المتحدث الإعلامي..التخصص والتبرير

على الرغم من التطور النوعي والكمي في تقنيات الاتصال الحديثة، والحجم الهائل لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركتهم الفاعلة في صناعة الخبر والرأي وتحليل الأحداث، من خلال النقل الفوري والمتتابع للأحداث، وظهور ما يعرف بـ «صحافة المواطن»، إلا أن بعض المتحدثين الرسميين لبعض الجهات الحكومية لا يزالون في معزل عن جمهورهم. بل إن البعض منهم للأسف لا يزال لم يستوعب المرحلة الجديدة والتغير الحاصل فيها ورؤية المستقبل 2030. ولذا نجد خطابهم الإعلامي متباعد وأسير لخطاب تقليدي مثقل بهاجس الخوف من الرأي الأخر، ومسكون بعقدة التبرير والدفاع عن الجهة التي يمثلها، ومقيد بالمحاذير، وقلة الصلاحيات الممنوحة له.

ومن الملاحظ في عمل بعض الجهات الحكومية ومن يمثل صوتها في الاعلام أن هناك تداخلاً بين عمل إدارة العلاقات العامة والاعلام وبين المتحدث الرسمي؛ وهذا التداخل يربك العمل ويشتت الجهود.

ولهذا نجد أن الجهات التي يكون المتحدث الرسمي فيها هو نفسه المشرف على إدارة العلاقات العامة والاعلام تقوم بدورها بشكل أفضل في اظهار دور الجهة التي يتحدث باسمها، فعمل المتحدث الرسمي لا يجب أن يكون عمل روتيني؛ بل هو عمل ديناميكي يتفاعل مع محيطه سواء داخل المنظمة أو خارجها، وأن يعمل بتكامل وفعالية مع كل الأطراف المعنية. كذلك يجب أن تكون لهذا المتحدث رؤية ورسالة لما يطرح، وأن يكون صادقاً مع الرأي العام؛ وهذا الأمر يتطلب تأهيلاً معيناً وخصائص وسمات شخصية محددة يجب توافرها في المتحدث الرسمي.

ووفقاً لدراسة سابقة أجرتها وزارة الثقافة والاعلام، أوضحت أن عدداً كبيراً من المتحدثين الرسميين في الجهات الحكومية لم يتلقوا دورات تدريبية كافية، كما أنه لا يوجد لهم فريق دعم أو مساندة؛ ولهذا جاءت فكرة مركز التواصل الحكومي الذي أطلقه معالي وزير الثقافة والإعلام مؤخراً لتعزيز التكامل والتنسيق بين الأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام المختلفة، لمواكبة التطور، ومسايرة النهضة الشاملة في المملكة. ولمساندة الإدارات الإعلامية في الأجهزة الحكومية لأداء رسالتها. وحتى نكون منصفين، فأحياناً لا يمكن أن نلقي باللوم على المتحدث الرسمي بشكل كامل؛ حيث تتوزع المسؤولية على عدة أطراف داخل المنظمة، ومنها عدم وجود صلاحية فورية لتزويد الإعلاميين بالرد المباشر وصعوبة الحصول على المعلومات بشكل سريع.

وتجدر الإشارة إلى أنه في بعض الجهات الحكومية، وخاصه التخصصات الدقيقة، مثل الصحة والتجارة من المهم أن يكون المتحدث الرسمي متخصصاً اعلامياً، ولكن الأهم أن يكون متخصصاً ومطلعاً كذلك في المجال الذي يمثله؛ لأن تصريح واحد خاطي قد يكلف الجهة الكثير، و من الضروري تواجد المتحدث الرسمي على منصات التواصل الاجتماعي والتفاعل معها بشكل دائم وفي الوقت المناسب و أن  يُكتفَى فقط بالحساب الرسمي للجهة بحيث تنشر بيانات المتحدث الرسمي من خلاله، وهذا ما أميل له شخصياً لتوحيد الجهود بشكل أكبر. ومن المهم كذلك عدم اقتصار المتحدث الرسمي على وسيلة إعلامية واحدة فقط.

وعلى المتحدث الرسمي أن تكون له إستراتيجية في التعامل مع وسائل الاعلام، وأن يقيم الضرر بشكل صحيح؛ فليس كل قضية تستحق التدخل المباشر فبعض القضايا قد يكون كافياً التعامل معها من خلال بيان مختصر وكثير من الأمثلة حدثت مؤخراً تؤكد هذا الأمر، حيث كان لتداخل المتحدث الرسمي مع وسائل الاعلام أثر عكسي وزاد القضية تعقيداً.

إن  من المهم على المتحدث التفريق بين طبيعة الموضوعات؛ فبعضها يحسن تقديمه كتابياً كتقرير أو تصريح أو بيان صحفي، والأخر قد يكون من الضروري الخروج الاعلامي تلفزيونياً أو إذاعياً. ومهم جداً أيضاً أن يتحلى المتحدث الرسمي بالذكاء الاجتماعي وبمهارة الاتصال تحت الضغوط، وخاصة مع وسائل الاعلام، والبقاء على نفس الموضوع والإجابة عن الأسئلة بعناية وتوقع الأسئلة الصعبة. كما أن من المهم على المتحدث التجرد من الذات وعدم أخذ الموضوع أو القضية المطروحة بشكل شخصي؛ فهو لا يمثل شخصه، وإنما يمثل الجهة التي يتحدث باسمها. بمعنى عليه ألا يقحم مشاعره الشخصية في الأمر، وعليه أن يمتص غضب المتلقي كما تمتص خدمة العملاء غضب العميل .​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة