقتها بوكالات التصنيف الائتماني العالمية. ويختتم د.عبدالحميد مرغيث كتابه بمناقشة موضوع "الديون الخارجية" في الفصل الثالث عشر، فيركز نقاشه على عموميات حول هذه الديون، وأزمات المديونية في البلدان النامية وبرامج التكييف الهيكلي المدعومة من صندوق النقد الدولي، والديون الأمريكية ومخاطرها على الاقتصاد العالمي.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة