"الرشاقة الإدارية" وإعادة تأهيل المنظمات على الطريقة اليابانية

​ 

  • 14 مبدأً أساسياً لتلافي 7 أشكال من الهدر وتحقيق 8 مواصفات بالمؤسسات الرشيقة
  • الإنتاج في الوقت المحدد وjidoka والسينات الخمس وطريقة S.M.E.D من أهم أدواتها

 

حينما نتحدث عن كفاءة المنظمات وجودة المنتجات يبرز في أذهاننا جميعاً الشركات اليابانية التي احتلت مكانة متميزة. تصاعدت وتيرتها منذ بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، فهذه شركة "تويوتا " التي حققت نتائج باهرة من حيث نسبة المبيعات، وكذا أساليب تصنيعها؛ حيث طبقت نظام تصنيع رشيق شامل يسمى بنظام "تويوتا" لتسيير الإنتاج والذي كانت كلمة السر فيه هي "الرشاقة الإدارية" التي حققتها هذه الشركة. وهو ما لن يتحقق من فراغ؛ وإنما يتطلب دعم الإدارة العليا، والتعاون بين الإدارة ومنسوبي المنظمة، والاهتمام بالتكوين والتدريب، والتغيير في ثقافة المنظمة، وهو ما يمنحها تميزاً إدارياً، وإبداعاً، وميزة تنافسية، وفاعلية تنظيمية، وغيرها من سمات الكفاءة وجودة الأداء. في هذا التقرير نصحبكم معنا كي نتعرف على هذا المفهوم الإداري المعاصر.

 

7 أشكال

في البداية يؤكد كل من: د.عبدالقادر مسلم، ود.شذا أبوسليم في بحثهما بعنوان: "الإدارة الرشيقة ودورها في تحقيق الإبداع لدى العاملين" على أن الإدارة الرشيقة طريقا مهما لتحسين أداء المنظمات وهي فلسفة تعتمد على التحسين المستمر، الأمر الذي يتطلب التزام ومشاركة من قبل جميع العاملين، وعرفت الإدارة الرشيقة على أنها فلسفة تهدف المنظمة من خلالها إلى تحقيق أقصى قدر من القيمة المقدمة لزبائنها من خلال التقليل من الضياع والهدر، وإنتاج منتجات وخدمات بأقل التكاليف وأسرع وقت ممكن، ويركز على الكفاءة وتحقيق الحد الأدنى من الهدر والتلف وضياع الموارد وهذا يُعرف باليابانية (MUDA). ويوضح كل من: عبدالرحمن بن وارث، واحمد جابة في دراستهما بعنوان: "دور المؤسسات الإنتاجية في تطبيق أسلوب "الإدارة الرشيقة" المقصود بهذه الكلمة اليابانية والتي تعني كل نشاط إنساني يستهلك موارد إنتاج بدون فائدة حقيقية كحركة العمال، وتنقل السلع من نقطة إلى أخرى بدون سبب حقيقي، وحدوث توقفات في مرحلة معينة بسبب تأخر في مرحلة سابقة، وسلع وخدمات لا تتوافق مع احتياجات الزبائن.

ولأن الهدر كما يكاد يراه معظم الخبراء والمتخصصين هو الفيصل بين المنظمات الرشيقة، ومثيلاتها البدينة؛ فإننا نسلط الضوء على أشكال الهدر التي قد ينتج عنها بدانة المنظمات التي يجب أن تعمل على تلافيها. ولذلك يجمل "بن وارث"، و"جابة" أشكال الهدر المختلفة في المنظمات في 7 أشكال، وهي: الإنتاج الزائد، ووقت الانتظار، ووقت المناولة، والتحضير السيء للعملية الإنتاجية، والمخزون، والحركة غير الضرورية، والأخطاء غير الضرورية.

البدانة التنظيمية

وتبدو أهمية الرشاقة الإدارية والتزام المؤسسات المختلفة بتحقيقها والحفاظ عليها في حال مقارنة ذلك بإصابتها بنوع من "البدانة التنظيمية" وما يستتبعها من تداعيات وخيمة، وهو ما يوضحه لنا د.سلطان خليف في بحثه بعنوان: "البدانة التنظيمية وأثرها في عملية التصحر الوظيفي"، والذي يرى أن البدانة التنظيمية من أهم مؤشراتها: التضخم الوظيفي، والتكاسل الوظيفي، وانخفاض الإنتاجية. وبدوره ينطوي التضخم الوظيفي على عدد من الآفات الإدارية التي تهدد استقرار المنظمات، وهي: الترهل الوظيفي والذيول الوظيفية، ونفقات بلا إيرادات، وضياع الفرص، وتهديدات قائمة. بينما ينتج عن التكاسل الوظيفي ما يلي: اتكالية العاملين على بعضهم البعض في أداء المهام، واللامبالاة والتنصل من المسئولية، وإلقاء اللوم على الآخرين. أما انخفاض أو تدني الإنتاجية فيؤدي إلى انخفاض نسبة المخرجات، وتدني الإنتاج، وهبوط القيمة المضافة. ويخلص خليف إلى أن إصابة المنظمات بالبدانة التنظيمية له علاقة مؤثرة بإصابتها أيضا بالتصحر الوظيفي-على حد تعبير الباحث ووصفه-وهذا التصحر الوظيفي يصيب مثل هذه المنظمات بأربع آفات إدارية، وهي: أولاها سوء استخدام الموارد، حيث التبذير المقصود، والاستحواذ على الموارد من قبل بعض التقسيمات، واستنزاف القدرات. والثانية هي الشِلل الوظيفية، حيث الانقسامات على أساس المصالح، والتضارب في الأفكار، وظهور الزعامة الوظيفية. وثالث هذه الآفات هي الفوضوية في العمل، حيث غياب النظام، والتردد في القرارات، واللامبالاة في العمل، واستفحال الصراعات السلبية. وتتجلى رابع تلك الآفات الإدارية في البيروقراطية المفرطة، حيث التحكم والأوامر القسرية، ومتابعات سرية مخيفة، والقواعد سيدة الموقف، وتحول الموظفين لأداة منفذة لا رأي لهم.

14 مبدأ لـ"تويوتا"

وحتى ينجح تطبيق فلسفة الإدارة الرشيقة في المنظمات؛ يذكر د.عبدالقادر مسلم، ود.شذا أبوسليم  أنه یجب أن ترتكز على 14 مبدأ أساسياً وردت في كتاب “Liker Jeffry" في كتابه "منهج تويوتا The Toyota way"، وهي: المبدأ الأول هو تركيز قرارات المؤسسة التسييرية على فلسفة طويلة الأمد والقبول بالتكاليف على المدى القصير، والثاني خلق تدفق مستمر في عمليات المؤسسة من أجل مواجهة المشكلات، والثالث هو اعتماد نظام السحب بدل الدفع من أجل اجتناب الإنتاج الزائد، ورابعها انسيابية الأنشطة من خلال عدم عرقلة العمليات وبيروقراطيته، والخامس هو التأكيد في ثقافة المؤسسة على ضرورة التوقف عند الحاجة وفي الوقت المناسب من أجل معالجة المشاكل لضمان مستوى جيد للجودة من أول إنتاج. والسادس يتحدد في تنميط وتوصيف العمليات الإنتاجية وإتباع قاعدة التحسين المستمر. والسابع (التسيير المرئي) أي يجب أن تكون كل القواعد والأساليب التسييرية واضحة للكل ومعروفة عند الجميع مما يمكن من عدم بقاء الأخطاء متخفية. وثامنها استعمال فقط التكنولوجيا المجربة في عملية الإنتاج وذلك لتفادي الوقوع في الأخطاء وهدر الوقت والموارد. والتاسع عبارة عن تكوين أشخاص قياديين على دراية كافية بتفاصيل كل العمليات داخل المؤسسة وقادرين على تكريس ثقافة وفلسفة المؤسسة بطريقتهم الخاصة. وكذلك المبدأ العاشر يتعلق بتكوين فرق عمل متخصصة في الجودة تتبع فلسفة المؤسسة. أما المبدأ الحادي عشر فيرتكز على احترام الشركاء والموردين وتشجيعهم بالسعي دوما نحو الأفضل والتحسين. والثاني عشر هو تكريس مبدأ العمل الميداني من اجل معرفة ماذا يجري بالضبط وفهم الوضعية بالشكل الصحيح. والثالث عشر اتخاذ القرارات بروية ومن دون تسرع وبالتوافق مع الأطراف الفاعلة داخل المؤسسة مع الأخذ بعين الاعتبار كل العوامل المحيطة. والمبدأ الرابع عشر أنه على المؤسسة أن تبقى دائماً في طريق التعلم وتتبع أسباب مشكلات المؤسسة والعمل على حلها لفكرة التحسين المستمر.

8 مواصفات

ونقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" فإن د.عوض الحربي يرى أن رشاقة المنظمة يمكن أن تعرف بوجود مواصفات معينة يجب أن تتحلى بها أي منظمة لكي يطلق عليها واقعياً وليس رومانسياً المنظمة الرشيقة، وهذه المواصفات هي: 1-الأولوية القصوى لديها إرضاء العملاء من خلال توفير متطلباتهم واحتياجاتهم بصورة عاجلة ومستمرة والاهتمام بالتعرف على توقعاتهم الضمنية، وكذلك السعي إلى تجاوز ذلك بإسعاد العملاء وإبهارهم بالمنتجات ذات الجودة والخدمات المتميزة، والاستجابة السريعة لشكاوى واقتراحات العملاء. 2-الترحيب الفعال والتجاوب الإيجابي مع متطلبات التغيير المتوقع أو المفروض عليها من بيئة العمل الداخلية أو الخارجية، كالمتغيرات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية حتى ولو لم تكن في الحسبان. 3-التميز بالشفافية داخليا تجاه العاملين وخارجياً تجاه أصحاب المصلحة من الدولة والمستثمرين والعملاء والمجتمع. 4-توافر نظام قياس متكامل للمؤشرات KPI's المالية والإنتاجية وتجاه العملاء وجوانب الإبداع والتعلم من حيث تحديدها ورصدها ومتابعتها وتقييمها ومن ثم تصحيح مسارها متى كانت هناك حاجة إلى ذلك. 5-الاستدامة التنموية مالياً وإنتاجياً. 6-اليقظة الدائمة بما حولها من الأحداث والمتغيرات واستطلاع واستشراف المستقبل بصورة فاعلة ومستمرة. 7-الاهتمام الدائم ببناء قواعد البيانات لجميع الاحتياجات والممتلكات والمؤثرات الداخلية والخارجية للمنظمة، وتسهيل عملية الوصول إليها للجميع، خاصة عند اتخاذ القرارات مع تفعيل الاستفادة من النظم الذكية في هذا الشأن. 8-قرارات المنظمة الرشيقة تخالف قرارات المنظمة البيروقراطية من غير تعقيد أو إطالة زمنها.

مميزاتها

ويلفت محمد هنية في أطروحته بعنوان: "مدى ممارسة الرشاقة الإستراتيجية وعلاقتها بتميز الأداء المؤسسي" إلى مميزات المنظمة الرشيقة، فيرى أنها تستند على دمج نظام تكنولوجيا المعلومات، والأفراد والعمليات التجارية داخل منظمة منسقة ومرنة قادرة على الاستجابة بسرعة للأحداث والتغيرات في البيئة، والرشاقة في هذه المنظمات تعتمد على رد الفعل على التحديات التي تهيمن على بيئة العمل أو السعي لتحقيق النجاح، من خلال الحصول على الحصة السوقية والربحية وجذب الزبائن في الأسواق التنافسية، كما أن المنظمات الرشيقة تقيم باستمرار أداء الموظفين داخل الحدود التنظيمية، ومن الجدير بالذكر أن المنظمات الرشيقة يجب عليها أن تفكر بشكل أبعد من كيفية التعامل مع التغيرات، إنما يجب عليها التفكير في كيفية استعمال الفرص المحتملة في بيئة مضطربة، وإمكانية الحصول على مكانة خاصة آخذة بعين الاعتبار قدراتها وكفاءاتها. وقد لخص Audran الخصائص التي تميز المنظمة الرشيقة عن المنظمة التقليدية في الجدول رقم (1):

جدول رقم (1) الفرق بين المنظمة الرشيقة والمنظمة التقليدية

المعيـارالمنظمة التقليديةالمنظمة الرشيقة
الهيكل التنظيميهرمي/رأسيهيكل شبكي ذو شكل أفقي مسطح
كفاءة الوحدات والفرقامتلاك الخبرةتعدد الاختصاصات
تدفق المعلومات وصناعة القرارمركزيلا مركزي
دور المدراءالسيطرة والمراقبةالتنسيق والتسوية
نوعية الأفرادوجود الاحترام، والكفاءةالتكيف، والمسؤولية، والاستقلالية

 

أدوات الرشاقة

وحتى تحقق فلسفة الإدارة الرشيقة أهدافها المتعلقة بإزالة الهدر في الإنتاج يؤكد "بن وارث"، و"جابة" على أنه لا بد من الاعتماد على مجموعة من الأدوات والآليات، وتطبيقها، وهي: فلسفة الإنتاج في الوقت المحدد لتلافي كافة أشكال الهدر. وفلسفة Jidoka وتعني البناء على أساس الجودة والتي ترتكز على عدد من المبادئ الأساسية وهي (التفتيش المباشر، ووالتفتيش من المصدر، والمسؤولية الواضحة، والتوقف الضروري عن العمل حين اكتشاف العيوب وعدم استئنافه إلا بمعالجتها). وتنميط العمل. وفلسفة السينات الخمس التي سُميت بذلك لأنها كلمات يابانية تبدأ كلها بحرف (S) وهي: Seiri وتعني التخلص من كل ما هو غير ضروري في مكان العمل، Seiton وتعني تنظيم مكان العمل من أجل إيجاد الأدوات في أقرب وقت وضمان سلامة العاملين، Seiso وتعني تنظيف الورشة من أجل إضفاء جو يبعث على الارتياح، Seiketu وتعني جعل المعايير السابقة جزءا من إدارة مكان العمل، Shituke وتعني التدريب وغرس الانضباط في عقول وسلوك كل العاملين المحيطين). وطريقة S.M.E.D وهي اختصار للحروف الأولى لكلمات جملة Single Exchange of Die أي تغيير القالب في أقل من عشرة دقائق وهي تقنية تسمح بتخفيض قدر الإمكان وقت التهيئة والإعداد للعملية الإنتاجية. والأخذ باقتراحات العاملين وذلك من خلال إشراكهم في صنع القرارات ووضع الخطط والسياسات اللازمة.

فهذه الآليات وغيرها تسهم بقسط كبير في المحافظة على موارد المؤسسة وخاصة الوقت منها، ولعل أن النجاحات المحققة في شركة" تويوتا" بفضل هذا الأسلوب وما حققته من نتائج في إزالة الهدر خير دليل على نجاعة هذه الفلسفة الإدارية، وهو ما يمكن أن نتبينه من الجدول رقم (2):

جدول رقم (2) نجاحات شركة "تويوتا" بسبب التصنيع الرشيق

المؤسساتالوقت اللازم لتركيب سيارة واحدة (ساعة)

الفرق مقارنة

بـ TOYOTA

عدد العيوب في كل 1000 وحدة

الفرق مقارنة

بـ TOYOTA

TOYOTA21,83ـــ196ـــ
DAIMER CHRYSLER28.04+28%311+58%
GENERAL MOTORS24,44+12%264+35%
FORD26,14+6%287+46%

 

ويبدو من الجدول رقم (2) التفوق الواضح لشركة "تويوتا" على أكبر منافسيها، حيث إن تركيب سيارة واحدة فيها يحتاج إلى 21 ساعة عمل أي أقل بثلاث ساعات من شركة General Motors وأقل بخمس ساعات من شركة Ford، بينما تحتاج هذه العملية إلى زمن أطول في شركة Daimer Chrysler يقدر بأكثر من سبع ساعات مما تحققه Toyota. كما أن نسبة المعيب في شركة "تويوتا" تقل بـ 35% مقارنة بشركة General Motors و46% من المحققة في شركة Ford، بينما تقدر نسبة العيوب في شركة Daimer Chrysler بأكثر من 58% مقارنة بشركة Toyota.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة