التواصل الفعال مع النفس

​​​جرٍب كل صباح أن تنظر إلى المرآة وتقول لنفسك صباح الخير، صباح التميز، صباح العطاء، وغيرها من العبارات الإيجابية التي توحي بالأفضل من نفسك ولنفسك، ثم لاحظ الفرق بعد شهر من الآن. إن معرفة الفرد لقدراته ومهاراته وإمكانياته المتنوعة سواءً الجسدية، أو النفسية، أو العقلية، مع اتجاهاته الإيجابية نحو نفسه وما يفضل أن يكون عليه مستقبلاُ؛ يساعد-وبتوفيق الله تعالى-على تحقيق الأهداف التي يسعى إليها بأكبر قدر من الكفاءة والفعالية، وبما يحقق السعادة والراحة له. وهو ما يعرف بمصطلح (إدارة الذات). ويرى الباحثون في هذا المجال أنه أحد أهم العوامل المساعدة على نجاح أصحاب الأداء المتميز؛ لأنه يحفزهم كي يكونوا أشخاصاً إيجابيين لديهم إدارة عالية للذات والذي يمكن تحقيقه من خلال استخدام بعض الوسائل المساعدة، والتي منها:

يمكن تحقيق الإدارة الفعالة للذات، من خلال محادثة النفس بإيجابية والسيطرة على المشاعر والتصرفات السلبية، مع تحمل مسئولية السلوك والتوجه نحو تحقيق الأهداف الصعبة. ويجب الحذر من لوم أو ما يعرف بجلد الذات، أي تأنيب الذات بشكل سلبي متكرر؛ مما قد يسبب القيام بفعل ما ويزيد من الانفعالات السلبية.

ويجب أن تتزامن إدارة الذات مع التفكير الواقعي الإيجابي المنطقي والذي من خلاله يحدد الفرد أهدافه المستقبلية، مع وعيه التام بالتحديات التي قد تواجهه وكيفية معالجتها، ويشمل ذلك التحديات الفردية النابعة من ذاته، أو التحديات العائلية والمرتبطة بظروفه العائلية، أو التحديات العملية والمرتبطة بظروف وطبيعة العمل.

ويتطلب ذلك التخطيط الذكي، ووضع الفرد خطة واقعية تحدد أهدافه في المستقبل على المستوى القريب أو البعيد، ويفضل أن تكون مكتوبة، مع مرونة عالية في تعديلها حسب تطور مستوى الأهداف التي يسعى لتحقيقها، أو الظروف الطارئة التي قد تحدث. ومن هنا يبدأ الفرد في تسخير كافة إمكانياته وقدراته نحو تحقيق أهدافه.

كما يساعد على ذلك مراقبة الطريقة التي يتصرف بها الفرد في المواقف اليومية. وتعتبر إحدى الطرق الأكثر فعالية لتطوير مهارات التواصل مع الآخرين، من خلال مراقبة الطريقة التي نتصرف بها في المواقف اليومية. ويتم ذلك من خلال مراقبة الفرد سلوكياته التفاعلية مع الآخرين، وتسجيلها بشكل دقيق، ومن ثم تحليلها وتحديد كيفية دعم عناصر القوة فيها، أو معالجة عناصر الضعف (إن وجدت).

كما أن إدارة الذات تتطلب قدرة الفرد على السيطرة على غضبه؛ لأنه قد يؤدي به إلى الانفعال والثوران، وعدم القدرة على التحكم في أقواله وأفعاله. وذلك آخذاً بالمنهج الإسلامي في التحذير من الغضب قال الله تعالى: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ « (الآية (134) سورة آل عمران)، وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ للرسول صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: «لا تَغْضَبْ»، فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: «لا تَغْضَب.  ومما يساعد أيضًا على السيطرة على الغضب التدريب باستخدام النماذج المقترحة من علماء النفس وتطوير الذات والتي من أشهرها نموذج (APEB) والذي يهدف إلى فهم المراحل التي يمر بها الغضب واستخدام الإستراتيجيات المناسبة في كل مرحلة؛ من أجل أن يسيطر عليه. وهذه المراحل هي: مرحلة الانتباه  أي انتباه الفرد للمثيرات التي تسبب له الغضب، سواء أكانت هذه المثيرات داخلية مصدرها الفرد نفسه، أو خارجيه مصدرها الآخرين والبيئة المحيطة. ومرحلة الإدراك وهي التفسير والفهم للمثيرات التي تسبب الغضب استناداً على خبرات الفرد السابقة. ومرحلة الانفعال أو الغضب وهنا يجب على الفرد مواجهة ذاته مباشرة وتهدئة نفسه، من خلال طرق متعددة، ومنها: ضبط الذات، وإظهار الانفعال المضاد كأن يظهر الهدوء. وأخيراً مرحلة السلوك وهو رد فعل الفرد بعد تعرضه للموقف الذي سبب له الغضب، ويرتبط السلوك طردياً مع شدة الغضب، وتختلف أشكال السلوك؛ فقد يكون سلوكاً لفظياً، أو جسدياً، أو رمزياً.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة