د.عبدالله الربيعان ود.طارق الأمين يبحثان تقييمها في سلم الوظائف العامة بالمملكة مدى كفاية الحوافز المادية لزيادة إنتاجية موظفي الأجهزة الحكومية

​​​​العنصر البشري هو أهم ما تمتلكه المؤسسات المختلفة؛ فهو محور جودة أدائها الذي تسعى دائما إلى تحفيزه بوسائل متنوعة؛ لرفع إنتاجها، وإنتاجيتها بكفاءة وفاعلية، وهو الأمر الذي توليه المؤسسات الحكومية بالمملكة اهتماماً كبيراً في ظل رؤية المملكة 2030، وهو ما تجلى في برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية الذي يعد برنامجاً رئيساً من برامج هذه الرؤية.

وينظر الخبراء والمتخصصون للحوافز وخاصة المادية منها باعتبارها أهم هذه الوسائل في حث هذا العنصر البشري على تحقيق أهداف تلك المؤسسات؛ وفي ضوء ذلك أجرى كل من: د.عبدالله بن خالد بن ربيعان، ود.طارق حسن الأمين بحثاً ميدانياً عن "تقييم مدى كفاية الحوافز المادية في سلم الوظائف العامة لزيادة إنتاجية الموظفين في الأجهزة الحكومية في المملكة العربية السعودية" والذي صدر عن معهد الإدارة العامة، ونستعرضه معكم في هذا العدد، وإليكم التفاصيل.

لائحة واختلافات

يتكون هذا البحث من: مقدمة، وستة فصول متنوعة، بالإضافة إلى المراجع، والملاحق. ويؤكد الباحثان في المقدمة على أن تطوير الموارد البشرية قد نال اهتمام الحكومة السعودية؛ باعتبارها هي عنصر فاعل في تحقيق النماء والتنمية بالمملكة؛ ولذلك كان الاهتمام بتحفيز هذه الموارد بطرق وبأشكال مختلفة-خاصة الحوافز المادية-لزيادة الإنتاجية والكفاءة في العمل الحكومي. ويشيران إلى أن لائحة الحقوق والمزايا المالية-التي شهدت عدة تعديلات-نظمت ما يستحقه الموظف على سلم الوظائف العامة من حقوق وامتيازات؛ وقد جاءت هذه اللائحة بهدف تحسين ورفع كفاءة وإنتاجية الموظفين على السلم وصولاً إلى الأداء المتميز، وتشمل اللائحة كلاً من: الرواتب والعلاوات (المواد من 1 إلى 5)، ولائحة البدلات والمكافآت والتعويضات (المواد من 6 إلى 54)، علاوة على أحكام عامة تقع في المواد (من 55 إلى 60) من اللائحة. وقد اختلف الباحثون والخبراء حول مدى كفاية الحوافز والمزايا المادية لهؤلاء الموظفين؛ فهناك من يرون أنها كافية، وهناك من يرون عكس ذلك، كما أن هناك فرقاً بين ما يُصرف لموظفي سلم الوظائف العامة، وما يُصرف لموظفي هيئات ومؤسسات عامة وبعض الأجهزة الأخرى التي لا تتبع لسلم الموظفين العام، فضلاً عن مقارنة ما يُصرف لموظفي السلم العام مع أقرانهم في القطاع الخاص.

14 نظرية

ويتناول الفصل الأول "مدخل البحث"؛ فيحدد مشكلته، وأهدافه، وأسئلته وأهميته، وحدوده ونطاقه، ومصطلحاته التي تنحصر في: الحوافز، وكفاية الحوافز المادية، والحوافز الاعتيادية، والحوافز الاستثنائية، وإنتاجية الموظف، والمستوى الوظيفي (سلم الوظائف العامة، ومعدل التضخم، ومعدل الإعالة، والتفاوت في مستوى المعيشة بين المدن، والأجر الأساسي، والتميز في الأداء، والأجر الإجمالي، وتقدير كفاية الأداء). فيرى الباحثان أن "كفاية الحوافز المادية" يقصد بها مقارنة أنواع الحوافز (الموجبة، أو السالبة) التي وردت في نظام الخدمة المدنية ولائحة الحقوق والمزايا المالية-وهي بطبيعتها مالية فقط-مع أنواع الحوافز الأخرى المالية والمادية التي وردت في دراسات سابقة، وفي نظريات التحفيز الإداري البالغ عددها 14 نظرية.

ويلقي الفصل الثاني الضوء على "تعريف الحوافز وأنواعها ومعايير منحها"، فيُعرٍف الحافز-بحسب التعريفات الإدارية-بأنه "عبارة عن قوة جذب خارجية تحددها الإدارة في المنظمة؛ من شأنها أن تستقطب اهتمام الأفراد، وتعتمد الحوافز في قوة تأثيرها على مدى تعبيرها عن حاجات ورغبات الأفراد في محيط العمل". ثم يقدم الباحثان تعريفاً إجرائياً للحوافز المادية في الأجهزة الحكومية، باعتبارها تلك الحوافز المادية الملموسة التي تُقدم للعاملين نظير جهد معين أو اقتراح معين أو اختراع ما وعادة ما تكون أموالاً نقدية مثل الراتب والمكافآت التشجيعية والعلاوات والدرجات المالية. ويستكمل الباحثان بالحديث عن أنواع هذه الحوافز كالرواتب، والعلاوات، والبدلات، والمكافآت، وكذلك بالحديث عن أنواع الحوافز من حيث: تأثيرها، وطبيعتها، والمستفيدين منها، وأهدافها، والتطبيق، والفترة الزمنية. كما يتناولان معايير منح الحوافز، والحوافز في المملكة العربية السعودية مقابل الحوافز في الإمارات، والحوافز في سلم الوظائف العامة مقابل الحوافز في السلالم الأخرى، والأرقام القياسية لتكلفة المعيشة حسب بعض أقسام الإنفاق الضرورية (1995-2016).

ويناقش الفصل الثالث "نظريات الحوافز والدراسات السابقة"، فيركز على الحوافز في خمس نظريات هي: النظرية الاقتصادية، والنظرية الكلاسيكية للإدارة (الإدارة العلمية)، ونظرية العلاقات الإنسانية، والنظرية الكلاسيكية، والمدرسة الحديثة للإدارة. كما يناقش هذا الفصل أيضا الحوافز في نظام الخدمة المدنية، بالإضافة للدراسات السابقة العربية، والأجنبية. ويحدد الفصل الرابع "منهجية البحث"، وذلك من خلال: المنهج المستخدم في جمع البيانات سواء: المكتبية، أو الميدانية، ومتغيرات الدراسة، ومجتمع الدراسة، وأسلوب المعاينة وحجم العينة التي بلغ قوامها 536 استبانة (منهم 527 للذكور، و193 للإناث)، ووحدة التحليل، وأداة وأسلوب جمع البيانات، وصدق وثبات الاستبانة، وأساليب المعالجة الإحصائية. ويتابع الباحثان في الفصل الخامس "عرض وتحليل البيانات الميدانية".

مقترحات تطويرية

ويختتم الباحثان بحثهما بالفصل السادس الذي يُجمل "النتائج وأبرز التوصيات"؛ فقد توصل البحث لنتائجه التالية: عدم كفاية الحوافز المادية التي تقدمها الأجهزة الحكومية التي تعمل بنظام سلم الخدمة المدنية. واتضح أن مستوى كفاية الحوافز المادية الاستثنائية المرتبطة بالإنتاجية جاء متوسطاً، وثبت أن هذه الحوافز بهذه الأجهزة تختلف بشكل كبير عما عليه الوضع بالنسبة للجهات التي لا تخضع لسلم نظام الوظائف العامة "مراتب"؛ إذ جاء المستوى العام لعدم التكافؤ مرتفعاً جداً. كما تبين عدم تناسب الحوافز المادية الحالية مع عوامل داخل عمل الموظف كالتضخم، والإعالة، وفارق المعيشة بين المدن. وتركزت المقترحات التطويرية لنظام الحوافز المالية التي يراها منسوبو الأجهزة الحكومية الخاضعين لسلم نظام الخدمة المدنية (مراتب) في التالي: ضرورة تعديل سلم رواتب الموظفين الحالي لمسايرة غلاء المعيشة المتزايدة باستمرار، وضرورة توفير تأمين طبي للموظف ومن يعول، وضرورة توفير بدل سكن للموظف، وضرورة العدالة والمساواة في الترقية، وضرورة العدالة والمساواة في تقييم الأداء الوظيفي، وإعادة النظر لزيادة مكافأة نهاية الخدمة.

وفي ضوء ما توصلا إليه من نتائج؛ يبدي الباحثان العديد من التوصيات الجادة. نذكر منها ما يلي: ضرورة تحسين العلاوة السنوية وفق المرتبة والدرجة التي يعمل بها الموظف وربطها بالارتفاع السنوي للأسعار، وضرورة تحسين بدل الانتداب سواء: داخل المملكة، أو خارجها عن كل يوم يقضيه الموظف خارج مقر عمله، وضرورة تحسين بدل طبيعة العمل، وضرورة تطوير آلية واضحة لتقويم الأداء وربطها بالترقية والحوافز والخطة الإستراتيجية للجهاز الحكومي، وضرورة إيجاد آلية وخطة واضحة لتدريب وتأهيل الموظف منذ التحاقه بالوظيفة تتناسب مع المنصب الذي يتم تأهيله له خلال سنوات معينة من خدمته.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة