مبروك يا هاني: لقد اصبحت مديرا جديدا

​"هاني طاهر" حاصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز. درس لبعض الوقت خارج المملكة على حساب الشركة التي كان موظفاً بها أثناء دراسته الجامعية، ولكنه ولأسباب أسرية عاد إلى المملكة واستأنف عمله بالشركة في إدارة الموارد البشرية، تلك الإدارة الناشئة الجديدة.

تميز هاني بالجدية في العمل والالتزام والانضباط، وعلاقته الحسنة مع رؤسائه، وزملائه، وحقق نتائج ممتازة في تقويم الأداء السنوي لثلاث سنوات متتالية. كان موضع إعجاب المدير، الجديد لإدارة الموارد البشرية الأستاذ "أسعد صالح"، وكان يخطط للالتحاق ببرنامج "الماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال الذي تقدمه كلية الاقتصاد والإدارة ويلتحق به عادة كثير من موظفي الشركات السعودية في مختلف القطاعات، وكان نظام الدراسة يتيح لهم الحضور للجامعة في إجازات آخر الأسبوع في دوام صباحي، أو مسائي، ويتخرج الملتحق في فترة زمنية لا تتجاوز السنتين.

بدأت تسري شائعات في "إدارة الموارد البشرية"، أن الأستاذ "هاني طاهر" مرشح لإحدى الإدارات الهامة في الشركة؛ ولكن لا أحد يعلم على وجه التفصيل ما هي؟ وأين؟ ومتى؟ لكن الكل يكن المودة والإعجاب لهذا الشاب الذي يطرق أبواب الثلاثين من عمره. وفي صباح اليوم الاول للعمل بعد إجازة عيد الفطر المبارك استدعى الأستاذ "أسعد صالح" "هاني طاهر" وقدم إليه ملفاً يحتوي على معلومات متكاملة عن الشركة، ومنتجاتها، وعملائها، ومورديها، وقياداتها المختلفة، ولوائحها التنظيمية، وهياكلها الإدارية. وطلب منه وضع ملخص له ليكون ضمن مطبوعات إدارة العلاقات العامة بالشركة.

كان "أسعد صالح" في الواقع يقدم امتحاناً جديداً لمرؤوسه "هاني"، وكان ذلك بطلب من القيادة العليا التي كان "أسعد" يحاول إقناعهم بجدية هذا الشاب وما ينتظره من مستقبل واعد. بعد اطلاع المدير "أسعد" على التقرير المقدم من "هاني"، لاحظ أن هاني يملك مواهب جديدة لم تكن ظاهرة، وهي قوة اللغة وسلاستها التي كتب بها التقرير، علاوة على تسلسل أفكاره وعرضها بطريقة جذابة وملفتة للنظر. أطرى المدير "أسعد" على عمله وأخبره أنه سيرشحه لدورة تدريبية في "العلاقات العامة" مدتها أسبوع واحد، وستعقد في مدينة "دبي" في الإمارات العربية المتحدة، وإن عليه أن يستعد لهذه الدورة.

بعد عودته من "دبي" استدعاه الأستاذ "اسعد صالح"، وناوله مظروفا، وطلب منه قراءته أمامه. كان ما بداخل المظروف قراراً صادراً من الرئيس التنفيذي للشركة بتعيينه "مديراً للعلاقات العامة" مع زيادة في الراتب وامتيازات أخرى، على أن يباشر عمله بعد إنهاء إجراءات إخلاء طرف المدير الحالي للعلاقات الذي أُحيل للتقاعد.

تتميز إدارة العلاقات العامة في الشركة بأنها من الإدارات النابضة والأكثر حيوية في الشركة، وبها كفاءات من الموظفين الوطنيين والمتعاقدين الأجانب. ويشير الهيكل التنظيمي للشركة إلى أنها ترتبط بالرئيس التنفيذي مباشرة؛ لكنها ليست على مستوى الإدارات التنفيذية الأخرى حجماً، واختصاصاً.

ما كان إشاعة أصبح حقيقة، وفي خلال دقائق-بعد انتهاء المقابلة-بدأت الاتصالات والرسائل النصية تحمل التهاني لـ "هاني". في غمرة البهجة والفرح والنشوة بالمنصب الجديد عاد "هاني" إلى مكتبه ليجد بعضاً من موظفي العلاقات العامة وزملاءه في عمله السابق يتقاطرون على مكتبه يقدمون له التهاني ويدعون له بالتوفيق، وبعد دقائق وصل أيضا كل من: ضابط الاتصالات الخارجية، وضابط الاتصالات الداخلية في إدارة العلاقات العامة لتقديم التهنئة والإشادة بالقرار الحكيم في تعيينه لهذا المنصب الهام، وفي اليوم التالي ذهب "هاني" إلى مدير العلاقات العامة الذي كان يستعد لمغادرة مكتبه خلال أيام، وتزود منه بالنصائح والإرشادات التي يمكن أن تساعده في عمله.

  1. ما إن انتهت نشوة الأفراح والتهاني، حتى أخذ هاني يفكر في وضعه الجديد: ترى ما هو الدور المطلوب منه في هذه الإدارة الجديدة؟ وهو ليس له سابق خبرة في هذا العمل، إلا ما حصل عليه من معلومات خلال الدورة التدريبية التي حضرها في "دبي"، أو الملف الذي كُلف بدراسته من قبل رئيسه "أسعد صالح". وكيف سيتعامل مع موظفي هذه الإدارة الجديدة التابعين له، وبعضهم لديه خبرة في مجال العلاقات العامة أكثر منه؟ وكيف ستكون الروابط الجديدة بينه وبين الرئيس التنفيذي الأكبر منه سناً، ومركزاً.
  • في غمرة تفكيره هذا خطر على باله سؤال حول ما هو العمل المطلوب منه على وجه التحديد؟ هل هناك وصف وظيفي لهذا العمل؟ تذكر الملف الكبير الذي سلمه له رئيسه السابق، فعاد إليه ليجد فعلاً توصيفاً كاملاً للمهمات والوظائف المختلفة لإدارة العلاقات العامة؛ بل ووجد أيضا هيكلاً تنظيمياً مصغراً يبرز فيه أهم أقسامها والمسؤولين عنها.
  • في اليوم الأول لمباشرته وظيفته الجديدة استدعاه الرئيس التنفيذي للشركة وقال له: "بدوري سأقدم كل الموارد والإمكانيات التي تتيح لك أداء عملك على الوجه المرضي ".
    وقبل خروجه من المقابلة ذكره الرئيس-في نبرة ودية-بما يلي:
    " أنت يا هاني اليوم أصبحت مسؤولاً أمام نفسك. مسؤولاً أمام مؤسستك، ومسؤولاً تجاه الآخرين".
  • بعد خروجه من مكتب الرئيس التنفيذي؛ أخذ يفكر في هذه المسؤوليات الجديدة؛ فلم يخطر على باله أن "الإدارة مسؤولية" وكأنه يسمعها للمرة الاولى.

"هاني": ما انت فاعل؟

  • إليك أولاً هذه النصائح:
  • حاول التفكير بمفردك في هدوء، أو ستجد نفسك في دوامة كبيرة وحالة ذهنية مزرية. (المهام أصبحت كبيرة، وكذلك المسئولية).
  • تذكر كيف كان الأمر بالنسبة إليك وأنت موظفاً. كنت تابعاً فأصبحت متبوعاً الآن.
     
  • خذ الوقت اللازم للتعرف على فريق عملك، واسألهم بما يفكرون فيه.
     
  • تذكر أن مرؤوسيك ليسوا أصدقاء لك، يمكن أن تكون ودوداً معهم؛ ولكن عليك أن تقوم بدور جديد.
     
  • تعرف على أهمية أندادك في الإدارات الأخرى، وحاول أن تكون مهذباً في علاقتك معهم، وتذكر أن اندادك من الرؤساء الآخرين إما أن يكونوا "أصدقاءً"، وإما أن يكونوا مدمرين".
  • لا تغير كل شيء بين عشية وضحاها؛ وإذا فكرت في شيء من هذا حاول أن تشرك معك موظفيك في اتخاذ القرار.
     
  • احرص على تنمية علاقاتك مع الرؤساء الآخرين، والمرؤوسين؛ فهذا ضروري لكي تحقق النجاح الذي تسعى إليه.

من حسن حظك "يا هاني" إنك خريج قسم إدارة الاعمال؛ فهذا يسهل عليك كثيراً من أعمال الإدارة؛ لكن انتبه: ما قد تواجهه في العمل، قد لا يدرسونه في الجامعة.

التخطيط

وتعني هذه الوظيفة مواجهة المستقبل لما يجب أن يتم عمله، وكيف، ومتى، وأين، ومن يقوم بالتنفيذ؟ وهو يعني أيضا تضييق الهوة بين ما نحن فيه اليوم، وما سنكون عليه غداً. واعلم أن وظيفة التخطيط لا تقتصر على مدير بعينه، ولكنها وظيفة كل القياديين في المؤسسة؛ ولكن بحجم اختلاف المسؤولية، وحجم المركز الإداري في الهيكل التنظيمي.

ولا تنسى يا "هاني": إن هناك أنواعاً متعددة من الخطط منها: طويلة الأجل، ومتوسطة الأجل، وقصيرة الأجل، وهناك الخطط الطارئة والخطط البديلة، والخطط الخاصة بإنجاز مهمة خاصة. كما لا تنسى يا "هاني" إن وظيفة التخطيط لا تكتمل إلا بوظيفة الرقابة.

التنظيم

سيتبن لك يا "هاني" أن هناك مصطلحات ترتبط بمفاهيم التنظيم والهياكل التنظيمية مثل:

  • وحدة الأمر والتوجيه: تلقي الأوامر من مصدر واحد.
  • تسلسل السلطة: تلقي الأوامر من الرئيس المباشر.
  • التفويض: أن يفوض الرئيس بعض اختصاصاته إلى أحد مرؤوسيه، أو بعضهم.
  • نطاق السلطة: قدرة الرئيس على الإشراف على عدد معين من المرؤوسين.
  • مبدأ توازن السلطة والمسؤولية: لا يسأل الموظف إلا في حدود ما أُعطي له من صلاحيات.

توطين الموارد البشرية

الموارد البشرية إلى جانب الموارد المالية، والموارد الطبيعية، وهي المحركات الأساسية لتحقيق أهداف المنظمات.

تتناول هذه العملية: امداد المنظمة بالعناصر البشرية المؤهلة؛ للعمل في كل قطاعاتها بدءاً من عملية الاستقطاب والتعيين، مروراً بتقويم الأداء، والتدريب، ورسم سياسات العمل فيما يتعلق بالترقيات، والحوافز، والأجور، ونظام الجزاءات، وكل ما يعني بشؤون العاملين.

القيادة والتوجيه

اعلم يا "هاني" أن القيادة هي أعلى مراتب الإدارة، وإن مرؤوسيك يتوقعون منك إدارة تتميز:

  • بالإقناع والتأثير.
  • المقدرة والكفاءة مقترنة بالخبرة.
  • الدعم والتشجيع والمساندة لأتباعه، ودفعهم للأمام، وخاصة الموارد البشرية الوطنية.
  • التمتع بقدر من الذكاء العاطفي، والثقة في النفس.

الرقابة

تعني التأكد من تنفيذ الأهداف، والخطط، وما يترتب على ذلك من تنفيذ الالتزامات، ومقارنة الأداء بالمعايير المحددة سلفاً، وتصحيح الاختلافات.

نعود إليك الآن يا "هاني":

إذا كنت قد استذكرت المبادئ السابقة للإدارة؛ فأنت الآن جاهزاً كي نقول لك: إن عليك أن تعرف أن مهارتك وقدرتك لن تتوقف على هذه المبادئ. كما ذكرت سابقا، أنت الآن تقود نفسك، وتقود مؤسستك، وتقود آخرين.

ما هو المطلوب منك الآن هو أن تحقق قدراً كبيراً في ثلاث مهارات يحتاجها المديرون أثناء ممارساتهم الإدارية، وفقا لمواقعهم في دائرة السلطة والمسؤولية، وهي المهارات الفكرية والمعرفية، ومهارة الأداء، ومهارة التعامل الإنساني.

أخيرا كلمة لكل مدير جديد

لا تنس أيها المدير الجديد أنك أيضا لازلت تابعاً؛ فهناك رئيس أعلى منك، وستظل تابعاً حتى لو وصلت إلى منصب الرئيس التنفيذي، أو العضو المنتدب. هذا يعني أن هناك من هو أعلى منك سلطة، ويملك الأمر والنهي والمعرفة.

وأخيراً تذكر: ربما تحدثك نفسك أيها المدير الجديد بأنك الآن تعرف كل شيء، وإنك ستكون أفضل مدير في العالم. لا تتسرع في الحكم على نفسك؛ فبمجرد أن تنتهي نشوة الفرح بالترقية الجديدة ربما تصاب بالذعر؛ بسبب إدراكك إنك لا تمتلك أية فكرة عما يجب فعله الآن مع موظفيك. قبل الترقية كان من الصعب بما يكفي أن تقوم بتوجيه مسيرتك الوظيفية بنجاح وتبقى خارج إطار المشكلات. الآن يجب عليك فعل الأمور نفسها مرتين؛ لأنك مسؤول عما يفعله موظفوك، ومسؤول تجاه رئيسك عما تفعله. 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة