صورة الأجهزة الحكومية عبر منصات مشاهير "السوشيال ميديا"

تلجأ بعض الجهات الحكومية للاستعانة بمشاهير "السوشيال ميديا" للمساهمة في نشر الفعاليات التي تقيمها هذه الجهات، استثماراً للعدد الكبير من المتابعين لهؤلاء المشاهير؛ رغبة في الوصول لأكبر رقعة انتشار.

وهذا التوجه الذي بدأ ينتشر بسرعة كبيرة وبشكل واسع كسر كثيراً من القيم الثابتة للجهات الحكومية؛ مثل الرصانة، والعناية بلغة الخطاب مع الجمهور، واختيار الوسيلة المناسبة. وهي قيم ومعايير كانت الأجهزة الحكومية توليها اهتماماً خاصاً وكبيراً. ولا تخرج رسالة إعلامية من الجهة الحكومية إلا بعد إعداد متقن ومراجعة وتدقيق. ولكن اليوم أصبح المشاهير هم من يتحكمون في الرسالة واللغة التي يتم بها مخاطبة الجمهور. وفي أحيان كثيرة لا يكون هذا المشهور على قدر عالٍ من الكفاءة في إعداد الرسالة المناسبة واختيار اللغة المناسبة لمخاطبة الجمهور؛ حيث يكون قد اكتسب شعبيته من خلفية معينة كأن يكون ممثلاً أو مغنياً، أو صاحب فكاهة، ومع الأيام وازدياد جماهيريته، أصبح مُعلِناً، ثم مسوقاً تجارياً، ثم مسوق أعمال، لينتهي به الأمر إلى مسوق لمشاريع وفعاليات حكومية.

وقد وقعت بعض الجهات الحكومية في إشكاليات كثيرة؛ بسبب اعتمادها على أولئك المشاهير في تسويق فعالياتها رغبة منها في نشر هذه الفعاليات على أوسع نطاق. ومن هنا تبرز أهمية الاختيار الدقيق لذلك المشهور. فليس كل مشهور يكون مقبولاً في التسويق والإشهار للفعاليات الحكومية.

فاختيار المشاهير لإبراز الفعالية الحكومية أمر محمود وليس مرفوضاً-إذا كانت الحاجة تستدعي ذلك-ولكن بشرط حسن الاختيار بين عشرات ومئات المشاهير. فهناك مشاهير يتمتعون بالرصانة، ومجال اهتمامهم بعيد عن الإسفاف والتهريج، كما أن بعض المشاهير عُرِف عنهم الاتجاه نحو مجال معين كالغناء والرقص والحفلات، وافتتاح المعارض التجارية، والتسويق للملابس والكماليات. أو يكون أحد مشاهير (الاستانداب كوميدي) فهذا لا يمكن الاستعانة به لإشهار مؤتمر أو ندوة، أو فعالية علمية؛ لأن هذا المشهور لا يتسق مع الفعالية لا اسماً ولا جمهوراً؛ حيث سيشهر المؤتمر في أوساط غير مناسبة وبين جمهور غير الجمهور المستهدف. وسيكون المسؤول الحكومي الذي استعان بذلك المشهور كمن يؤذن في "مالطا".

ولكن للأسف فإن بعض القائمين على مسؤولية الإعلام في بعض الجهات الحكومية لا يلقون بالاً لتلك المعايير. حيث أصبحنا نرى رسائل إعلامية تصدر عن جهات حكومية بلغة عامية ركيكة، سواء كانت مكتوبة، أو منطوقة، بحجة مواكبة العصر ومخاطبة الجيل الحالي باللغة التي يفهمها ويرغبها. وهذا خطأ بالغ وجسيم؛ فالأجهزة الحكومية لها وقارها وسمتها وشخصيتها الاعتبارية التي لا يجب المساس بها أو التنازل عنها، أو الحط من قيمتها بحجة مواكبة العصر. فالرسائل الإعلامية يجب أن تكتب بأرقى لغة، ويُختار لها أحسن العبارات، وأجمل الصيغ؛ لتعكس صورة الجهة التي تصدر عنها، ثم لتسهم في ارتقاء لغة الخطاب واللغة. وهذا لا يتعارض مع مواكبة العصر، حيث يمكن مخاطبة الجيل بلغة جميلة وراقية.

كما أن الرغبة الجامحة لدى بعض المسؤولين في الحصول على رقعة انتشار واسعة للفعاليات التي يقيمونها يجب ألا تكون على حساب السمعة، والرصانة. والحاذق من استطاع الجمع بين سعة الانتشار مع مشاهير، مع الاحتفاظ بالشخصية الرصينة. 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة