الإحصاء والتنقيب عن المعانى في حياتنا اليومية

​يلعب الفكر الإحصائي دوراً هاماً لمن يرغب في تقييم الأمور واتخاذ القرار بشكل دقيق، سواء كان هذا الدور واضحاً أو مختفياً في الخلفية. فلو افترضنا أن أولادك يدرسون في الجامعة، وجاء وقت النتائج، وكانت درجة الابن الأول 92 من 100، ودرجة الابن الثاني 84 من 100، فهل تعطي الأول مكافأة لأنه حصل على امتياز، وتعاقب الثاني أو تمنع منه المكافأه لأنه حصل على تقدير أقل وهو جيد جداً فقط! هل تقييمك لتحصيلهما الدراسي أن الابن الأول أفضل من الثاني؟ بالفعل هذا هو التقييم الطبيعي لمن ليس لديه فكر إحصائي. وإذا أردنا تقييم الأمور بشكل أفضل لاتخاذ قرار بمكافأة أو عقاب الأبناء؛ فلابد أن نعلم أن الإحصاء ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيانات والمعلومات المتوفرة كمصدر لاتخاذ القرار.

ولمعرفة الموقع الدقيق لدرجة كل ابن بالنسبة لزملائه، لابد من تجميع بيانات عن بعض الزملاء، أي سحب عينة، أو كل الزملاء وهو ما يطلق عليه المجتمع الإحصائي، وبالطبع فإن الأسلوب العملي هو أسلوب العينة بشرط مراعاة المعايير الإحصائية كأن تكون العينة ممثلة للمجتمع. وفي حالتنا هذه إذا سألنا زملاء الابن الأول عن درجاتهم واستطعنا أن نجمع بيانات عن 4 زملاء، وكانت درجاتهم 97، 93، 94، 96، نجد أن درجاتهم أعلى من درجة الابن، وبمعنى آخر أن درجة الابن أقلهم! وبتجميع بيانات عن درجات زملاء الابن الثاني، فلم نستطع الحصول إلا على بيانات 3 زملاء فقط، وكانت 80، 77، 83، وهنا نجد أن درجة الابن الثاني أعلى من درجات زملائه. ومقارنة درجة الابناء بدرجات زملائهم هو نوع من أنواع تحليل البيانات، ولكن في حالتنا هذه كانت البيانات قليلة جداً لأغراض الفهم فقط، وإنما في الواقع العملي دائما ما تواجهنا بيانات ضخمة، ولا يستطيع العقل البشري تحليل البيانات دون الاعتماد على برامج حاسب آلي إحصائية (يمكن لأي شخص استخدامها مثل SPSS) ومنهجية علمية (قاصرة على المحلل الإحصائي فقط) تعطي مؤشراً أو رقماً سهل الفهم لاتخاذ القرار بطريقة ذكية.

وبطبيعة الحال لا يمكن عملياً وصف كل رقم في العينة، ونحتاج مقياساً عددياً يدل على كل البيانات دون الرجوع لها تفصيلاً، يتم حسابه ليلخص ويصف بيانات العينة في رقم واحد فقط. يعبر عنها كقيمة متوسطة تتمركز عندها المفردات وهو ما يطلق عليه مقياس نزعة مركزية، ثم نقارن درجة الابن بهذا المقياس، فإذا كانت درجة الابن أعلى من مركز البيانات يتم مكافأته لتفوقه، وإن كانت درجته أقل من المركز يتم معاقبته. وبالطبع في كلتا الحالتين يجب تحليل الأسباب للاستفادة مستقبلاً من نتائج تحليل البيانات. وبحساب الوسط الحسابي لزملاء الابن الأول والابن الثاني نجدهما 95، 80 درجة على التوالي، والآن نستطيع اتخاذ قرار -ولو بصورة جزئية-عن الوضع الصحيح لأبنائنا بالنسبة لمتوسط زملائهم، فدرجة الابن الأول مقارنة بمتوسط درجات زملائه في صورة مسافة إحصائية 92-95 = -3 أي أقل من متوسط درجات زملائه لأن الناتج سالب، ودرجة الابن الثاني مقارنة بمتوسط درجات زملائه في صورة مسافة إحصائية 84-80 = +4 أي أعلى من متوسط درجات زملائه لأن الناتج موجب. وبعمل تصوير بسيط أو رسم للبيانات يمكن اتخاذ القرار، بالاستعانة بالشكل التالي.

مع التأكيد على أن علم الإحصاء جعلنا نرى أشياءً كانت غير مرئية من قبل؛ لأنه تكنولوچيا استخراج المعنى من البيانات وصنع استنتاجات حول المجهول والتنبؤ بالمستقبل، وأننا بحاجة دائمة إلى الإحصائي حتى لو تمكنا من استخدام بعض أدواته.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة