جرائم الشائعات الإلكترونية ومكافحتها

إن ثورة المعلومات كانت لها الأثر الكبير في حرية تداول المعلومات عبر الشبكة المعلوماتية، المرتبط بحقين أساسيين: أولهما الحق في التعبير عن الرأي ونقله للأخرين، وثانيهما الحق في المعرفة وحرية تدفق المعلومات وما صاحبه من استخدامات جديدة لوسائل الاتصال عن بُعد؛ بحيث تتحول جريمة الشائعات الإلكترونية من جريمة تقليدية محلية إلى عالمية، أو ما يسمى بالمعلوماتية عن بعد التي جعلت العالم كله وحدة سكنية واحدة، مع العلم أن لشبكات الاتصال الإلكترونية دورين مختلفين وهما: الأول إيجابي؛ حيث إن هذه الشبكات لعبت دورًا فاعلًا في التفاعل مع الآخرين،  وسرعتها في توفير المعلومات بكفاءة وفعالية، والتجارة الإلكترونية، وحصول الباحثين عن المعارف بمجرد الضغط على بضعة أزرار. أما دورها الثاني فهو سلبي؛ إذ أصبحت تلك الشبكات مصدراً مهماً للمعلومات الخاطئة والأخبار المزيفة لنشر الفوضى والتضليل الإعلامي والأمني ونشر الشائعات الإلكترونية.

فالشائعة الإلكترونية هي كل سلوك إنساني غير مشروع بترويج خبر مختلق، أو معلومات وأفكار مشوهة بشكل كلي أو جزئي ذات أهمية وقابل للتصديق، من مصدر مجهول (المرسل)، ليتناقله الناس دون التأكد من صحته (المتلقي)، في ظرف معين بنية الإضرار بالمصلحة محل الحماية شرعاً وقانوناً مخالفاً القيم الضرورية أو ما يعد قيماً (آلية الحماية)، سواء إقليمياً أو عالميا (المكان) عبر وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة (الوسيلة) زُجر عنها بعقوبة شرعية (بحد، أو قصاص، أو تعزير أو عقوبة (جناية، أو جنحة، أو مخالفة). فالشائعة الإلكترونية هي نشر حدث كاذب فيه خرق للقانون ذو أهمية في موضوع غامض عبر وسائل تكنولوجيا الاتصال.

خصائص ومخاطر جريمة الشائعات الإلكترونية: والتي تتحدد في الآتي: أولاهاخاصية الغموض؛ بسبب انعدام الأخبار بشأنها، أو انقطاعها أو تضاربها أو عدم الثقة في المصدر الرسمي للخبر. وثانيتها خاصية الأهمية؛ نظراً لجاذبية الموضوع وتعبيره عن احتياج المتحدث والمتلقي لرسالة الشائعة. والثالثة أن جريمة الشائعة قد تمس الأمن العام. والخاصية الرابعة هي أنها من جرائم العدوان على حقوق الأفراد. وخامسها أنها قد تؤدي إلى جريمة دولية (القانون الدولي الجنائي)؛ إذ أنها قد تؤدي إلى فتنة تتسبب في وقوع جريمة إبادة جماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب بإلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر والخطر (حسب المادة الخامسة الفقرة الأولي من نظام روما 1998 م). وخاصيتها السادسة هي أنها جريمة مستمرة؛ فهي تتكون من فعل إجرامي أو امتناع يقبل الاستمرار فترة زمنية نسبية. وتتحدد خاصيتها السابعة في كونها جريمة علانية؛ لأنها تقع عبر وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة باستخدام شبكة المعلومات العالمية. وتبرز خاصيتها الثامنة باعتبارها جريمة عالمية؛ ففضائها الإلكتروني بلا حدود، فهي تتجاوز الإقليمية ويُتنازع فيها الاختصاص الجنائي، والاختصاص القضائي، وقواعد الإثبات، وغيرها. والخاصية التاسعة هي السرعة في نقل الشائعة عبر الشبكة الإلكترونية المعلوماتية؛ لأنها تستخدم شبكة الإنترنت التي تتميز بالسرعة والتنوع والتكاثر. كما أن خاصيتها العاشرة هي قلة تكاليف نقل الإشاعة؛ فترويجها عبر الإنترنت لا يكلف منتجها دفع رسوم ولا ثمن ورق ولا حبر. ونختتم بخاصيتها الحادية عشر المتمثلة في سرعة التحديث والتحوير.

مكافحة جرائم الشائعات الإلكترونية: إن احترام حرية التعبير عن الرأي من التبصير بالحقائق حق من حقوق الإنسان وحرصت على حمايتها المواثيق الدولية، والنظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/90) تاريخ 27/8/1412هـ في المادة السادسة والعشرين "تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية". أما الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي فيحتاج إلى فرض قيود على الحق في التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحماية حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو الأمن الوطني، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة في أمان من الشائعات. كما نصت (المادة 19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في الفقرة الثالثة. ونصت المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي  الصادر بالمرسوم الملكي الكريم  رقم( م/17 ) تاريخ 8/3/1428هـ "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المعلوماتية الآتية:1- إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي..3-إنشاء المواد والبيانات المتعلقة بالشبكات الإباحية، أو أنشطة الميسر المخلة بالآداب العامة أو نشرها أو ترويجها...". ونصت المادة الثامنة منه "لا تقل عقوبة السجن أو الغرامة عن نصف حدها الأعلى إذا اقترنت الجريمة بأي من الحالات الآتية:1-ارتكاب الجاني الجريمة من خلال عصابة منظمة...". كذلك نصت المادة التاسعة "يعاقب كل من حرض غيره، أو ساعده، أو اتفق معه على ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام؛ إذا وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض، أو المساعدة، أو الاتفاق، بما لا يتجاوز الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها، ويعاقب بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها إذا لم تقع الجريمة الأصلية. كما حددت المادة الثانية الهدف من النظام وهو "الحد من وقوع جرائم المعلوماتية"؛ حيث "يهدف هذا النظام إلى الحد من وقوع جرائم المعلوماتية، وذلك بتحديد هذه الجرائم والعقوبات المقررة لكل منها، وبما يؤدي إلى ما يأتي: 1-المساعدة على تحقيق الأمن المعلوماتي 2-حفظ الحقوق المترتبة على الاستخدام المشروع للحاسبات الآلية والشبكات المعلوماتية 3-حماية المصلحة العامة، والأخلاق، والآداب العامة.4-حماية الاقتصاد الوطني." لذلك يجب نشر الثقافة القانونية للجمهور بخطورة جرائم الشائعات الإلكترونية والتثبت من الخبر حتى لا يقع تحت المسؤولية القانونية.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة