ترمومتر الاقتصاد

​اهتم رواد علم الاقتصاد بإخضاع الظواهر الاقتصادية للدراسات العلمية الدقيقة، وذلك منذ فكرة سيادة القوانين الطبيعية للفيزوقراطين في القرن الثامن عشر، على يد "فرانسوا كيناي" طبيب الملك الفرنسي "لويس الخامس عشر". فقد شبًه عملية توزيع الــدخل ودوران الثروة على طبقات المجتمع بالدورة الدموية داخل جسم الإنسان، وذلك في كتابه الشهير "الجداول الاقتصادية" عام 1750م الذي شرح فيه دورة الدخل، أو مايطلق عليه في الوقت الحاضر الدخل القومي، وطريقة توزيعه بين القطاعات الاقتصادية المختلفة.

وما هو واضح للعيان أن أي اقتصاد يتكون من عدة قطاعات، كما يتكون جسم الإنسان أيضاً من مجموعة من الأجهزة المترابطة والمتكاملة مع بعضها، هذه الأجهزة تتفاعل مع بعضها. فإذا حدث أي خلل في أيٍ من هذه الأجزاء؛ فإنه تتغير على أثره درجة حرارة الجسم؛ لذلك يستخدم الطبيب الترمومتر كمؤشر ليدل على وجود خلل ما في أحد أجهزة جسم الإنسان.

وإذا أمعنا العقل هنا: ما وجه الشبه بين ذلك وبين علم الاقتصاد؟ التشابه هو أن القطاعات الاقتصادية تتفاعل مع بعضها أيضا مثل (التفاعل بين أجهزة جسم الإنسان)، ويظهر هذا التفاعل في صورة نمو أو كساد في القطاعات الاقتصادية المختلفة (أو نمو في الدخل القومي)؛ وعليه ينظر الاقتصادي إلى النمو في الدخل القومي للتعرف على التغيرات التي تحدث داخل النشاط الاقتصادي، فإذا وجد أي خلل في أحد القطاعات، فمعنى ذلك أن الاقتصاد أضحى يعاني من أحد المشاكل الاقتصادية وذلك في صورة (تضخم، بطالة، عجز الميزانية العامة، تزايد الدين العام، خلل في ميزان المدفوعات،....)، وهي أمراض تصيب الاقتصاد،ربما تكون مؤقتة أو مزمنة.

 لكن كيف يقيس الاقتصادي التغيرات في الاقتصاد وما هو مؤشره؟ يقيس ذلك بمعدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي GDP، أو من خلال معدل النمو في الدخل القومي، أو الإنفاق القومي. ففي المملكة العربية السعودية توضح المؤشرات أنه من المتوقع أن تتحسن معظم المؤشرات الاقتصادية الكلية في عام2018 م مقارنة بعام 2017 م؛ حيث أشارت تقديرات وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 2.7% مدفوعاً بإرتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي بنحو 3.7%، كما يلعب القطاع الحكومي دوراً مهماً في نمو القطاع غير النفطي؛ نتيجة لارتفاع الإنفاق الحكومي بنحو 5.6 % لتنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية الحالية، بجانب الإصلاحات المستقبلية المتضمنة تحفيز الاستثمار ورفع ثقة المستثمرين والتوجه نحو الخصصة، والإنفاق الرأسمالي الموجه، وعلى العديد من المشاريع الحيوية الأخرى، لرفع مستويات الإنتاجية، وغيرها من المبادرات التي تهدف إلى تحقيق رؤية المملكة 2030 م.

ويتركز النمو الاقتصادي في القطاعات الرئيسة التالية: قطاع الصناعات التحويلية، وقطاع التشييد والبناء، إضافةً إلى قطاع التعدين وقطاع الخدمات المالية، والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال، والاتصالات. وتشير التقديرات متوسطة المدى إلى تجاوز معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي 3.2% بنهاية عام 2020 م، كما يُتوقع أن يسجل نمو الناتج المحلي الإسمي 3.2% في عام 2019، وأن ينمو بنحو 3.7% في عام 2020م، وهذه المؤشرات هي الترمومتر الذي يُستَخدَم من قِبل الاقتصاديين.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة