​الحياة الخاصة للموظف العام بين الحماية والمسؤولية

​حق الإنسان في الحياة الخاصة هو حق قديم ولصيق وعام، فهو حق قديم قدم الإنسان ذاته، ولصيقاً بوجوده فلا ينفك عنه، وهو حق عام يسرى على عموم البشر دون استثناء أو تمييز؛ ويترتب على الاعتراف بهذا الحق نتائج أهمها: استئثار وسيطرة كل شخص على حياته الخاصة فهو وحده من يسوسها ويحفظها ويدافع عنها، كما يمتنع على الآخرين-أفراداً وجماعات-الاقتراب من هذه الحياة أو هتك سترها أو تعكير صفوها، كما يتمتع كل إنسان بحماية شرعية وقانونية في مواجهة من يتعدى على حياته الخاصة. 

وبموجب هذه الحماية المكفولة للحياة الخاصة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص النظامية؛ يُثار التساؤل عن مدى المسؤولية التأديبية للموظف العام عن أفعاله وتصرفاته التي يأتيها في حياته الخاصة؟ يتنازع الإجابة على هذا التساؤل اتجاهان: أولهما يرى أن الدولة تعطي الموظف أجراً مقابل قيامه بأعباء الوظيفة، وهو إزاء ذلك مدين للدولة بأداء عمل الوظيفة فقط، أما حياته الخاصة فهي ملك له، فالموظف خارج نطاق عمله حر في تصرفاته وسلوكه، لا يسأل عما يفعل كمواطن عادى، وأصحاب هذا الاتجاه يفصلون فصلاً تاماً بين حياة الموظف الوظيفية وحياته الخاصة.

والاتجاه الثاني: وإن كان يسلم بحق الموظف في حياته الخاصة، إلا أنه لا يذهب إلى إقامة سداً منيعاً بين الحياة الوظيفية والحياة الخاصة؛ وسبب ذلك أن حياة الموظف الخاصة تنعكس على حياته الوظيفية وتؤثر فيها، وسلوك الموظف الشائن في حياته الخاصة يجرح كرامة الوظيفة، ويذبح اعتبار الموظف العام والثقة فيه لدى الناس، ولذلك تمتد المسؤولية التأديبية فتشمل ما يصدر عن الموظف من أفعال، أو أقوال في حياته الخاصة متى انعكست آثارها على كرامة الوظيفة العامة أو حطَّت من هيبتها لدى الناس.

وقد انتصر ديوان المظالم للاتجاه الثاني؛ فالصفة الوظيفية لا تنخلع عن الموظف العام لمجرد أنه خارج نطاق الوظيفة، فرداء الوظيفة العامة يُظلل الموظف العام أينما كان، والمسؤولية التأديبية للموظف العام لا تقتصر فقط على ما يقع منه من أخطاء داخل نطاق الوظيفة، وإنما تمتد أيضاً الى سلوكه في حياته الخاصة، إذا كان من شأن ذلك الخروج على مقتضيات الوظيفة العامة. فالأفعال المكونة للذنب الإداري ليست محددة حصراً وفقا لنظام تأديب الموظفين؛ وبالتالي فإن للسلطة التأديبية في هذا الشأن سلطة تقديرية واسعة. (راجع: القضية 758/5/ق لعام 1427هـ، مجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية لعام 1431هـ، المجلد الثاني، ص 638).

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة