المحاسبة القضائية دعماً للشفافية وجذباً للاستثمار

​المحاسبة هي العمود الفقري لجميع الوحدات؛ لأنها تتأثر وتؤثر في البيئة التي تقوم بخدمتها حيث تُستخدم مخرجاتها من قبل متخذي القرارات داخل الوحدة وخارجها؛ لذلك يجب أن تتصف هذه المعلومات بالشفافية وصدق التعبير لتصبح القرارات التي بُنيت عليها رشيدة. لذلك حاول المهتمون بالمحاسبة منذ نشأتها وضع القوانين والتشريعات التي تنظم مهنة المحاسبة، والعلاقات التي تربطها بغيرها من العلوم كالمجتمع، والبيئة، والقضاء.

وقد ظهرت عدة محاولات في المجال المحاسبي نادت بربط المحاسبة بالقانون مستندة إلى احتياجات القضاء للمعلومات المحاسبية عن الفصل في بعض النزاعات في مجال القضاء منذ عام 1982م. ونلفت إلى أن هناك دراسات تشير إلى أن المحاسبة القضائية ظهرت في اسكتلندا فعام 1824م عندما قام أحد المحاسبين بإعلان عن خبرته في مجال دعم التحكيم.

وبرزت الحاجة الحقيقية للمحاسبة القضائية في بداية القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية عند فرض ضريبة الدخل الاتحادية والتي أوجبت ضرورة وجود محاسب قضائي؛ منعاً للتهرب الضريبي. وقد تطورت المحاسبة القضائية عبر السنين: ففي عام 1946م نُشر مقال بعنوان: "المحاسبة القضائية "مكانها في اقتصاد اليوم"، وفي عام 1982م صدر كتاب بعنوان: "المحاسبة القضائية"، كما أصدر المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونين (AICPA) دليل ممارسة المحاسبة القضائية عام 1986م الذي حدد مجالات خدمات المحاسبة القضائية؛ مثل تحديد قيمة الأضرار، ومنع الاحتكار، والتقييم والاستشارات العامة، وتحليل جانب النزاع المال؛ ونتيجة لنمو هذه المهنة تأسس المجلس الأميركي للمحاسبين القضائيين في مارس 1997م.

وتهتم المحاسبة القضائية باستخدام الحقائق المالية في مجالات الدعاوى القضائية والتي تساعد المدعي في الحصول على حقوقه ومتطلباته. وتُعرف المحاسبة القضائية بأنها تطبيق المعرفة المتخصصة في مجال فحص حالات الغش المالي، وهي مهارة محددة للعثور على أدلة من المعاملات الاقتصادية.

 وعلى صعيد آخر، فالمحاسبة القضائية تتضمن خمسة مجالات هي: التقاضي في مجال الأعمال المالية والمصرفية، ووضع الضوابط المناسبة لعمليات الاحتيال والغش المالي، وتحديد الثغرات التي من شأنها أن تحدث عمليات الاحتيال والفساد المالي، والتأكد من صحة الوضع المالي للمنشآت المراد إعادة تقييمها أو تصفيتها، وفحص وتحليل أسباب الخسائر المحققة مما يساعد على تعزيز المساءلة للمتعدي على حقوق الغير.

    وتتطلب المحاسبة القضائية المعرفة بالقانون والمحاسبة معاً، إضافة إلى مهارات ومعارف أساسيه لابد من توافرها في المحاسب القضائي مثل: التعليم والتدريب المستمر، والحصول على شهادات مهنية في مجال القضاء، ومهارات العرض والاتصال نسبة لشهاداتهم القانونية المستمرة، ومهارة القيادة التي تُمكنه من التفاعل مع فريق العمل، والمقدرة على التمييز بين الواقع والخيال، والإلمام بكافة أساليب الغش والمسؤولين عنه، والتعامل مع التكنولوجيا.

      وتجدر الإشارة إلى أن أهمية المحاسبة القضائية تتركز في أنها تلبي احتياجات كل من القضاء والأجهزة الرقابية والمستثمرين والمقرضين وغيرهم، وإلى الحد الذي يمكن معه تخفيض معدل الجرائم المالية وتأييد الدعاوى القضائية والحد من الغش والاحتيال المالي؛ مما يُعزز جانب المساءلة المالية المؤيدة بالأدلة القانونية، كما تزداد أهمية المحاسبة القضائية للأسباب التالية: عدم كفاية الإجراءات الواردة من معايير التدقيق لاكتشاف ومنع الغش والتلاعب الجوهري في الأمور المالية، وزيادة الحاجة للمحاسبين القضائيين لتدقيق العمليات ذات المخاطر المرتفعة للمساعدة في تفسير نتائج الاختبارات القضائية ودعم الرقابة المانعة، كما تضمن المحاسبة القضائية التأكد من مدى التزام الوحدات بالتشريعات والقوانين إلى جانب المراجعة المالية لكافة العمليات، وما إذا كانت هناك حالات غش أم لا، بالإضافة إلى تحديد مسؤولية هذا الغش ونتائجه.

       وفي ضوء ذلك؛ فإن تطبيق المحاسبة القضائية في المملكة العربية السعودية أصبح ضرورة ملحة؛ خاصة وأن المملكة العربية السعودية اتخذت خطوات كبيرة في الحد من الفساد المالي، فقد تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد(نزاهة) بهدف حماية النزاهة ومكافحة الفساد على المستويين المحلي والدولي بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030، وتم استحداث وحدات مراجعة داخلية في الوحدات الحكومية-مع ضرورة تبعيتها لأعلى مسؤول في الجهة الحكومية-مما يضفي عليها استقلالية في العمل بحيث تتم الرقابة على الأداء بكفاءة عالية ويساعد ذلك على تحقيق الشفافية المالية فيما يخص كفاءة الإنفاق، والشفافية الإدارية في وضوح الإجراءات، والشفافية الإلكترونية في تفعيل الحكومة الإلكترونية وأتممته العمليات على مستوى الوحدات الحكومية. أما على مستوى القطاع الخاص فإن المحاسبة القضائية تساعد على تضييق فجوة التوقعات (توقعات مستخدمي المعلومات المحاسبية)، وتقليل سوء الفهم بين الإدارة والمستثمرين؛ مما يُضفى الثقة في المعلومات المالية؛ وبذلك تصبح المملكة بيئة جاذبة للاستثمار الخارجي.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة