قيادة التغيير...قادة التغيير والتحول

​​لأبدأ من حيث انتهى غيري، مستلهما ً رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وقائدها الملهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع "حفظه الله ورعاه".

مما لا شك فيه أن القيادة عنصر هام وحيوي في مجال العمل الإداري؛ وذلك لما نشهده من تغيرات وتحديات محلية ودولية متسارعة تستوجب الاهتمام بالقيادة بشكل خاص في جميع المنظمات، إذ تعد القيادة قضية محورية كونها أحد المتغيرات المهمة التي تعمل على نجاح المنظمات أو فشلها في تحقيق أهدافها المأمولة. من هنا أصبحت القيادة التحويلية مطلباً ضرورياً وملحاً لمنظمات اليوم؛ وذلك لخلق قادة للتغيير والتحول لمستقبل أفضل.

وبما أن القائد التحويلي هو من يؤمن بالتغيير للمستقبل نحو الأفضل، أي تغيير الوضع الحالي للوصول إلى مستقبل أفضل يتماشى ومتطلبات العصر، حيث الرؤية المستقبلية المشتركة والقيم والمبادي، كذلك الإستراتيجيات والمبادرات ذات الطابع التنافسي البناء، فلا يحصل التغيير إلا من خلال اقناع واقتناع الناس بالحاجة الضرورية للتغيير، وذلك من خلال رؤية مستقبلية واضحة عن عالم أفضل.  من هنا يجب على القائد التحويلي أن يسعى إلى اختيار نموذج التغيير ومساراته بكل وضوح، وذلك بوضع إستراتيجية تنافسية متكاملة الأبعاد والمتطلبات وذات مسار واضح، بوجود خطة مرسومه وبرنامج لتحقيق أفضل وأدق الأهداف مقارنة بالقائم في المنظمات المحلية والدولية؛ مما يجعل القائد الفذ يحقق أفضل النتائج المأمولة بين منافسيه.

وبعمق إيماننا بأن التغيير يُقاد ولا يُدار، حيث إن القائد التحويلي هو ذلك النمط من القادة الذي لا يرضى بالطموحات والإنجازات المتواضعة، ولا من يكون همه تلك النجاحات في الأمد القصير، بل لديه القدرة على غرس ثقافة وحب التغيير لدى الآخرين عن اقتناع واقناع، كذلك نجد أن هناك بعضاً ممن يمارسون دوراً لتغيير لا ينجحون في ذلك بالرغم من تميزهم في الأداء؛ وذلك لممارستهم وإفراطهم في الإدارة وغياب الدور القيادي، بالرغم من  أنهم أصحاب خبرة وممارسة إدارية، إنما يتفننون بدور المدير بشكل جيد، من تخطيط وتنظيم وشئون إدارية وحل مشكلات يوميه وخلافه، وهذا كله من صميم العملية الإدارية التي تحقق أهدافهم العاجلة. ولكن عندما يتعلق الأمر ببرامج وإستراتيجيات التغيير؛ فإن المهارات الإدارية التي استعانوا بها في نجاحات سابقة لا تشفع لهم بل على العكس تماماً، لذلك تظهر أهمية وجود قائد تحويلي مدرك لمتطلبات المستقبل بكل أزمنته.

من هنا لا يفهم مما سبق أن الإدارة لا حاجة لها، فبدونها يفلت زمام الأمور في المنظمة، ولكن الإدارة إذا أُفرط في استخدامها؛ يمكن أن تقضي على التغيير أيضاَ، وسأذكر هنا بعضاً من الأخطاء التي تُفشل عملية إدارة التغيير، كالرضى غير المبرر عن الوضع الحالي وحصول نوع من التراخي والتكاسل، فهم يتبعون المثل الشعبي       " لا تحرك تبلش ". فالتغيير يتطلب حساً عالياً بأهمية الوقت وعجله التقدم، أيضا غياب التفاهم والشفافية بين الإدارة والأفراد؛ لأن التغيير يحتاج إلى تحالف قوي بين من يملكون القوة وذلك من خلال مواقعهم و خبراتهم وعلاقاتهم، وذلك لترجمة الأقوال إلى أفعال، وهذا ما نشاهده ونراه في رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والتي شهد لها القاصي والداني بشموليتها وقوة بصيرتها ووضوح أهدافها، وذلك تحت نظر سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز " حفظه الله ورعاه"، وسمو سيدي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ذلك القائد التحويلي الفذ، والذي أذهل العالم، حفظ الله القيادة والوطن والشعب.

مما سبق يتضح وبجلاء أهمية القائد التحويلي، والذي لديه رؤية واضحة، وفريق عمل ينشد التغيير قادر على التضحية، وفقاً لفهمه وادراكه لأهمية ذلك التغيير، حيث إن طريقة عمل القائد التحويلي ضمن فرق العمل والتحالفات ذات الطابع التطويري للمنظمة والأفراد؛ مما يعكس نجاحات متتالية مخطط لها وفق ما تم رسمه من خطط ذات بُعد محلي وإقليمي ودولي، وهو ما يترك أثره الفاعل والفعال لأجيال قادمه تنعم بمجتمع معطاء ومنتج.

وهنا سأذكر بعضاً من صفات القائد التحويلي في عملية التغيير؛ كالثقة والجدية والعمل بروح الفريق الواحد، وذلك لضمان نجاح التحالف، حيث لا يستطيع القائد قيادة كل فعاليات المنظمة إذا كان هناك صراعات داخلية، أو سوء اتصال بين إداراتها، أو عدم وجود الاحترام بين منسوبيها؛ لذلك فلابد من أن يكون التحالف متحداً وراء هدف عام. لذلك فإن الثقة مطلوبة من الطرفين "القائد وفريق العمل". ولكي يتم ذلك يفضل في المراحل المبكرة للتغيير أن يجتمع أفراد فريق التحالف خارج مكان العمل لتنمية الثقة بينهم، وخلق انسجام حقيقي فيما بين أعضاء الفريق، وهذا من نشاهده بين الفينه والأخرى في لقاءات سمو ولي العهد بفرق العمل في كافة الميادين، وذلك ديدن القائد الميداني الذي يطلع عن كثب عما تم وما سيتم بإذن الله.

أيضا من صفات القائد التحويلي أن يكون له رؤي واضحة لأي عملية تغيير؛ وذلك أن الرؤية توضح الاتجاه أو الوجه المراد الوصول إليه. فإن لم تكن تعلم في أي اتجاه تسير؛ فلن تعلم متى تصل وأين ستصل، وغالباً لا يتفق الناس على اتجاه التغيير، حيث يحصل لبس بشأن ما يحدث، أو يتساءلون عما إذا كانت التغييرات ضرورية أم لا. والرؤية هنا تقول وبصوت عالٍ وواضح: "هذا هو الطريق الذي يقودنا إليه التغيير". وبالإضافة إلى هذه الصفات، فلابد أن يكون لدى القائد التحويلي صورة متخيلة عن المستقبل البعيد، وأن يكون لديه أهداف واقعية يمكن تحقيقها، ويجب أن يكون مرناً بما يسمح بالمبادرة الفردية؛ مثل التكيف مع الظروف المتغيرة، إضافة إلى قوة الصبر والتحمل؛ لأنه-وكما يعلم الجميع-فالتغيير دائماً يقابله مقاومة، وهنا تتضح قدرة القائد في احتواء ذلك ومعالجته بالشكل الصحيح. ومن الأمور المهمة أيضاً أن يكون لديه قدرة على الاتصال؛ كون الاتصال الفعال هو مفتاح لحشد كل طاقات العاملين وراء رؤية مشتركة طموحة. كذلك القدرة على الاستماع حيث القاعدة المعروفة تقول " الاتصال ينبغي أن يسير في اتجاهين ــــ اشرح الرؤية ثم استمع إلى رد الفعل". في الختام أتمنى أن يكون كل منا قائداً في أهدافه، مديراً في أعماله، وبالله التوفيق.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة