تقييم تجربة المرأة السعودية في المناصب القيادية بالأجهزة الحكومية


  • العوامل التنظيمية والثقافية والشخصية من أهم العوامل المؤثرة في ممارسة المرأة دورها القيادي
  • ضرورة تحديث الأنظمة واللوائح لتلبية متطلبات تمكين القيادات النسائية ووجود معايير واضحة ومكتوبة ومعلنة لاختيارهن
  • رؤية المملكة 2030 تدعم أهمية الدور التنموي للمرأة وبرنامج التحول الوطني 2020 تضمن رفع نسبة عملها في الوظائف العليا من 1% إلى 5%

 

للمرأة السعودية مكانتها المهمة؛ فهي تعد مورداً بشرياً تنموياً، وأحد أهم مكونات برامج التنمية في المجتمع. وقد اهتمت رؤية المملكة 2030 بالمرأة واستهدفت رفع نسبة مشاركتها في سوق العمل من 22% إلى 30%؛ وفي ضوء ذلك اتسعت فرص مشاركتها في شتى ميادين العمل، وفُتحت لها قنوات الحراك المهني الصاعد لتصل إلى مناصب قيادية كنائب وزير، ووكيلة وزارة، ومديرة جامعة، وغيرها؛ وهو ما يعد تحولاً مهماً في تاريخ المرأة السعودية. ولذلك فمن الأهمية بمكان تسليط الضوء على هذه التجارب وتقييمها؛ لتكون دليلاً مرشداً للقيادات النسائية المستقبلية، وهو ما تتناوله د.البندري بنت إبراهيم الربيعة، وأ.هدى بنت عبدالله الحديثي في دراستهما الميدانية بعنوان: "تقييم تجربة المرأة السعودية في المناصب القيادية بالأجهزة الحكومية" الصادرة عن معهد الإدارة العامة، وإليكم التفاصيل.

تساؤلات

تتكون الدراسة من مقدمة، و5 فصول، وتبلغ عدد صفحاتها 282 صفحة. وتستهلها الباحثتان التي بالتركيز على أهمية مكانة المرأة في المجتمع السعودي بصفة عامة، وفي سوق العمل بالمملكة بصفة خاصة، ونسب مشاركتها، ودعم رؤية المملكة لهذه المشاركة باعتبارها من بين أهدافها. وقد تباينت وجهات النظر بشأن أحقية تقلد المرأة للمناصب القيادية، فهناك من يدعم حقها في تبوء هذه المناصب وينظر إليها بتكافؤ مع الرجل، وهناك من يرى بعدم جدارتها في العمل القيادي. وتقرر الباحثتان أنه بالرغم من التطورات والتغييرات التي طرأت على المجتمع والسياسات العامة في الدولة، والتي أدت إلى تحولات إيجابية في اتجاهات أفراد المجتمع نحو المرأة ومكانتها، إلا أنه مازال هناك فجوة بين إمكانيات المرأة وقدراتها وما تطمح إليه وبين ما هو موجود في الواقع العملي. ولذلك تم طرح العديد من التساؤلات المتعلقة بأهمية تقييم تجربة المرأة في المناصب القيادية بالأجهزة الحكومية بشكل شمولي.

مداخل ومراحل وأبعاد

ويناقش البحث في إطاره النظري ثلاثة موضوعات مهمة وهي: القيادة الإدارية، والمرأة والقيادة الإدارية، والقيادة النسائية في المملكة العربية السعودية. فيتناول في الموضوع الأول مفهوم القيادة بشكل عام من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية، وعناصر القيادة الإدارية المتمثلة في القائد والأتباع والمنظمة والموقف، ويوضح البحث أهمية القيادة الإدارية، وأسسها، وعلاقتها بالإدارة. وكذلك نظريات ومداخل القيادة والتي يجملها البحث في أربعة مداخل أساسية هي: المدخل المرتكز على القائد وتتمثل في مدخل السمات ومدخل سلوك القائد ومدخل الشبكة الإدارية، والمداخل المرتكزة على الموقف وتشتمل على النظرية الموقفية لفيدلر والنظرية الموقفية لهرسي وبلانشارد ونظرية قيادة المسار-الهدف، والمداخل المرتكزة على المرؤوس وتتضمن مدخلي بدائل القيادة والقيادة الذاتية، والمداخل الحديثة التي تتحدد في القيادة الاستشرافية والقيادة الإستراتيجية والقيادة التحويلية والقيادة الأخلاقية والقيادة الخدمية والقيادة الريادية. ثم يتطرق البحث إلى إبراز مهام القائد الإداري وهي: التخطيط الإستراتيجي، والتطوير، والاتصال، والتحفيز، وإحداث التغيير. كما يتطرق أيضا إلى مهارات القائد الإداري، والمراحل الست لاكتشاف العناصر القيادية وهي: التنقيب، والتجريب، والتقييم، والتأهيل، والتكليف، والتمكين. ويذكر البحث خصائص القيادة الإدارية الناجحة وهي: التركيز على الهدف، والذكاء العاطفي، وبناء الثقة وتمكين الآخرين، والتفكير الإبداعي، والتفكير الكلي. كما يوضح الأبعاد الثلاثة للدور القيادي والتي تتعلق بكل من: المنظمة، والمهمة، والعاملين.

نظريات ومقومات وعوامل

وفيما يتعلق بموضوع المرأة والقيادة، تشير د.الربيعة، وأ.الحديثي إلى أنه من الموضوعات التي تجذب اهتمام الباحثين والممارسين في مجال الإدارة، وتستعرضان مفهوم القيادة النسائية، وتشيران إلى أن مصطلح القيادات النسائية ذُكر لأول مرة في منتدى المكسيك الذي عقدته الأمم المتحدة عام 1975م. وتركزان على نماذج ونظريات حول القيادة النسائية وهي: نموذج الجدارة، ونموذج التمييز، ونموذج مكان المرأة، والنظرية البيولوجية، والنظرية الأنثوية، ونظرية الدور الاجتماعي، ونظرية التطور المهني، ونظرية سوق العمل المجزأ، ونظرية التحيز ضد القيادات النسائية، ونظرية المنظور الذكوري للقيادة. كذلك تناقشان خصائص القيادة النسائية، ومقومات نجاحهن، وتمكينهن. يلي ذلك تحديد العوامل المؤثرة في ممارسة المرأة لدورها القيادي في الأجهزة الحكومية. ثم تتناول الباحثتان واقع القيادة النسائية في المملكة، فتؤكدان على أن هناك متغيرات عديدة أدت إلى تحولات ملموسة في بعض جوانب البنية الثقافية والاجتماعية شملت الإرادة القوية للسلطة السياسية والتي كانت المحرك القائد لعمليات التنمية؛ والمنادي بتحسين البيئة المحفزة لدور المرأة الاجتماعي والإداري والتطورات والتغيرات الاقتصادية. وأن المملكة لم تدخر جهداً تجاه القرارات والتشريعات التي تعزز المشاركة الفاعلة للمرأة السعودية في النهضة التنموية للبلاد، والخطوات الوثابة التي خطتها في التعليم والعمل. وتبرز الباحثتان الدعم القوي الذي أولته رؤية المملكة 2030 للتأكيد على مكانة المرأة والحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والمساهمة في التنمية الإدارية والاقتصادية. ثم جاء برنامج التحول الوطني 2020 بمبادراته التي تضمنت رفع نسبة عملها إلى نحو 42% ورفع نسبة النساء في الوظائف العليا من 1% إلى 5%.

تحديات واختلافات

وتجمل د.البندري الربيعة، وأ.هدى الحديثي نتائج البحث التي توصلتا إليها، والتي من أبرزها ما يلي: تتمتع القيادات النسائية بخصائص شخصية ومؤهلات علمية وخبرات مهنية مكنتها من ممارسة مهامها وأدوارها القيادية، وتمتلك تصوراً واضحاً لمفهوم القيادة الإدارية ولديهن وعى تام بما يتضمنه هذا المفهوم من تأثير ورؤية وإلهام، ولا توجد معايير واضحة أو مكتوبة عند اختيار القيادات النسائية. وقد غابت التهيئة للوظيفة القيادية تماماً في تجربة القيادات النسائية، وأسهمت هذه القيادات في تحقيق أهداف المنظمات، وهو ما تجلى واضحاً في الأدوار التي تقوم بها تلك القيادات على مستوى المنظمة ومستوى العمل ومستوى العاملين، كما واجهت القيادات نفسها عدداً من التحديات كان من أهمها إثبات الوجود، وقد برز في تجاربهن ثلاث هويات أساسية وهي: هوية ممنوحة، وهوية منزوعة، وهوية مفروضة.

وبصفة عامة جاءت العوامل التنظيمية في صدارة العوامل المؤثرة في ممارسة المرأة دورها القيادي تليها العوامل الثقافية ثم العوامل الشخصية، وكانت الثقافة التقليدية التي تؤطر دور المرأة بشكل تقليدي من قبل المجتمع من أهم العوامل الثقافية المؤثرة في ممارسة هذا الدور، وأن الطبيعة العاطفية لها وقدرتها على الموازنة بين وظيفتها القيادية ومهامها الأسرية وعدم إلمام البعض من القيادات النسائية باللوائح التنظيمية من أكثر العوامل الشخصية التي تعوق ممارستهن هذه الأدوار. وأظهرت النتائج أن هناك اختلافاً في درجة مساهمة المرأة في المناصب القيادية بالأجهزة الحكومية في تحقيق أهداف المنظمة على مستوى المنظمة ومستوى العمل ومستوى العاملين باختلاف خصائصهن الشخصية والتنظيمية، وكذلك يوجد اختلاف في درجة تأثير هذه المناصب على المرأة القيادية على المستوى الشخصي والاجتماعي والمهني، كما تتضح الاختلافات في العوامل التنظيمية والشخصية والثقافية المؤثرة في ممارسة المرأة دورها القيادي في هذه الأجهزة باختلاف الخصائص الشخصية والتنظيمية.

وفي ضوء هذه النتائج؛ أبدت الباحثتان عدداً من التوصيات التي جاءت على مستويين: أولهما توصيات عامة كأن يكون هناك معايير واضحة ومكتوبة ومعلنة لاختيار القيادات النسائية، وتطبيق سياسة الإعارة بين الفروع النسائية لنقل الخبرات والمهارات وخاصة للأقسام والفروع النسائية الحديثة، وأن تعمل المنظمات على تسخير السياسات والإستراتيجيات التي تؤثر بشكل مباشر على المرأة عند ممارستها دورها القيادي، وتحديث الأنظمة واللوائح لتتلاءم مع المستجدات الحديثة ومتطلبات التمكين للقيادات النسائية ، ووضع وتفعيل الخطط التنفيذية التي تسهم في تطبيق القرارات الوزارية المتعلقة بتفعيل دور المرأة وتمكينها. والمستوى الثاني من التوصيات خاصة بالقيادات النسائية والتي من بينها أن تؤمن هذه القيادات بقدراتها الشخصية وإمكاناتها، وأن تتعرف منذ استلامها الوظيفة القيادية على حقوقها وواجباتها وصلاحياتها، والمحافظة على الهوية القيادية للمرأة، وإيجاد شبكات وقنوات للتواصل بين القيادات النسائية على المستوى المحلي والخليجي والعربي لتبادل التجارب والخبرات والتعرف على التجارب النسائية الناجحة في عالم القيادة.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة