الطباعة ثلاثية الأبعاد..ثورة صناعية جديدة

​​تُعدُّ التنمية الصناعية أحد أهم محاور التنمية الشاملة المستدامة؛ فهي عنصر أساسي لتطور المجتمعات وتحسين أوضاعها الاقتصادية، وذلك ضمن عملية تطوير شاملة تهدف لتحسين أوضاع الشعوب، وتحقيق الرفاهية والاستقرار للأفراد.

ولعل المطلع على أهداف رؤية المملكة 2030 يجد أن تطوير الصناعة الوطنية من أهم أولوياتها، والتطوير يعتمد بشكل أساسي على استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا المتاحة، ولعل أبرزها الطباعة ثلاثية الأبعاد التي ستغير الصناعة بشكل جذري؛ حيث تستطيع هذه التقنية إلغاء العديد من الخطوات المستخدمة في التصنيع التقليدي وتسهل تصنيع المكونات الهيكلية المعقدة، مع إمكانية تصميم المنتجات بشكل أسرع وبتكلفة أقل، وقد أدت هذه الميزات وغيرها إلى نجاح كبير في مجالات النماذج الأولية السريعة وتطوير الأدوات.

والطباعة ثلاثية الأبعاد أحد أشكال الصناعات التجميعية التي أحدثت ثورة هائلة في مختلف المجالات الصناعية، والطبية، والفنية، والعسكرية، وغيرها. ويتوقع لهذه التقنية أن تدخل مجال الصناعات العملاقة مستقبلاً، وكما ورد في مجلة الـ"تايم" الأمريكية أن العالم يستعد لثورة صناعية جديدة؛ هذا ما يؤكده عدد من رؤساء كبرى الشركات العالمية، محرك هذه الثورة تقنيات جديدة أبرزها الإنترنت الصناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد.

والطابعات ثلاثية الأبعاد يمكن تشبيهها بأول حاسب تم إطلاقه في الأسواق والذي كان بدائياً جدا مقارنة بالوقت الحالي. فلم يخطر على بال أحد في ذلك الوقت الأثر الهائل التي سوف تحدثه هذه الحواسب على حياتنا من جميع النواحي، ومع تحمس بعض الناس الذين كانوا بالفعل على دراية بقيمة هذه التكنولوجيا، بحيث كان لديهم الأفكار التي أعطت تلك التكنولوجيا شعلة جعلتها تتوهج عالمياً، وأصبحوا من أغنياء العالم.

هذا وتتوافق الطباعة ثلاثية الأبعاد مع الاتجاهات والمتطلبات دائمة التغير في العصر الحالي، وبهذه التقنية يمكننا الانتقال من عصر الإنتاج الكمي إلى الإنتاج حسب الطلب والتي تكون لها درجة عالية من التخصيص. كما أن أسواق الطباعة ثلاثية اﻷبعاد تنمو بشكل سريع في الوطن العربي، وخاصة أسواق المملكة العربية السعودية والتي هي حاضنة لكل ما هو جديد ومفيد.

ومع ذلك، فإن تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد لا تخلو من العيوب والتي قد تكون عقبة في طريق انتشار هذه التقنية بشكل واسع وسريع؛ فهي ليست دائمًا الخيار الصحيح لتطوير المنتج لبعض المشاريع التنموية. فهناك بعض المخاطر والآثار السلبية المحتملة لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد والتي نذكر منها: التكلفة العالية مع الإنتاج الكمي، وتوليد انبعاثات محتملة السمية قد تنتجها هذه الطابعات خاصة في الأماكن المغلقة، كما أنها تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة مقارنة بالتصنيع التقليدي، كذلك فهي تقلص الأيدي العاملة وهو ما يعتبره البعض ذا تأثير سلبي على الاقتصاد، والقضية الأكبر التي تواجهها الطباعة الثلاثية الأبعاد هي المسؤولية، بحيث إذا تعرض شخص لضرر ما نتيجة استخدام أحد منتجات أو مخرجات هذه التقنية، فمن سيُحاسب على ذلك؟ مالك الطابعة، أم الشركة المصنعة للطابعة، أم الشخص غير المسئول الذي يعتقد أنها كانت فكرة جيدة لإنتاج واستخدام منتج لم يسبق اختباره؟

وختاماً فربما تكون الطباعة ثلاثية الأبعاد محل اهتمام شركات عديدة الناشئة والعملاقة منها على حد سواء؛ إلا أنه من الصعب التنبؤ بما يمكن أن تقدمه لنا من فوائد منتظرة.​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة