تغيير العملية التعليمية أولاً

​​​​تتجه المملكة الآن نحو معالجة الكثير من معوقات التقدم الحقيقي للدول والمجتمعات الراغبة في الانتقال من الحياة التقليدية الرتيبة إلى الحياة الأكثر حيوية وإثبات وجود في عالم يتقدم بسرعة مذهلة؛ وقد فرض هذا النوع من التغيير النوعي لنمط الحياة السائد مجموعة من المتغيرات يرد في مقدمتها :

  1. ​تسارع خطوات المجتمع الدولي نحو الانتقال إلى عوالم افتراضية بخطوات علمية خلاقة تسبق أنماط التفكير السائدة في المجتمعات المتقدمة-فما بالنا بالمجتمعات النامية أو الصغيرة-يحدث هذا بفعل التقدم المذهل في عوالم التقنية والتكنولوجيا المتطورة.
  2. الرغبة الشديدة في إزالة الحواجز-من أي نوع كان -بين المجتمعات؛ سواء كانت هذه الحواجز المعطلة ثقافية، أو إجتماعية، أو سياسية، أو اقتصادية ، أو أمنية؛ وذلك باللجوء إلى "أنسنة" الفكر، والتعامل، والسلوك بعيداً عن التراكمات المعيقة لمثل هذا التقارب بين الشعوب.
  3. تغير مفاهيم القوة؛ من تضخيم القدرات العسكرية في الأعداد والعدد والتجهيزات إلى الاستخدامات الحديثة والعصرية للقدرات العالية التأثير والعابرة للقارات في ثوانٍ معدودات..وبوسائط متقدمة وربما غير مادية أو مرئية.
  4. اختصار العالم للمسافات باستخدام قدرات هائلة وجديدة؛ للانتقال خلال ساعات محدودة، وربما في لمح البصر؛ كما سنرى ذلك خلال عشر سنوات من الآن فأقل.
     
    وبكل تأكيد فإن المملكة في ظل هذه التحولات العالمية القوية؛ وجدت نفسها أمام خيار صعب يحتم عليها أن تكون، أو لا تكون. هذه الحقيقة دفعت الدولة إلى اتخاذ خطوات قوية ومؤثرة على المستوى الثقافي، أو الاقتصادي، أو السلوكي، والمجتمعي؛ حتى نكون جاهزين لطفرة ما بعد التحول بكفاءة أعلى سواء عن طريق البحث عن موارد مالية متجددة وغير قابلة للنضوب، أو كانت عبر إحداث تغيير في التفكير وفي العادات والسلوك العام؛ لإيجاد إنسان جديد لا تعيق تقدمه موانع، وأفكار، وترسبات "ظلامية" حرمتنا من الإحساس بالحياة زمناً طويلاً، وعطلت قدرتنا على الخلق والإبداع وحرمتنا من التفاعل بقوة مع مجتمعات الدنيا الأخرى .
     
    ولا شك أن لهذه النقلة النوعية بعض الآثار الجانبية؛ وإن علينا أن نتحمل لبعض الوقت نتائج هذا التحول من حالة الجمود والاستسلام وتعطيل القدرات إلى حالة التفكير الجاد والعمل المتواصل والسير بقوة في الإتجاه الصحيح. وإذا استطعنا الصمود أمام ما قد يترتب على هذا التحول من آثار مادية ونفسية-نظن أنها محدودة-فإننا نكون قد ساعدنا أنفسنا وبلدنا على أن تأخذ طريقها الصحيح نحن المستقبل الأفضل .
     
    ومن هذه المنطلق فإن الرهان على الشباب في مرحلة البناء هذه؛ هو التحدي الحقيقي الذي يجب أن ننجح فيه، وتلك مسئولية بالغة التعقيد يتحملها الجيل الجديد، وعليه أن يثبت أنه في مستواها وهو كذلك إن شاء الله تعالى .
     
    لكن ما أريد التأكيد عليه في هذه العجالة أن هذا المستوى الجذري من التغيير، ووضع المسئولية بالكامل على كاهل الأجيال الجديدة؛ يتطلب تغييراً جذرياً للعملية التعليمية. وكم كنت أتمنى أن تبدأ هذه العملية قبل الآن؛ لكي نؤسس لنقلات نوعية قوية ومتوالية وفي كل مجال من مجالات الحياة. ومع ذلك فإن الوقت مازال مبكراً لإحداث ثورة حقيقية في هذه العملية؛ حتى نستطيع تأهيل أجيال جديدة قادرة على تحمل أعباء المسئولية التي تضعها الدولة على كاهلهم.
     
    والهدف من هذا التغيير المنشود في العملية التعليمية هو تقليص الفجوة العميقة بين التعليم العام، والتعليم العالي، وبينهما وبين التعليم الفني والتقني، وإزالة الحواجز والموانع التي تحول دون تدفق العملية التعليمية وانسيابيتها؛ لكي نحصل في النهاية على مخرجات عالية الجودة وقادرة على استيعاب معطيات العصر وابتكار الحلول للمشكلات؛ من خلال الأبحاث والدراسات والكشوف العلمية وليس غيرها.
     
    وإذا تحقق هذا في المدى القصير؛ فإن المستقبل الذي حلم به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويعمل على تحقيقه؛ سوف يكون باهراً والحمد لله، وذلك ما نتوقع ونرجو ونتمنى.

​​

15/07/1439
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة