صندوق الحالمين

​يستطيع المشاهير أن يكونوا عناصر فعالة في مجتمعاتهم بما يخدم تنميتها، والجوانب الإنسانية فيها إذا ما تم استيعابهم في مؤسسات مجتمع مدني تستثمر شهرتهم بالشكل الأمثل. ولن نعيد اختراع العجلة في هذا المجال ونتحدث عن مبادئ وكيفية العمل؛ ففي العالم من التجارب الناجحة ما يجعل نقل التجربة وتطبيقها سهلاً للغاية.

ففي كثير من دول أوروبا، وأمريكا، وكذلك في اليابان، ودول الشرق تنشأ صناديق استثمارية هدفها خدمة المجتمع بأساليب جديدة ومبتكرة، وتقوم على مبادرات ودعم المشاهير في كل مجال سواء فن، أو رياضة، أو حتى مشاهير السياسة، والأعمال.

فالفنانون، والرياضيون يجنون أموالاً طائلةً من مواهبهم في مجال إبداعهم وعملهم. ومن حق المجتمع عليهم أن يساهموا في برامج تنميته، سواء بالدعم المادي المباشر، أو من خلال المبادرات الشخصية؛ بجلب ممولين لتلك البرامج. وللأسف إن مثل هذه البرامج والمبادرات غائبة في مجتمعاتنا العربية فهي تعتمد على الدعم الحكومي فقط؛ لذلك كثير منها ولد ميتاً.

ففي الشهر الماضي أعلن لاعب الكرة الياباني "كيسوكي هوندا" تأسيس صندوق للاستثمار يُعنى بالاهتمام بالشركات الناشئة التي تعالج المشكلات الاجتماعية، بالتعاون مع الممثل الأمريكي "ويل سميث"، وأطلقا على المشروع مسمى صندوق الحالمين. حيث يأملان في جمع 100 مليون دولار من مستثمرين عدة. وعلق "هوندا" على هذه المبادرة بقوله أريد أن أحسن حياة الناس.

ويوجد لدينا جمعيات ومؤسسات خيرية وإنسانية تعاني أشد المعاناة في تمويل برامجها مما يجعلها قاصرة عن تحقيق أهدفها؛ بسبب محدودية الموارد. ولو أن المشاهير ساهموا بأموالهم، أو بشهرتهم في جذب ممولين؛ لنهضت هذه الجمعيات والمؤسسات وازدهرت، وحققت أهدافها التي أُنشئت من أجلها، وتوسعت في برامجها بشكل يخدم المجتمع، ويعالج مشاكله المتعددة.

ومن المفترض أن تكون المبادرة من تلك الجمعيات؛ بخلق مصادر تمويل غير تقليدية من خلال المشاهير الذين لن يتوانوا عن المشاركة والدعم والتمويل وخدمة هذه المشاريع الاجتماعية والإنسانية. ولكن للأسف إن القصور يأتي من تلك الجمعيات والمؤسسات التي لم يتهيأ لخدمتها من يحملون الفكر الابتكاري في العمل. فهم مسيري أعمال وفق الأنظمة والإمكانيات المتاحة.

كما أن المشاهير للأسف غير مبادرين لخدمة تلك الأعمال، والنشاطات الإنسانية، والاجتماعية؛ بسبب غياب ثقافة خدمة المجتمع. للاعتماد الكلي على الحكومة في هذا الجانب.

إن الكثير من برامج ونشاطات الأعمال الإنسانية وخدمة المجتمع تزدهر وتنمو بوجود النماذج التي تمثل القدوة، في المجتمع. كوزير سابق، أو عالم، أو أستاذ جامعي مرموق، أو فنان مشهور، أو لاعب كرة يحبه الملايين. ولو أن هذه النماذج اتجهت لخدمة المجتمع في أي نشاط كالاهتمام بالبيئة، أو رعاية الأيتام والأرامل، أو الاهتمام بمرضى السرطان، أو مرضى التوحد، أو الإسكان، أو تشجيع رواد الأعمال من الشباب، وغيرها؛ لرأينا اهتماماً مجتمعياً واسعاً. يسهم في خدمة المؤسسات والجمعيات التي تخدم تلك الفئات، ويؤمٍن لها مواردَ ماليةً كافيةً لتنفيذ برامجها.

ونتذكر أن جمعية رعاية الأطفال المعاقين في بلادنا نشأت بمبادرة من الوزير والسفير السابق غازي القصيبي-رحمه الله-الذي استثمر موقعه وشهرته وماله في إنشاء تلك الجمعية التي تعتبر اليوم من أشهر المؤسسات المجتمعية وأكثر فعالية. ومثل القصيبي نحتاج مبادرين كُثر. وهذا لن يتحقق إلا بالوعي بأهمية المساهمة المجتمعية من قبل المشاهير؛ وفي مقدمتهم مشاهير الإدارة كالوزراء السابقين؛ لقدرتهم على التأثير وعلى اتخاذ الخطوات الصحيحة في العمل، ثم يأتي بعدهم مشاهير الفن، والرياضة الذين يحتاجون التشجيع والتوجيه نحو الطريق السليم لخدمة المجتمع.       

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة