ابتعاث عبدالله الطريقي ورؤية المؤسس

كان عبدالله الطريقي وتفوقه محل تقدير وإعجاب الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه-الذي كان يتطلع بثاقب بصيرته وحرصه على تعليم وتدريب وابتعاث الحريصين من أبناء شعبه؛ كي يسهموا في قيادة بلادهم وإدارة شؤونها، لا سيما أنها مقبلة على نهضة تنموية، بعد تدفق النفط في ساحلها الشرقي؛ لذلك فقد وجه الملك عبدالعزيز-رحمه الله-وزير ماليته الشيخ عبدالله بن سليمان إلى ابتعاث اثنين من السعوديين اللذين كانا يدرسان في مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ للتخصص في دراسة النفط وهما: عبدالله الطريقي، ومهنا بن معيبد؛ من أجل أن يسهما في إدارة شؤون الوطن بعد أن ينالا من العلم والمعرفة ما يؤهلهما لذلك.

لقد كان المليك عبدالعزيز-رحمه الله-بالفعل مؤسس دولة ومنشئ نظم من طراز نادر وفريد، فلم يكن أسير محيطه الثقافي والاجتماعي، بل تعداه برؤيته التي سبقت زمانها والتي تؤكد على أنه على علم بما سيتحقق لهذه البلاد من نهضة تنموية لن تقوم إلا على سواعد أبنائها المتعلمين.

من ميناء بورسعيد، حزم الطريقي حقائبه متوجهاً على ظهر الباخرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أمضى أياماً وليالي على ظهر السفينة طواها بحزم وعزم ليصل إلى الساحل الشرقي لتلك البلاد، كأول طالب سعودي يبتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وكطالب جيولوجيا؛ قرأ الطريقي تقارير عن "ريلرود أوف تكساس"، وهي جهة تنظيمية تتمتع بسلطة التحكم في إنتاج النفط، وقد علم حقيقة دامغة وهي أن النفط الذي يكمن تحت الأرض في تكساس والسعودية وفي كل مكان، ليس مطلقاً، وبدأ الطريقي في صياغة الخطط لسياسة طويلة الأجل لاستغلال متوازن للمصدر الأول للثروة في وطنه.

أمضى الطريقي 18 شهراً في دراسة الماجستير، ثم تقدم برسالته بعنوان: "جيولوجيا المملكة العربية السعودية" والتي ناقشها في أغسطس 1947م، وفي مقدمتها قدم الشكر لشركة أرامكو؛ لتقديمها تقارير وخرائط الشركة.

بعد ذلك أمضى عبدالله الطريقي سنة-بعد حصوله على الماجستير-في فترة تدريب من قبل شركة تكساس، حيث أمضى ثمانية شهور في تكساس، وأربعة شهور في كاليفورنيا. يفرز أثر هذا النوع من الخبرة التعليمية مجموعة من القيم، وأنماطاً مقبولة من الأفعال لهؤلاء الذين خاضوا التجربة، وترى تلك الشخصيات العصرية هذه القيم داخل منظومة تثمر عن نتائج معينة في كفاءة التشغيل والاقتصاد في الجهد، وفي عام 1948م عاد الطريقي إلى بلاده السعودية حاملاً شهادته.

____________________________________

من كتاب: عبدالله الطريقي صخور النفط ورمال السياسة للأستاذ محمد بن عبدالله السيف​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة