صديقي مديري

العلاقة بين الموظف ومديره حساسة للغاية، تحكمها ضوابط نظامية وجوانب إنسانية. ومن مصلحة الطرفين أن تتوثق هذه العلاقة وتنمو لتصل إلى مستوى الصداقة؛ لكي يتفانى الموظف في العمل لمساعدة صديقه المدير، ويشعر المدير أنه لم يعد بحاجة لاستخدام ما بيده من صلاحيات وسلطات لإجبار الموظف على العمل بانضباط وجدية، فالموظف الصديق خير معين للمدير في إنجاز متطلبات العمل وتحقيق أهداف المرجوة.

والصداقة في محيط العمل محفز للإنتاجية، ومشجع على العمل بروح عالية، وتجاوز كل العثرات الصغيرة، والترفع عما يمكن أن يعوق العمل من منغصات. ومن المهم جداً أن يكون للصداقة بين المدير والموظف حدود لا يمكن تجاوزها؛ ومن أهمها ألا تخرج هذه العلاقة عن الأطر الوظيفية وقيمها مثل العدالة والمساواة بين الموظفين. فلا يأخذ الموظف الصديق من المزايا ما يزيد عن زملائه إلا بقدر عمله، وأن يتساوى مع من يماثله في العطاء المهني والتفوق والإنتاجية، والانضباط. وألا يتم التغاضي عن أي تقصير بدافع من تلك الصداقة.

ولكن ما يؤسف أن بعض الموظفين لا يحسن ضبط أطر العلاقة مع مديره إذا كان صديقه، فيعتقد أنه أصبح يملك مزايا تفوق زملاءه، ويمكنه ارتكاب بعض التجاوزات، أو التقصير دون أن يلقى محاسبة تحت اعتقاد أن المدير صديقه. وهذا الوهم الذي انزلق فيه الموظف قد يكون بداية النهاية لعلاقة لم يحسن المحافظة عليه، ولم يقدّر حدودها بالشكل السليم؛ فيكون سبباً في انهيارها، وقد تحدثه نفسه بأن المدير (قلب عليه)، أو تغير عليه؛ بينما هو الذي هدم علاقة كان يجب أن تقوى وتنمو إنسانياً ووظيفياً. لذلك يحاول كثير من المدريرين فصل علاقة العمل بالعلاقة الإنسانية لكي يقف طل طرف عند حده. ولا يتجاوزه. فيبقى الموظف موظفاً والمدير مدير طوال فترة عملهما مع بعض، لا صداقة ولا علاقة إنسانية. يحكمهما العمل وضوابطه الرسمية. وهذا الأسلوب مثلما له إيجابيات فله سلبيات أيضاً، من أهمها افتقاد روح الفريق الواحد، واكتفاء الموظف بالعمل وفق ما هو مطلوب منه، أو بالحد الأدنى. فلا يكون لديه مبادرات، ولا تفانٍ من أجل تحسين الجودة ورفع الإنتاجية، ولا أفكار ولا مقترحات لتطوير العمل؛ بسبب جمود العلاقة بينه وبين مديره. فبعض المدراء لا يريدون أن يكسروا الحواجز بينهم وبين موظفيهم؛ كي تبقى هيبتهم قائمة. معتقدين أن الإدارة بأسلوب فرض الهيبة والتخويف وبعث القلق هي الأسلوب الأمثل لجعل الموظف أكثر انضباطاً وأكثر إنتاجية، ومتعقدين أيضاً أن إدخال أساليب إنسانية في العمل وكسر الحواجز سيزيل هيبتهم ويفقدهم شخصياتهم أمام موظفيهم. وهذا النوع فاقد للثقة في النفس، ويعوضه بالشدة واستخدام ما بيده من صلاحيات وسلطات؛ لضبط العلاقة مع موظفيه. فهو غير قادر على التأثير الإيجابي في موظفيه بالكلمة الطيبة والمحفزة والابتسامة الجميلة. فكثير من المديرين يملكون وسائل وأساليب إبداعية في تحفيز الموظفين والتأثير فيهم بالكلمات، وتبادل الاحترام، وتقدير جهودهم؛ لذلك يكون عطاء الموظفين وانتاجيتهم معه أفضل وأكبر.

والخلاصة أن المدير كلما كانت ثقته في نفسه أكبر؛ كلما كانت علاقته بموظفيه يسودها الجانب الإنساني، أما إذا كان يشعر بنقص في الثقة بالنفس؛ فإنه يجعل الصلاحيات والسلطات والعقوبات إذا لزم الأمر هي الضابط في العلاقة بينه وبين موظفيه. ​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة